"العمّال" البريطاني: كوربينية اشتراكية تمسك عصا بريكست من وسطها

"العمّال" البريطاني: كوربينية اشتراكية تمسك عصا بريكست من وسطها

لندن

إياد حميد

إياد حميد
28 سبتمبر 2018
+ الخط -

اختتم زعيم حزب العمال جيريمي كوربين مؤتمر حزبه السنوي، أول من أمس، بكلمة مطولة، حدد فيها أطر الثورة الكوربينية الاشتراكية التي يريد "العمال" أن يحققها في بريطانيا. وشملت كلمته، التي امتدت لنحو ساعة من الزمن، العديد من القضايا، مثل إعادة توزيع الثروات، وتأميم الخدمات، وتوسيع الاستثمارات، ومعاداة السامية وغيرها.

إلا أن أهم المسائل وأكثرها إلحاحاً كانت المسألة الأوروبية وعلاقة بريطانيا بالاتحاد الأوروبي بعد بريكست. وتعهد كوربين بأن يصوت نواب حزبه ضد أية صفقة تتقدم بها رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، وتكون مبنية على أسس خطة تشيكرز، لأنها لا تجتاز الاختبارات الستة التي وضعها حزب العمال. ولكن كوربين توجه إلى ماي بقوله إن حزبه سيدعمها في حال توصلت إلى اتفاق "منطقي" يبقي على بريطانيا في الاتحاد الجمركي ويحافظ على حقوق المستهلكين وحقوق العمال بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ويبدو أن كوربين يحاول بهذه المناورة الاستفادة من ضعف موقف ماي أخيراً، بعد أن رفض الاتحاد الأوروبي خطة تشيكرز في قمة سالزبورغ، وحشد متشددي حزب المحافظين قواهم خلف صفقة تجارة حرة على النموذج الكندي، إضافة إلى ارتفاع الأصوات المطالبة بمنح الرأي العام البريطاني حق التصويت على الصفقة النهائية التي ستتوصل إليها ماي مع أوروبا، إن تمت، والتي كان آخرها صوت وزيرة الداخلية المستقيلة، آمبر رود. وترفض ماي حالياً التخلي عن تشيكرز نظراً لاعتقادها بأن الرفض الأوروبي ما هو إلا تكتيك تفاوضي. كما ترفض النموذج الكندي المدعوم من قبل متشددي بريكست في حزبها، لأنه سيبقي على إيرلندا الشمالية في الاتحاد الجمركي الأوروبي ويفصلها بالتالي تنظيمياً عن بقية المملكة المتحدة. إلا أنه لا يمكن التنبؤ بمسير مفاوضات بريكست مع بقاء نحو خمسة أشهر على موعده، وأقل من شهرين على الموعد النهائي للتوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي.

ويحاول كوربين الاستفادة من التقدم، وإن كان ضئيلاً، في موقف حزبه من بريكست. فبعد مباحثات مطولة على مستوى اللجان الأحد الماضي، أجمع حزب العمال على القبول بإجراء استفتاء ثانٍ على بريكست في حال لم تتم الدعوة إلى انتخابات مبكرة خلال الشتاء. وعلى الرغم من الخلاف بين قيادات الحزب على طبيعة الخيارات التي يمكن أن يشملها الاستفتاء، إلا أن قبول الحزب بالاستفتاء الثاني يذهب إلى الاستفادة من القلق الشعبي المتزايد من وصول المفاوضات إلى طريق مسدود، ومحاولة تقديم بديل يقبل البريطانيون به. وفي هذا السياق، اتجه كوربين، بعد أقل من 24 ساعة من كلمته في مؤتمر حزب العمال، إلى بروكسل، أمس الخميس، للقاء كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي، ميشيل بارنييه، ويطلعه على رفض حزبه لسيناريو عدم الاتفاق والذي يثير قلق جميع الأطراف. أما وزير التجارة الدولية في حكومة الظل العمالية، باري غاردينر، فقد أكد استعداد حزبه للتخلي عن عدد من خطوطه الحمراء مقابل التوصل إلى اتفاق جيد مع الاتحاد الأوروبي، في ما يمكن اعتباره مد يد العون لتيريزا ماي. وأعلن أنه إذا كان الخيار أمام بريطانيا صفقة أو الخروج من دون اتفاق، فإن حزبه مستعد للتنازل.



وكان كوربين قال، أمام مندوبي حزب العمال الأربعاء، "بناء على ما هو الوضع الآن، سيصوت حزب العمال ضد خطة تشيكرز، أو ما تبقى منها، ويعارض الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق"، إلا أنه أضاف موجهاً كلامه إلى ماي "إذا تمكنت من التوصل إلى اتفاق يشمل اتحاداً جمركياً وبقاء الحدود الأيرلندية من دون حدود صلبة، وإذا دافعتِ عن الوظائف، وحقوق الناس في العمل والمعايير البيئية والاستهلاكية، فإننا سندعم هذه الصفقة المنطقية. صفقة ستنال دعم عالم الأعمال والاتحادات النقابية أيضاً". ودعاها إلى التخلي عن السلطة والدعوة إلى انتخابات مبكرة في حال الفشل في التوصل إلى اتفاق. وقال إن "لم تستطيعي التفاوض على صفقة فعليك إفساح المجال أمام حزب يستطيع ذلك". وتأتي هذه التصريحات الخاصة التي تمت صياغتها بعناية انتخابية في نهاية المؤتمر بعد أن هيمن موضوع الاستفتاء الثاني على الأيام السابقة من المؤتمر. فقد دفع ضغط قواعد الحزب قياداته إلى تبني المطالبة بإبقاء جميع الخيارات مفتوحة في حال فشل المفاوضات. وبالطبع يفضل العمال حصول انتخابات مبكرة، يعتقد بإمكانية حسمها لصالحه، وربما لهذا السبب ذاته سيمتنع أي من متشددي بريكست في حزب المحافظين عن تحدي زعامة ماي للحزب، وبالتالي تجنب الدعوة إلى الانتخابات العامة المبكرة.

ولذلك فقد فضلت قيادات "العمال" مناقشة إمكانية الاستفتاء الثاني، في حال عدم الدعوة إلى الانتخابات. لكن الخلاف بينها حول إمكانية طرح خيار البقاء في الاتحاد الأوروبي لم ينفرج مع نهاية المؤتمر. فقد كان وزير المالية في حكومة الظل، جون ماكدونيل، والمقرب من كوربين، قال إن الاستفتاء سيكون فقط على صفقة ماي، أو الخروج من دون صفقة مع الاتحاد، ليعقب وزير بريكست في حكومة الظل، كير ستارمر، والذي يختلف مع كوربين حيال بريكست، ليقول إن جميع الخيارات مطروحة في الاستفتاء، وليضيف عبارة من خارج الكلمة المعدة مسبقاً، والتي أثارت أيضاً حماس الحضور، "لا أحد يستثني البقاء في الاتحاد الأوروبي كخيار في الاستفتاء". وشمل البيان الصحافي لحملة "أوروبا أخرى ممكنة"، والتي تدعم البقاء في الاتحاد الأوروبي، أن نص القرار العمالي الأصلي الذي تم التوصل إليه الأحد الماضي قد شمل أن يكون التصويت فقط على الصفقة. إلا أن الضغط من قواعد الحزب أدى إلى حذف تلك الفقرة، لإفساح المجال أمام خيار البقاء في الاتحاد. ويضيف البيان أنه وبحلول الأربعاء "جيريمي كوربين وافق على أن يشمل القرار الحزبي السماح بوجود خيار البقاء في الاتحاد في الاستفتاء".

وتكمن المعضلة أمام قيادات "العمال" في أن عدداً من الدوائر الانتخابية التي صوتت تقليدياً لصالح الحزب في الانتخابات العامة، قد صوتت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء عام 2016، نظراً لشعورها بالتهميش، وهي المناطق الصناعية السابقة والتي عانت من تحول طبيعة الاقتصاد البريطاني بعيداً عن الصناعة وباتجاه الخدمات. ويخشى عدد من قيادات الحزب، مثل ماكدونيل، أن إضافة خيار البقاء في الاتحاد الأوروبي سيدفع بهؤلاء بعيداً عن الحزب. بينما كانت معارضة كوربين، أو ربما تحفظه حتى الآن، بسبب اعتقاده بأن الاتحاد الأوروبي كتلة رأسمالية معادية لحقوق العمال. ولكن مع تراجع الخيارات المتاحة أمام بريطانيا مع مرور الوقت، يدرك كوربين ضرورة تقديم عدد من التنازلات، والالتزام بموقف نهائي يختلف عن اختبارات الحزب الست. ويبقى في نهاية المطاف القول إن انعكاس نتائج مؤتمر الحزب العمالي على أرض الواقع رهن بامتلاك "العمال" القرار السياسي البريطاني، إما بانتخابات عامة، أو بدفع المحافظين لماي للجوء إلى أصوات المعارضة البريطانية لتمرير صفقة بريكست.



ذات صلة

الصورة

سياسة

أفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، الخميس، بأن بريطانيا اشترطت على إسرائيل السماح بزيارة دبلوماسيين أو ممثلين عن منظمة الصليب الأحمر عناصر النخبة من حماس المعتقلين.
الصورة
ناشطة بريطانية تتلف لوحة بورتريه للورد بلفور بسبب فلسطين (إكس)

منوعات

أعلنت منظّمة بريطانية مؤيدة لفلسطين، الجمعة، أن ناشطة فيها أتلفت لوحة بورتريه معروضة لآرثر بلفور السياسي البريطاني الذي ساهم إعلانه في إنشاء إسرائيل.
الصورة

سياسة

أغلق محتجون مؤيّدون للفلسطينيين اليوم السبت طرقاً خارج البرلمان البريطاني في لندن، مطالبين بوقف فوري للحرب على غزة.
الصورة

منوعات

يواصل نجوم وفنانون من أنحاء العالم توقيع الالتماسات والدعوات، ويدلون بالتصريحات، ويدوّنون عبر مواقع التواصل، لوقف إطلاق النار

المساهمون