إسرائيل و"حماس": حسابات المواجهة الشاملة وكوابحها

إسرائيل و"حماس": حسابات المواجهة الشاملة وكوابحها

15 يوليو 2018
صواريخ من غزة على إسرائيل أمس (بشار طالب/فرانس برس)
+ الخط -
يحمل التصعيد العسكري في قطاع غزة في طياته طاقة كامنة لاندلاع مواجهة شاملة بين حركة "حماس" وإسرائيل، على الرغم من أن كلاً منهما يرى أن مثل هذه المواجهة لا تخدم بالضرورة مصالحه في الوقت الحالي. فالقيادة السياسية في إسرائيل أمرت جيش الاحتلال بشن سلسلة من الغارات على أهداف متفرقة لحركة "حماس" في القطاع، رداً على مواصلة إرسال الطائرات الورقية والبالونات المشتعلة، مع إدراكها أن ردة فعل "حماس" المتوقعة قد تقلّص هامش المناورة أمامها وتدفعها لتوسيع عملياتها العسكرية بشكل يفضي إلى انفجار المواجهة الشاملة. ويمارس وزراء ونواب اليمين الإسرائيلي ضغوطاً كبيرة على رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، لتغيير نمط التعاطي العسكري الحالي في مواجهة الطائرات الورقية المشتعلة، ويطالبون بإنهاء هذه الظاهرة من خلال العودة لسياسة التصفيات الجسدية. وعلاوة على ذلك، فإن كبار المعلقين في وسائل الإعلام الإسرائيلية وقادة المعارضة، إلى جانب المستوطنين الذين يقطنون في منطقة "غلاف غزة"، يحاججون بأن الأضرار الناجمة عن الطائرات الورقية تعكس فشل السياسات التي تتبعها الحكومة الحالية إزاء القطاع. وما زاد الأمور تعقيداً حقيقة أن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إسرائيل أخيراً ضد القطاع، التي شملت إغلاق المعابر التجارية وعدم السماح بإدخال المواد والبضائع إلى غزة، باستثناء المواد الأساسية، رداً على إطلاق الطائرات الورقية، لم تؤثر سلباً على وتيرة إرسال هذه الطائرات، ما أفضى إلى تفاقم الأضرار الناجمة عنها.

وفي المقابل، فإنه لن يكون بوسع حركة "حماس" وبقية فصائل المقاومة العاملة في القطاع غضّ الطرف عن الهجمات التي تنفذها إسرائيل رداً على حراك العودة، وضمنه الطائرات الورقية، على اعتبار أن هذه الفصائل باتت تدرك أن الرد على الهجمات الإسرائيلية يعد مطلباً ضرورياً لصيانة قواعد الاشتباك الحالية، التي تقوم على الرد على عمليات القصف والغارات التي تنفذها إسرائيل. وتعي فصائل المقاومة الفلسطينية أنه يتوجب عدم العودة إلى "الخطأ" الذي تمثل في عدم ردها على عمليات القصف والغارات التي نفذتها إسرائيل بعد انتهاء عدوان عام 2014، وهو السلوك الذي أغرى تل أبيب بشن عمليات استهداف واسعة لبنى تحتية عسكرية ومرافق حساسة للمقاومة، ضمنها بنك الأهداف الذي أعدته بناء على معلومات استخبارية. وقال المتحدث باسم "حماس"، فوزي برهوم، في بيان، إنّ "التعامل الفوري للمقاومة مع تصعيد العدو، والرد عليه بقوة، يعكس حالة الوعي والوضوح الكبير لديها في الرؤية في إدارة الصراع وتوصيل الرسالة". واعتبر أنّ الهجمات الفلسطينية تهدف إلى "ضمان تشكيل حالة توازن ردع سريعة وكافية لإجبار العدو على وقف التصعيد وعدم التمادي في الاستهداف"، مضيفاً أن "حماية شعبنا والدفاع عنه مطلب وطني وخيار استراتيجي".



وعلى الرغم من أن الغارات المكثفة التي ينفذها جيش الاحتلال، التي استهدفت مواقع للمقاومة في مناطق مختلفة من قطاع غزة، وأدت إلى إصابة 4 أشخاص بجروح في حي التفاح ورفح، وردود فعل المقاومة عليها، عبر قصف مناطق "غلاف غزة" بعدد من الصواريخ، يمكن أن تفضي إلى اندلاع مواجهة شاملة، إلا أن كلاً منهما يعي أن مثل هذه المواجهة ستسهم فقط في تدهور مكانته الاستراتيجية. وتدرك القيادة في تل أبيب أن اندلاع مواجهة شاملة مع "حماس" سيمهد الطريق أمام عودة إسرائيل مجدداً لاحتلال قطاع غزة، مع كل ما ينطوي عليه هذا التطور من تداعيات أمنية وسياسية واقتصادية بالغة الخطورة. فمن أجل حسم المواجهة مع "حماس"، وعملاً بما جاء في تقرير مراقب الدولة، الذي حقق في مسار العدوان على غزة في عام 2014، وأوصى بتصميم الجهد الحربي في أية مواجهة مقبلة ضد القطاع بشكل يفضي إلى تقليص أمدها، فإن جيش الاحتلال سيكون مطالباً ليس فقط باستخدام قواته نيراناً هائلة لحسم المواجهة، بل إنه سيكون مجبراً على بدء المواجهة بعملية برية تفضي إلى إعادة احتلال قطاع غزة بأكمله، أو مدينة غزة على الأقل، ما يعني إسقاط حكم "حماس" بشكل نهائي. ونظراً لعدم وجود جهة ثالثة يمكن أن تتولى زمام الأمور في القطاع بعد إسقاط حكم "حماس"، فإن إسرائيل ستكون أمام خيارين، أحلاهما مر، فإما أن تنسحب مجدداً من القطاع لتسود حالة من الفوضى تفضي إلى تدهور الأوضاع الأمنية في جنوب إسرائيل، من دون أن يكون في قطاع غزة عنوان سلطوي تتسنّى لتل أبيب جباية أثمان منه، وإما أن تتورط إسرائيل بالبقاء في قطاع غزة طويلاً، ما يعني تحملها الكلفة الاقتصادية لإدارة شؤون غزة، فضلاً عن أن مثل هذا السيناريو سيفضي إلى حدوث مزيد من التآكل في المكانة الدولية لإسرائيل، إلى جانب تبعاته الأمنية والعسكرية، على اعتبار أن قوات الاحتلال ستتحول إلى أهداف مباشرة لعناصر المقاومة.

إلى جانب ذلك، فإن حالة انعدام اليقين على الجبهة الشمالية، خصوصاً في أعقاب فشل زيارة نتنياهو الأخيرة إلى موسكو في التوصل إلى اتفاق مع الروس يتجاوز تسليم موسكو بحق تل أبيب في إملاء خطوطها الحمراء في سورية، تزيد من مخاطر اندلاع مواجهة مع الإيرانيين و"حزب الله"، وهو ما يفاقم مخاطر المواجهة مع غزة. وفي ما يتعلق بالمقاومة في قطاع غزة، فإنه إلى جانب تحسبها النتائج المترتبة على أي حرب جديدة على غزة، وضمنها الإضرار بالقوى البشرية للمقاومة وبناها التنظيمية وقواعدها، فإن اندلاع مواجهة شاملة يعني أيضاً تصفية الرهانات التي عقدت على حراك مسيرات العودة، ودوره في تغيير بيئة الصراع. كما أن اندلاع مواجهة ضارية سيقطع الطريق على الجهود الدولية والإقليمية الهادفة إلى تحسين الأوضاع في القطاع. ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه: هل تتغلب الحسابات الداخلية الإسرائيلية، ذات الطابع الشعبوي، وحرص المقاومة في غزة على تكريس قواعد الاشتباك الأخيرة، على مخاوف الطرفين من تبعات أية مواجهة جديدة؟