الرقة السورية... مسرح توتر عربي كردي تحاول أميركا تطويقه

الرقة السورية... مسرح توتر عربي كردي تحاول أميركا تطويقه

30 مايو 2018
ارتفعت الأصوات مطالبة بانسحاب "قسد" من الرقة(بولنت كيليك/فرانس برس)
+ الخط -

طفا على السطح في مدينة الرقة السورية أخيراً خلاف مستحكم بين قوات تدعمها أميركا، ويشكل فصيل كردي نواتها الصلبة، وبين لواء تابع للجيش السوري الحر، جوهره الصراع على مصير هذه المحافظة مترامية الأطراف وذات الأهمية الاستراتيجية. ويبدو أن التحالف الدولي طوّق هذا الخلاف سريعاً، لأن من شأن تصاعده خلط الأوراق في شرق سورية، مع ظهور تململ شعبي ضد محاولات حثيثة من قبل أحزاب كردية للهيمنة على منطقة ذات غالبية عربية، فيما تؤكد مصادر محلية أن هذا التململ ربما يتطور إلى عصيان مدني.

واندلعت اشتباكات، الأحد الماضي، بين مقاتلي "لواء ثوار الرقة"، و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي تشكّل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي، إثر مهاجمة الأخيرة مقراً للواء في حي الرميلة على أطراف مدينة الرقة الشمالية الشرقية، فيما تطالب هذه القوات بخروج مقاتلي اللواء من المدينة بشكل كامل. وأكدت مصادر محلية أن "قوات سورية الديمقراطية" نشرت تعزيزات عسكرية في الحي ومحيطه، قبل أن يتدخل التحالف الدولي، الذي يدعم "قسد"، لتطويق الخلاف، عقب خروج تظاهرة في حي الرميلة منددة بـ"قوات سورية الديمقراطية" ومناصرة لـ"لواء ثوار الرقة". وجاءت الاشتباكات بعد أسبوع من التوتر بين الطرفين، قتلت خلاله "قسد" 3 من مقاتلي "ثوار الرقة" في حوادث متفرقة، في محاولة "ترهيب" جديدة للواء الذي نقل مقراته من ريف الرقة الشمالي إلى حي الرميلة ومقرات "قيادة الفرقة 17" سابقاً ومزرعة الأسدية و"السجن المدني"، شمال مدينة الرقة. من جانبه، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن مناطق في مدينة الرقة تشهد توتراً بين "قسد" من جهة و"لواء ثوار الرقة" من جهة أخرى، مشيراً إلى خروج تظاهرة في حي الرميلة بالمدينة في محاولة لمنع "قوات سورية الديمقراطية" من اعتقال قيادي من "لواء ثوار الرقة".

ويعد "لواء ثوار الرقة"، التابع لـ"الجيش السوري الحر"، من أوائل الفصائل العسكرية التي تشكلت في محافظة الرقة في العام 2012، وكان له دور بارز في السيطرة على مدينة الرقة بداية العام 2013. كما خاض اللواء، الذي يضم المئات من أبناء محافظة الرقة، معارك ضد تنظيم "داعش"، مطلع العام 2014، انتهت بخروج مقاتلي اللواء إلى الشمال السوري، حيث شارك مع الوحدات الكردية في صد هجوم "داعش" على مدينة عين العرب في العام ذاته، وسقط العشرات من مقاتليه قتلى في تلك المعارك. ووجد اللواء، الذي يحظى باحترام كبير من أبناء المحافظة، نفسه مضطراً للانضواء تحت راية "قوات سورية الديمقراطية" بحكم تمركزه الجغرافي في ريف الرقة الشمالي، ولكن هذه القوات استبعدته عن معركة تحرير الرقة من "داعش" بسبب ثقله الشعبي في المحافظة. وأكدت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، أن قيادة اللواء "ضاقت ذرعاً من تصرفات قوات سورية الديمقراطية بحق المدنيين في المحافظة، خصوصاً لجهة إجبار الشبان على التطوع في صفوفها، إضافة إلى مساعي الوحدات الكردية الحثيثة من أجل العبث بالهوية العربية الخالصة لمحافظة الرقة". وكشفت المصادر عن أن هناك حراكاً مدنياً سلمياً ضد "قسد" في الرقة بدأ يتصاعد أخيراً و"ربما يتطور إلى عصيان مدني"، مضيفة: "بدأت الأصوات ترتفع مطالبة بانسحاب هذه القوات من عموم المحافظة، وتسليم الرقة لمجلس مدني حقيقي مكون من أبنائها القادرين على إدارتها، بعيداً عن محاولات الوحدات الكردية إخضاع المحافظة لمشيئتها".



وكانت "قوات سورية الديمقراطية" قد سيطرت في أكتوبر/ تشرين الأول العام 2017 على مدينة الرقة بعد معارك طاحنة امتدت لأشهر مع تنظيم "داعش"، انتهت بتدمير المدينة بشكل شبه كامل نتيجة القصف الجوي من طيران التحالف الدولي، بقيادة أميركا، والمدفعي من هذه القوات. وشرعت "قسد" منذ ذلك الوقت في تطبيق إجراءات ترى مصادر محلية أن هدفها "تكريس سيطرة الوحدات الكردية على واحدة من أهم المحافظات السورية من الناحية الاقتصادية"، إذ تعد الرقة واحدة من أهم السلال الغذائية في سورية. وتعد محافظة الرقة رابع المحافظات السورية الأربع عشرة من حيث المساحة، بعد حمص ودير الزور والحسكة، وتبلغ نحو 20 ألف كيلومتر مربع، أي أكثر من 10 في المائة من مساحة سورية. وتمتد محافظة الرقة على مساحة أكثر من 150 كيلومتراً من الغرب للشرق، وعلى مساحة 200 كيلومتر من الشمال إلى الجنوب، إذ تصل حدودها إلى قلب بادية الشام. وتضم المحافظة عدة مدن وبلدات كبرى، أبرزها مدينة الرقة، مركز المحافظة، ومدينة الطبقة، التي تقع إلى الغرب من الرقة بنحو 50 كيلومتراً، وهي الأكثر أهمية، كونها تضم سد الفرات الذي يحتجز بحيرة يصل طولها إلى 80 كيلومتراً وعرضها في بعض المواقع أكثر من 5 كيلومترات. كما تتبع لمحافظة الرقة أيضا مدينة تل أبيض التي تقع شمال الرقة بنحو مائة كيلومتر على الحدود السورية التركية، وباتت من أهم معاقل الوحدات الكردية في شمال شرقي سورية، حتى أصبحت تشكل مصدر قلق للجانب التركي. وتسيطر قوات النظام ومليشيات محلية موالية لها على قسم من ريف الرقة الجنوبي الشرقي جنوب نهر الفرات الذي يقسم المحافظة من الوسط.

ومرت محافظة الرقة السورية بتحولات كبرى خلال فترة زمنية قصيرة، إذ وقعت تحت سيطرة المعارضة السورية في العام 2013، بعد طرد النظام منها، ثم استولى عليها تنظيم "داعش"، وأصبحت أهم معاقله في سورية، قبل أن تستولي عليها "قوات سورية الديمقراطية" التي تُتهم من قبل فعاليات مدنية معارضة باتباع سياسة لا تقل خطورة عن سياسة "داعش" في فرض ثقافة دخيلة على المحافظة، تقوم على مبادئ زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، وهي مرفوضة من عموم سكان محافظة الرقة ذات الطبيعة العشائرية المحافظة. وهاجر عدد كبير من أبناء محافظة الرقة مع استيلاء "داعش" عليها، خصوصاً النشطاء الذين كانوا هدفاً مباشراً للتنظيم، واستقر غالبية هؤلاء المهاجرين في مدينة شانلي أورفة في جنوب تركيا. وتعمل الحكومة السورية المؤقتة، المرتبطة بالائتلاف الوطني السوري، على تشكيل مجلس محلي للرقة، ولكن يبقى بلا تأثير مباشر كونه يعمل من خارج الأراضي السورية، فيما شكلت "قوات سورية الديمقراطية" مجلساً محلياً، أغلبه من الموالين لها، لذا لا يتمتع بثقة الشارع في المحافظة.

المساهمون