"الكنيست" يقر قانوناً يقلص صلاحيات المحكمة العليا بقضايا الاستيطان

"الكنيست" يقر قانوناً يلزم الفلسطينيين بالتقاضي أمام محكمة إدارية في مسائل الاستيطان

18 يوليو 2018
خطوة جديدة لتشجيع الاستيطان (فرانس برس)
+ الخط -
بعد عامين على إقرار قانون شرعنة المستوطنات، الذي يهدف إلى تبييض البؤر الاستيطانية التي أقيمت على أراض فلسطينية خاصة، ومنع هدمها، أقر "الكنيست"، الثلاثاء، نهائيًا، مشروع قانون جديد وضعته وزيرة القضاء الإسرائيلية، أييليت شاكيد، ويهدف إلى تقليص صلاحيات المحكمة الإسرائيلية العليا بالبت كجهة رسمية بالتماسات وتوجهات الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، ضد قرارات مصادرة أراضيهم، أو قرارات بتوسيع مستوطنات قائمة وشرعنة بؤر استيطانية على أراض فلسطينية.

ويحدد القانون الجديد وجوب توجه الفلسطينيين، أولًا، إلى محكمة للشؤون الإدارية كانت وزارة العدل الإسرائيلية أقامتها مؤخرًا لمنطقة القدس المحتلة والضفة الغربية، كمحطة تقاضٍ أولى، وهو ما يحول القضايا السياسية الخاصة بالاستيطان والاعتراض عليه، إلى مجرد إشكاليات وقضايا إدارية غير مرتبطة بالبعد السياسي لمشروع الاستيطان  كليًا.

وينص القانون على نقل صلاحيات البت في الالتماسات الفلسطينية على مجمل القرارات الصادرة عن هيئات وسلطات الاحتلال الإسرائيلي المختلفة، والمصنفة قرارات إدارية، والمتعلقة بحرية الحصول على المعلومات، والتخطيط والبناء، والخروج من إسرائيل والدخول إليها؛ إلى المحكمة الإدارية اللوائية، كخطوة أولى، وعدم التوجه مباشرة للمحكمة الإسرائيلية العليا.


وصوّت إلى جانب القانون 56 عضو كنيست، وعارضه 48 نائبًا فقط. وادعت حكومة الاحتلال، في مذكرة شرح القانون أيضًا، أن الهدف هو تخفيف العبء عن كاهل المحكمة الإسرائيلية، ومنع كون التوجه إليها الخطوة الوحيدة في هذا المجال. علمًا بأن التوجه للمحكمة الإسرائيلية العليا من قبل الفلسطينيين يتم عادة لمنع ضرر واقع، ومحاولات استصدار قرارات لوقف تنفيذ سياسات الاحتلال، أو مطالبة الاحتلال بتفسير أسباب ممارسة سياسات تنتهك حقوق الفلسطينيين.

ويمثّل القانون الجديد خطوة جديدة في الضم الزاحف الذي تعكف عليه الحكومة الحالية، من خلال توسيع نطاق نفاذ القانون الإسرائيلي المدني ليطبق في قضايا التخطيط والبناء على أراضي الضفة الغربية المحتلة، التي كان يتم تطبيق قرارات الاحتلال فيها ليس من خلال قوانين الاحتلال، وإنما تطبيقًا لقرارات وأوامر عسكرية يصدرها الحاكم العسكري للضفة الغربية، أو قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال، وقائد المنطقة الجنوبية المسؤول عن قطاع غزة، حتى الانسحاب منه عام 2005، بحيث يشكل ما يسمى "منسق أعمال الحكومة" الذراع التنفيذي لهذه الأوامر والتعليمات العسكرية.

ويشكل القانون، بعد إقراراه، انتصارًا لحزب "البيت اليهودي"، الذي يمثل التيار الصهيوني الديني والراعي الرئيسي لحركة الاستيطان، على المحكمة الإسرائيلية العليا، التي سبق لها في عدة مناسبات سابقة أن أصدرت أوامر قضائية بهدم بيوت وبؤر استيطانية أقامتها دولة الاحتلال، من خلال وضع اليد على أراض فلسطينية خاصة، أو تمت إقامتها بدون استصدار التراخيص اللازمة، وأشهر هذه القرارات إزالة البؤرة الاستيطانية "عامونا"، في العام الماضي، وقرارات سابقة بهدم بيوت على أراض خاصة في مستوطنة بيت إيل، ناهيك عن أن المحكمة تنظر في التماسات لفلسطينيين بخصوص نحو 5000 بيت أقامها المستوطنون على أطراف المستوطنات على أراض انتزعت بالقوة من أصحابها الفلسطينيين، وحتى دون أوامر مصادرة رسمية، مثل عشرات البيوت في مستوطنة "عوفرا"، وبناء حي جديد في "أريئيل"، قرب نابلس، و"بيت إيل"، وسط الضفة، و"غوش عتصيون" قرب بيت لحم.

ولم يخفِ المستوطنون وقادتهم وممثلوهم في "الكنيست" يومًا مواقفهم المناهضة للمحكمة الإسرائيلية العليا، بسبب بعض قرارات هدم بيوت للمستوطنين، رغم تشريعها الكامل لمشروع الاستيطان كله منذ قرارها الشهير في مستوطنة "ألون موريه"، عندما رفضت في عهد حكومة رئيس الوزراء الأسبق، مناحيم بيغن، إقامة المستوطنة على أراض فلسطينية خاصة قرب نابلس، ونصحت دولة الاحتلال باتباع سياسة استيطان "لا تتعدى" على الملكية الخاصة للأفراد، ووضع مخططات إقامة مستوطنات كاملة على ما أسمته "أراضي الدولة"، عبر تشريع نهب الأراضي العامة التي كانت تخضع للدولة الأردنية، واعتبار دولة الاحتلال الوريثة للأردن كدولة بعد احتلال الضفة الغربية.

ومع أن القرار المذكور أطلق يد دولة الاحتلال للاستيلاء على عشرات ومئات آلاف الدونمات من أراضي الضفة الغربية، سواء عبر السيطرة على قواعد وثكنات الجيش الأردني، التي شكل الاستيلاء عليها وتحويلها لمراكز لجيش الاحتلال خطوة أولى في بناء المستوطنات، أو من خلال الإعلان عن مساحات واسعة بأنها آراضي دولة، أو وضع اليد على الأراضي الميرية (الواقعة خارج حدود البلديات)، والأراضي الموات، وأراضي المشاع، بحسب قانون الأراضي العثمانية من العام 1852، إلا أن المستوطنين واصلوا المطالبة بإطلاق يدهم كليًا في الاستيطان في كل مكان من خلال فرض "الحقائق على الأرض".

وقد وصل الأمر بالمستوطنين حد أن طالبوا بتقييد كل صلاحيات المحكمة الإسرائيلية العليا، إذ اقترح عضو الكنيست، موطي يوغيف، من حزب "البيت اليهودي" ذاته، بعد تنفيذ قرارات هدم عدة شقق سكنية في مستوطنة بيت إيل، أن يتم توجيه جرافات الهدم الكبيرة من طراز "دي 9" لهدم مبنى المحكمة الإسرائيلية العليا.

ولم تخفِ وزيرة القضاء الإسرائيلية أهمية القانون الذي تم تمريره اليوم وأهدافه بتطبيع الاستيطان وحياة المستوطنين في الضفة، قائلة من على منبر الكنيست: "أخيرًا لن يكون هناك مسار مباشر للتوجه بالتماسات للمحكمة الإسرائيلية العليا من الضفة الغربية، اليوم تنتهي حفلات تقديم الفلسطينيين ومنظمات اليسار المتطرفة التماسات للمحكمة العليا بشكل مباشر، وهم سيضطرون من اليوم فصاعدًا إلى أن يمروا بكل متاعب المسار القضائي ككل مواطن إسرائيلي آخر".