المغرب: مبادرات سياسية وحقوقية للعفو عن معتقلي "حراك الريف"

المغرب: مبادرات سياسية وحقوقية للعفو عن معتقلي "حراك الريف"

29 يونيو 2018
لم تلقَ الأحكام استحسان الرأي العام المغربي (Getty)
+ الخط -


أطلق حقوقيون وبرلمانيون في المغرب مبادرات عدة طلباً للعفو عن معتقلي "حراك الريف" وإطلاق سراحهم، بعدما أثارت الأحكام الصادرة مؤخراً في حقّهم صدمة في الوسط الحقوقي، ووسط عائلاتهم وذويهم، ما أفضى إلى عودة مشاعر التذمر والاحتقان في منطقة الريف.

مبادرة اليسار


يعتزم عمر بلافريج ومصطفى الشناوي، النائبان عن فدرالية اليسار الديمقراطي في مجلس النواب، تقديم مقترح قانون عفو عام عن معتقلي "حراك الريف"، والصحافي حميد المهداوي الذي حكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات، يصدره مجلس النواب طبقاً للفصل 71 من الدستور.

وطالب النائبان اليساريان، وفق مقترح القانون ذاته، مجلس النواب، بإصدار عفو عام وشامل على كل الأفعال المرتبطة بالاحتجاجات التي عرفها المغرب منذ 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2016 إلى 28 يونيو/ حزيران 2018، والتي كان عدد من الأفراد المساهمين فيها محلّ متابعات أو توقيفات أو اعتقالات أو أحكام قضائية، مع إلغاء كل الآثار القانونية المترتبة على هذه الأفعال.

ولفت النائبان إلى أن المغرب "شهد منذ مدة ليست بالقصيرة، وخاصة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2016، موجات متتالية من الاحتجاجات الاجتماعية التي ترفع مجموعة من المطالب الرامية إلى تحسين معيشة السكان وتأمين حقوقهم الجماعية في مناطق متعددة من البلاد".

ووفق مقترح القانون، فقد "تمّ اتخاذ مجموعة من التدابير العقابية في حق عدد من المسؤولين الرسميين، ما يعني الاعتراف الرسمي الصريح بمشروعية مطالب المحتجين، وحقيقة الوضع الاجتماعي المتردي، ووجود اختلالات عميقة وأعطاب كبرى وأخطاء فادحة لا يمثل الاحتجاج إلا نتائجها الموضوعية".

ويسترسل مشروع القانون بأن "الدولة بعد تحديد المسؤوليات في ما وقع، وعوض إقفال الملف سياسياً بإطلاق سراح من اعتقلوا على خلفية الاحتجاج من أجل تلك المطالب، قامت على العكس بتكريس المقاربة الأمنية والقضائية الصرفة، بإصدار أحكام قضائية بالجملة في حق نشطاء الريف المطالبين بعيش كريم".

مشروع "أنفاس"

من جهتها، قدمت جمعية "أنفاس" الحقوقية مقترح قانون ستعرضه على مجموعات برلمانية في مجلس النواب، يتضمن طلب العفو العام لناشطي الحركات الاحتجاجية، ومن بينهم معتقلو "حراك الحسيمة"، تنفيذاً للفصل 71 من الدستور المغربي.

ووفق نص مقترح القانون، يستفيد جميع الأشخاص المتهمين بارتكاب أفعال إجرامية، سواء من صدر حكمٌ بإدانتهم أم لم يصدر، وذلك خلال الاحتجاجات، والتظاهرات التي عرفتها منطقة الريف، من مدينة الحسيمة، وأمزورن، وتارجييست، وجرادة، وكلميم، وتنغير، وأوطاط الحاج، خلال الفترة الممتدة من نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 إلى ديسمبر/ كانون الأول 2017، من عفو عام يسقط جميع المتابعات القضائية، ويسقط العقوبات المحكوم بها عليهم.

ويلفت المقترح إلى أن الدولة "تدفع جميع التعويضات المدنية المحكوم بها قبل صدور هذا القانون لفائدة المتضررين من تلك الأحداث، وذلك في إطار حساب خاص يحدث لهذا الغرض، بانتظار أن يدخل القانون حيز التنفيذ بمجرد مصادقة البرلمان عليه بغرفتيه معاً".

وناشدت حركة "أنفاس" البرلمانيين المغاربة بتحمل مسؤولياتهم في سن قانون للعفو العام لمصلحة كل نشطاء الحركات الاجتماعية، وخصوصاً معتقلي الريف، ليكون بمثابة حلّ أدنى سياسي، ومدخل لمصالحة أكبر عمودياً وأفقياً في البلاد".

وينص الفصل 71 من دستور المملكة على أن البرلمان يختص من ضمن ما يختص به بالتشريع في مجال "العفو العام"، فيما يقول الفصل 58 من الدستور بأن "الملك له حقّ العفو".


الحكومة: أملُ الاستئناف


إلى ذلك، أبدى زعماء الأحزاب الستة المكونة للحكومة في المغرب تطلعهم إلى مراجعة القضاء في المرحلة الاستئنافية لأحكام السجن الطويلة التي صدرت بحقّ معتقلي "نشطاء الريف"، وعلى رأسهم "قائد الحراك" ناصر الزفزافي، الذي تم الحكم عليه بـ20 سنة نافذة.

وأفادت هيئة رئاسة الأغلبية، عقب اجتماع لها اليوم، برئاسة رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، وبحضور الأمناء العامين لأحزاب الأغلبية، بأن هذه الأحكام "قد تمّ إصدارها على المستوى الابتدائي"، مسجلة أنه من حق المتهمين ودفاعهم اللجوء إلى استئنافها، بما يفتحه ذلك من آمال لديهم ولدى أسرهم في مراجعتها.

وأكدت أحزاب الأغلبية على "احترام استقلال القضاء، وعلى ضمان شروط المحاكمة العادلة التي يقرها الدستور"، مبينة أن "محاكمة المتهمين في هذه الأحداث دامت نحو تسعة أشهر، وعرفت تمكين الدفاع من عرض وجهات نظره في الموضوع، وفقاً لما يخوله له القانون".

وشددت الأغلبية الحكومية على أن "المغاربة سواسية أمام القانون، ودولة المؤسسات تسري على الجميع بما تعنيه من حقوق وواجبات"، قبل أن تذكر بمواقفها السابقة المتفاعلة إيجاباً مع المطالب المشروعة، والمعبر عنها من قبل ساكني مدينة الحسيمة التي انطلقت منها الاحتجاجات.

وسجلت الأحزاب حرص الحكومة على تنفيذ تعليمات الملك المغربي، الهادفة إلى إتمام إنجاز برنامج "الحسيمة منارة المتوسط"، في أحسن الظروف وفي الآجال المقررة، مؤكدة أن  القطاعات والمؤسسات المعنية اتخذت التدابير اللازمة في ذلك، وهو ما مكن من الانتهاء من إنجاز العديد من الورش وتحقيق تقدم كبير فيما تبقى منها".

على صعيد آخر، أكدت أحزاب الأغلبية على "الطبيعة الخاصة للمرحلة التي تعيشها البلاد اليوم، وما يعتمل فيها من تحولات تسائل الجميع، ما يستدعي استخلاص ما ينبغي استخلاصه والعمل على تكريس نَفَسٍ من التقويم والمراجعة والمصالحة بما يعزز صون نموذجنا المغربي المتميز".

ولفتت هيئة رئاسة الأغلبية الحكومية إلى أن "الأحزاب السياسية معنية بمواكبة هذه المرحلة، بالنظر إلى الوظيفة المنوطة بها دستورياً وسياسياً، باعتبارها أهم آلية للوساطة المؤسساتية بين الدولة والمجتمع"، وفق تعبير البلاغ ذاته.

وكانت محكمة الجنايات في درجتها الابتدائية قد نطقت بأحكام بعشرات السنوات في حق عدد من معتقلي "حراك الريف"، تضمنت 20 عاماً للزفزافي وثلاثة من رفاقه، وتراوحت الأحكام الأخرى بين 15 سنة وسنة واحدة، من دون أن يصدر أي حكم بالبراءة.

واستدعت هذه الأحكام التي وصفت بالقاسية انتقادات من قبل منظمات حقوقية ونشطاء مدنيين وسياسيين، وحتى فاعلين حكوميين، من بينهم وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، الذي أعرب عن أمله في مراجعة القضاء الاستئنافي للأحكام الصادرة، التي رأى أنها "لم تلق استحسان الرأي العام".