تركيا والحصار الأميركي على إيران: ضرر اقتصادي وفائدة سياسية؟

تركيا والحصار الأميركي على إيران: ضرر اقتصادي وفائدة سياسية؟

30 مايو 2018
أكد أردوغان لروحاني أهمية الاتفاق النووي (كايهان أوزير/فرانس برس)
+ الخط -
تعيد العقوبات الأميركية الجديدة بحق إيران عقب الانسحاب من الاتفاق النووي أخيراً، خلط الأوراق في المنطقة، خصوصاً بين الدول الإقليمية الكبرى، فتركيا التي لا تنتهي مشاكلها مع الغرب وأميركا، تعاني اليوم من مشكلة جديدة تطاول جارتها ايران. مشكلة تخشى أنقرة من أن تطاولها تداعياتها في الجوانب المالية والتجارية، لكنها ربما تستفيد منها لجهة رغبتها بتحجيم النفوذ الإيراني المتعاظم في منطقة تعتبر في أجزاء منها شديدة الأهمية بالنسبة للنفوذ التركي، مثل سورية والعراق خصوصاً. ورغم الخلافات الكبيرة بين البلدين سياسياً، خصوصاً فيما يتعلق بالسياسات المذهبية لإيران في المنطقة، وتحديداً في سورية والعراق واليمن ولبنان والبحرين، إلا أن أنقرة تجد نفسها مستهدفة أيضاً من فرض هذه العقوبات، وتظهر طلائع ذلك بمعاقبة شركات طيران تركية لها صلات بشركات إيرانية.

وخلال السنوات الأخيرة، أظهرت أي اضطرابات في أي دولة بالمنطقة، أنها تؤثر بشكل مباشر على دول الجوار، ولم يكن ينقص تركيا حرائق العراق وسورية من جهة، والتوتر المتصاعد مع اليونان وإسرائيل، حتى جاءت أزمة فرض العقوبات على إيران، وزادت من الأعباء الاقتصادية، وربما تصل في مرحلة لاحقة إلى بدء موجات نزوح جديدة من إيران وأفغانستان.

الموقف التركي الرسمي من العقوبات كان واضحاً وسريعاً، عبر الرئيس رجب طيب أردوغان الذي اتصل بنظيره حسن روحاني مؤكداً أهمية الاتفاق النووي، وضرورة استمراره، فيما الموقف من العقوبات المفروضة وكيفية تفاعل تركيا معها أمر لم يكشف بعد، ولكن بحسب خبراء، فإن تركيا والمنطقة ستتأثران أكثر لاحقاً، في الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

الكاتب والباحث التركي جاهد طوز، المقرب من دوائر القرار التركي، ذهب إلى حدّ القول إن "تركيا تعارض العقوبات المفروضة على إيران سابقاً وحالياً، إذ من الواضح أن العقوبات التي ستفرض، لا تؤثر على إيران فقط، بل على كل المنطقة، ولهذا يجب استخدام الجانب السياسي والدبلوماسي بالحوار، من أجل حل هذه الأزمة".

واعتبر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "تركيا تدافع عن هذا الحوار، كما أن تركيا تدعو بسبب فرض هذه العقوبات، إلى أن تفرض عقوبات مشابهة على كل الدول التي لديها أنشطة نووية، فإذا كان التعامل مع برنامج إيران النووي بهذه الطريقة، وإسرائيل أكثر دولة في المنطقة لها أنشطة نووية، فتعتقد بأنه يجب فرض عقوبات مماثلة على إسرائيل أيضاً، طالما تفرض على إيران، وهو ما تراه تركيا غير عادل".

ويختصر طوز ما تفكر فيه دوائر القرار التركية بالقول إن "فرض العقوبات حصراً على إيران هو غير عادل، ويضر بتوازنات المنطقة، ويزيد من الحقد والكراهية الموجهة للغرب، بدءاً من إسرائيل، وهو ما قد يتحول إلى أزمة كبيرة، وبالتالي فإن العقوبات الجديدة غير عادلة، والرئيس رجب طيب أردوغان التقى نظيره الإيراني حسن روحاني، ضمن هذا الإطار، وأكدت تركيا في الميادين الدولية، أن ما يحصل ضد إيران هو غير عادل، ويجب إيقاف كل النشاطات النووية في المنطقة".

وفي ما يتعلق بالتأثيرات السلبية لهذه العقوبات بكافة المستويات، أفاد طوز بأن "العقوبات المفروضة على إيران تؤثر تجارياً على كل دول الجوار، وسياسياً تزيد من عدم الاستقرار في المنطقة، وبهذا تركيا لا تتخوف وحسب، بل تخشى من المخاطر على المنطقة". وزاد طوز أن "الأهم من المخاوف، هي الخشية من أن الولايات المتحدة لا تفرض العقوبات على إيران فقط، بل تفرضها على المنطقة كلها، وخبراء تركيا يرون أن العقوبات التي تطبق ستؤدي لعدم استقرار المجتمعات في المنطقة، وأميركا تسعى بهذا للتأثير على الدول الأخرى بعقوبات مشابهة"، واصفاً العقوبات بأنها "مزاجية لأن تركيا تقول إنه في جو عادل يجب إبعاد كل الدول عن الأنشطة النووية، وليس انتقاء إيران فقط دون سواها". 

وأردف طوز بأن "تركيا ستتعاون بشكل أكبر مع الاتحاد الأوروبي، وفي المحافل الدولية، وفي مجلس الأمن من أجل حل أزمة العقوبات، وتدافع عن رؤيتها، ولن تتضرر العلاقات مع إيران". كما أفاد بأن "السياسة الأميركية هذه ستؤثر عليها، فشعوب المنطقة سيزداد عداؤها وكرهها لأميركا، وهو ليس من صالح واشنطن، كما أن السياسة الأميركية في المنطقة ستزيد من فاعلية روسيا والصين".

الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحدث عنها طوز، حصرها الكاتب والمحلل السياسي التركي مصطفى أوزجان، بجانبين سياسي واقتصادي، قائلاً إن "تركيا ربما تتضرر من العقوبات، إلا أنها من المؤكد ستستفيد سياسياً منها ضمنياً، كما أن تركيا تعارض العقوبات اقتصادياً نظراً للعلاقات المتبادلة، فيما سياسياً تؤيد ذلك بسبب السياسات الإيرانية في المنطقة".

وقال أوزجان، لـ"العربي الجديد"، إنه "قبل سنوات عندما فرضت بعض العقوبات على إيران، تركيا لم ترضخ لها، ولن ترضخ في المستقبل، لأن تركيا ستتضرر وتعتبرها عقوبات ثانوية، لأنها ستنعكس بشكل سلبي عليها، وإيران تشكل مساحة تجارية مهمة بين الطرفين ولا تريد تركيا أن تخسرها". وأردف أن "هناك تباينات في السياسات الخارجية بين البلدين فيما يخص سورية والعراق، وتركيا لا تريد تنامي نفوذ إيران في المنطقة، لذلك لا أعتقد أن تركيا سياسياً منزعجة جداً ضد العقوبات، ولكن اقتصادياً لديها تحفّظ على فرض عقوبات جديدة قديمة وحديثة على إيران، قد تنعكس بشكل كبير وسلبي على اقتصاد تركيا".

وعن نوع هذه المخاوف التركية من مغبة التأثر سلباً بالعقوبات المفروضة على إيران، أجاب أوزجان أن "تركيا تخشى من عقوبات عليها، فما يحصل في إسرائيل مثلاً بممارستها الظالمة ضد الفلسطينيين، التي تثير حفيظة تركيا، ينعكس على العلاقات الثنائية في المنطقة، وليس فقط على العلاقات الثنائية، ذلك أن إسرائيل تمارس سياسة بلطجة، وفي الأيام الأخيرة ينظر الكنيست في قضية ادّعاءات الأرمن (أحداث عام 1915)، وتلعب بهذه الورقة ضد تركيا، فربما تتبنى أميركا رواية الأرمن".

وزاد أيضاً أن "المقاتلات الأميركية (أف 35) هي طائرات متطورة، تملك إسرائيل منها، وتستخدمها في الأجواء السورية أو في قطاع غزة، تريد إسرائيل منع تركيا من امتلاكها، بحجة أن تركيا ربما تستخدمها مستقبلاً ضد إسرائيل". وحول كيفية مواجهة تركيا لهذه العقوبات، شدًد أوزجان على أن "تركيا تقترح على إيران إتمام التبادل التجاري بينهما بالعملة المحلية، مثلما اقترحت على روسيا من قبل، وأعتقد أن تركيا قد تستفيد مستقبلاً وربما يزداد حجم التجارة مع إيران، كما حصل سابقاً مع العراق أيام الحصار".

المساهمون