هذه حقيقة جماعة "الرايات البيض" في العراق

هذه حقيقة جماعة "الرايات البيض" في العراق

08 فبراير 2018
من يريد تضخيم "الرايات البيض"؟ (محمود صالح/فرانس يرس)
+ الخط -



ما إن أعلنت بغداد طيّ صفحة تنظيم "داعش" الإرهابي، بكسره عسكرياً، واستعادة جميع المدن والأراضي العراقية التي سيطر عليها، حتى بدأ الحديث يتصاعد عن جماعة جديدة تنشط في مناطق الصراع الكردي - التركماني، شمال العراق، أُطلق عليها اسم جماعة "الرايات البيض"، فما هي حقيقتها، وما علاقتها بتنظيم "داعش"، وهل هي مجرد توظيف سياسي لورقة على أبواب الانتخابات؟

وروّجت وسائل الإعلام المحلية لعلم "الرايات البيض"، وهو علمٌ أبيض يتوسطه رأس أسد، قائلة إنه شعار الجماعة الجديدة، كما أكدت تورطها بعمليات تفجير واغتيال لأفرادٍ من الجيش العراقي ومليشيات "الحشد الشعبي" في مناطق الطوز وسلسلة جبال حمرين في المنطقة الواقعة بين محافظة صلاح الدين وكركوك، وسط شمال العراق، التي استعادت بغداد السيطرة عليها منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأنهت تواجد البشمركة فيها، عقب تداعيات استفتاء الانفصال الذي أجرته أربيل.

وأمس الأربعاء، أطلقت قوات الجيش ومليشيات "الحشد الشعبي" عمليةً أمنية واسعة في مناطق الطوز والبشير والقصبات المحيطة بها، فضلاً عن سلسلة جبال حمرين، دون أن تعثر على أي أثرٍ لتلك الجماعة، ولم تجد أي مقرات أو أعلام أو أسلحة أو شعارات، بحسب تصريحات قيادات الجيش العراقي ومليشيات "الحشد".

وبالرغم من عدم ظهور أي بيانٍ لـ"الرايات البيض"، أو تسجيل أي نشاط لهذه الجماعة، كما لم يصدر أيُّ بيانٍ رسمي عراقي يؤكد وجودها (باستثناء تصريحات لأعضاء في البرلمان العراقي وعناصر أمن وزعماء مليشيات)، إلا أن مصادر عراقية رفيعة في جهاز الاستخبارات، أكدت لـ"العربي الجديد" أن "المجموعة هي عبارة عن خلّية كردية منظمة، متطرفةٍ قومياً، تعتبرُ تواجد القوات العراقية والتركمان والحشد الشعبي في هذه المناطق احتلالاً، وتعتبر مقاومتهم واجباً".

وأضافت المصادر أن "الجماعة تستهدف بعمليات مؤثرة قوات الأمن وشخصيات تركمانية وفصائل الحشد المتواجدة في المنطقة، ثم يعود مقاتلوها إلى الجبال نحو السليمانية، عبر طرقٍ يحفظونها جيداً"، معرباً عن اعتقاده بوجود نوعٍ من التعاون بينهم وبين فلول تنظيم "داعش"، عبر علاقة تستندُ الى تبادل المصالح، من دون وجود رابط مشترك بين الطرفين.

وتلفت المصادر ذاتها إلى "أن الجماعات الإسلامية المتطرفة لا تستخدم اللون الأبيض، ولا رسوم الحيوانات، كما أن الأسد ليس مطروحاً كجزءٍ من التراث أو الفلكلور الكردي مثل الذئب والصقر والفهد، كونه (الأسد) لا ينتمي إلى البيئة العراقية الشمالية، ما يجعلنا نعتبر أن رواية العلم أو شعار الجماعة مختلقة".

وفي هذا الصدد، تعتبر المصادر الرفيعة في جهاز الاستخبارات العراقي أن "جماعات وجهات مختلفة الاتجاهات استثمرت هجمات تلك المجموعة، لتعلن عن ولادة جماعة من بقايا داعش، فيما اعتبرتها جهات أخرى تابعةً للحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، وآخرون قالوا إنها تابعة لحزب البعث، لكن الحقيقة هي أنها مجموعة كردية عنصرية متطرفة، وهجماتها لم ترتق حتى الآن لتشكل تهديداً جدياً. ومؤخراً، تتعرض مناطق التركمان لسقوط قذائف هاون بين الحين والآخر، ما يدل بشكل أكبر على هوية تلك الجماعة".

من جهته، يُلخص حسن بهرام، المسؤول في "الاتحاد الوطني الكردستاني-تنظيمات حمرين"، في حديثٍ لـ"العربي الجديد" طبيعة هذه المجموعة، قائلاً إنها عبارة عن مقاتلين شاركوا الجيش العراقي والبشمركة في قتال داعش خلال تحرير مناطق الطوز والبشير ومحيطها، وفي الدفاع عن كركوك كمتطوعين، وحالياً، بعد ما اعتبروا سيطرة الجيش العراقي والحشد الشعبي على المنطقة، والذي أدى إلى نزوح عائلات كردية، احتلالاً، وهذه ردة فعل. ونحن لا نعرف شيئاً اسمه رايات بيضاء أو حمراء".



ويتساءل بهرام: "الجيش العراقي اقتحم اليوم المنطقة. فأين هي مقراتهم (الرايات البيض)؟ لا آثار لتواجدهم. بالتأكيد لا شيء سوى آثار داعش في المنطقة، والسبب أنهم لا يمسكون أو يسيطرون على أي أرض. هناك تضخيم من قبل الحشد الشعبي والسياسيين التركمان للأمر".

ويختم بهرام بالقول: "هم يقولون إنهم في منطقة داودة وناحية نوجود خارج الطوز، والآن دخل الجيش والحشد هذه المنطقة. فأين هم؟"، معتبراً أن الهدف هو "محاولة إفراغ المنطقة من الأكراد من قبل الحشد الشعبي التركماني الشيعي والحشد الشعبي العربي الشيعي، حيث يسعون للحصول على مقاعد تلك المناطق في الانتخابات، ولا يريدون منافسة كردية لهم".

يُذكر أن بيان السلطات العسكرية العراقية حول نشاط الجيش وتحركاته في العملية العسكرية ببلدة الطوز وسلسلة جبال حمرين، خلا من أيّ ذكرٍ لهذه الجماعة، باستثناء الحديث عن مصادرة أسلحةٍ وتدمير مواقع سابقة لـ"داعش".

من جهته، اعتبر رئيس لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، حاكم الزاملي، أن "الرايات البيض هم بقايا داعش، اجتمع معهم متطرفون أكراد"، مشدداً على أن "عددهم قليل جداً، ولن يهددوا أمن الدولة"، علماً أنهم "مدعومون من بعض الانفصاليين".

أما عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، حامد المطلك، فيوضح في اتصال مع "العربي الجديد" بأن "هذه الجماعة أو المجموعة، أريد تضخيمها، لإكمال مشروع داعش والمليشيات المنفلتة"، واصفاً إياها بـ"العصابات، لكن هناك من يريد تضخيمها لتمرير بعض الأجندات في هذه المنطقة تحديداً من العراق".

ورغم مرور شهرين على أول خبر نشرته وسيلة اعلام محلية عراقية مقربة من "الحشد" حول "الرايات البيض"، إلا أن أي مسؤول عراقي حكومي أو أمني لم يعترف أو يصرح علناً بوجود مثل هذه الجماعة، كما لم يُبرز أي من الذين تحدثوا عن وجودها، وهم من السياسيين والبرلمانيين والأحزاب والفصائل المسلحة، أيّ دليل مادي على وجودها، مما يبقي الجماعة التي أطلق عليها اسم "الرايات البيض" في خانة الورقة السياسية والإعلامية، من دون أن يكون لها أثر حقيقي على الأرض.

المساهمون