أيام حاسمة في الغوطة الشرقية: حشود عسكرية وترويج لمفاوضات

أيام حاسمة في الغوطة الشرقية: حشود عسكرية وترويج لمفاوضات

19 فبراير 2018
من تدريبات لجيش الإسلام في الغوطة، 2014(عبد دوماني/فرانس برس)
+ الخط -
شهدت الغوطة الشرقية في دمشق هدوءاً نسبياً خلال اليومين الماضيين رغم الحشود التي يدفع بها النظام الى محيط الغوطة، بقيادة سهيل الحسن، أحد أبرز قادة النظام العسكريين، وذلك في ظل أنباء عن مفاوضات تجري برعاية روسية بين النظام وبعض فصائل الغوطة، سيكون عنوانها الأساسي، في ما لو تبين دقة التسريبات، إنهاء وجود جبهة فتح الشام (النصرة سابقاً) في المنطقة، ما يجعل مصير الأوضاع في الغوطة مفتوحاً على احتمالات عدة.

وقالت مصادر ميدانية، في حديث مع "العربي الجديد"، إن مناطق الغوطة لم تشهد يومي الأحد والسبت طلعات للطيران الحربي التابع للنظام، بينما خفت وتيرة القصف المدفعي والصاروخي. وجرح عدد من الأشخاص نتيجة قصف قوات النظام بصواريخ "أرض – أرض" على مدينة دوما شرق دمشق من مواقعها في التلال المحيطة وفق الدفاع المدني السوري. كما قصفت قوات النظام بالمدفعية الثقيلة المدينة من الجبال المحيطة، فيما أصيب عدة أشخاص نتيجة قصف مدفعي على بلدة مسرابا.



وفيما أرجع بعض الناشطين انخفاض حدة القصف إلى أسباب فنية تتعلق بصيانة طائرات النظام التي قامت بطلعات جوية كثيرة خلال الفترة الماضية، رأى آخرون أن ذلك يعود إلى قرار من النظام بالتهدئة النسبية بغية إعطاء فرصة لإنجاح المفاوضات التي يجريها مع بعض الفصائل بشأن الغوطة.

وقد حاولت "العربي الجديد" التواصل مع فصائل الغوطة للاطلاع على ماهية هذه المفاوضات، فأفاد وائل علوان، المتحدث باسم فيلق الرحمن، أحد الفصائل الرئيسية العاملة في الغوطة، بأن الفيلق قطع منذ أكثر من شهرين تواصله مع الوفد الروسي الذي وقع معه اتفاق وقف إطلاق النار في جنيف، "ورفضنا بعد ذلك جميع طلبات الروس بالتواصل معنا، فضلاً عن عدم تواصلنا مطلقاً مع قوات الأسد أو المليشيات الطائفية المساندة له". وأكد علوان أن لا تواصل أبدا بين الفيلق و"النظام المجرم أو حلفائه".

وحول الجهة التي تجري المفاوضات مع النظام، قال علوان "جيش الإسلام يجري مفاوضات، لكن لا ندري ماهيتها".

لكن رئيس الهيئة السياسية لجيش الإسلام، محمد علوش، نفى في حديث مع "العربي الجديد" وجود أي مفاوضات مع النظام. 

واتهم ناشطون "جيش الإسلام" برفع جاهزيته العسكرية، والتحضير لعملية عسكرية في القطاع الأوسط من الغوطة الشرقية، بذريعة القضاء على "جبهة النصرة". وبحسب مصادر محلية فإن "جيش الإسلام" طلب من جميع مقاتليه في مدينة دوما الالتحاق بألويتهم ورفع الجاهزية القتالية، وأرسل المقاتلين إلى معسكرات سرية، على غرار ما حدث في جولات الاقتتال الداخلي السابقة.

من جهته، قال الناشط الإعلامي، أبو بشير دغمش، الموجود في الغوطة الشرقية، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه ليس على علم بأية مفاوضات تجري بشأن الغوطة، لكن ثمة "تسريبات على وجود مفاوضات مع جيش الإسلام تقضي بأن ينهي الأخير وجود جبهة النصرة في الغوطة مقابل تسوية ما مع النظام".

وبالنسبة للحشود التي يدفع بها النظام إلى الغوطة، اعتبر دغمش أنها " أمر عادي"، مشيراً إلى انسحابات لقوات النظام والمليشيات من محيط الغوطة، وربما يجري الآن استقدام قوات بديلة عن القوات المنسحبة.

وكان القيادي في "جيش الإسلام" سعيد درويش، اتهم عبر تسجيل صوتي، بعض الأشخاص بترويج الكذب، وقال إن "جيش الإسلام لا يجهز شيئاً ضد إخوانه في فيلق الرحمن، ولا نكنّ إلا كل محبة للفيلق"، واعتبر أن "مثل هذه الرسائل تؤثر سلباً على قلوب أهالي الغوطة المكلومة".

وكانت مصادر قريبة من النظام تحدثت عن مفاوضات تجري بين النظام وبعض فصائل الغوطة. وقالت صحيفة "الوطن" إن المفاوضات تتواصل "بين الجيش السوري والفصائل المسلحة في غوطة دمشق الشرقية بوساطة روسية للمصالحة، وذلك مع وصول حشود للجيش السوري إلى المنطقة".

من جهتها، قالت "القناة المركزية لقاعدة حميميم العسكرية" الروسية، في صفحتها على موقع فيسبوك، إن روسيا "ستدعم تحركات القوات الحكومية البرية في منطقة خفض التصعيد في الغوطة الشرقية للقضاء على تنظيم جبهة النصرة الإرهابية، في حال لم تفلح الوسائل السلمية في تحقيق ذلك".

وتتزامن هذه التطورات مع تواتر المعطيات حول حملة عسكرية كبيرة يجهز لها جيش النظام على الغوطة الشرقية في حال فشل المفاوضات، وذلك بعد حملة قصف عنيفة طاولت المنطقة طوال الأشهر الثلاثة الاخيرة أدت إلى مقتل 729 مدنياً، بحسب توثيق أعلنته الشبكة السورية لحقوق الإنسان يوم الجمعة الماضي، من بينهم "185 طفلاً، و109 نساء، و7 من رجال الدفاع المدني، و10 من الكوادر الطبية، وإعلامي واحد".

وانتشرت مقاطع فيديو لأرتال ضخمة من قوات "النمر" التابعة لجيش النظام بقيادة العميد سهيل الحسن، قدمت من الشمال السوري للمشاركة في حملة عسكرية على الغوطة الشرقية. وظهرت في الفيديوهات أعداد كبيرة من العربات القتالية والمدرعات، إضافة إلى مدافع ثقيلة وراجمات الصواريخ. ووصفت مواقع موالية للنظام هذه الحشود بأنها "أضخم تعزيزات للجيش السوري في محيط العاصمة منذ بدء الحرب على سورية".

وقالت مصادر في المعارضة إن قياديين من حزب الله اللبناني يشاركون في الإشراف على التعزيزات باتجاه الغوطة، إذ جرى سحب مقاتلين للحزب من جبهة بلدة (العتيبة) التي تعتبر خط الدفاع الأول لقوّات النظام من شرق الغوطة وبالتحديد بلدة الدير سلمان. غير أن تلك المصادر لفتت إلى ضرورة عدم الوقوع في مرمى ما وصفته بالحرب النفسية التي يشنها النظام لترويع أهالي الغوطة من خلال التهويل بحجم الحشود والعمليات العسكرية المقبلة، بهدف الضغط عليهم والتأثير على الروح المعنوية للأهالي والفصائل.

وفي السياق، قال المتحدث العسكري باسم "جيش الإسلام"، حمزة بيرقدار، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "ما يروّجه إعلام الأسد وحلفاؤه من حشود وتدخّل لقوات النمر وغيرها، ما هو إلا فقاعة إعلامية معدومة التأثير بالنسبة لمجاهدي الغوطة الشرقية، فضلاً عن أن هذه الدعاية لرفع الروح المعنوية والقتالية لدى مليشيات الأسد ومرتزقته المنهارة بعد خسائرهم الفادحة والضربات القاصمة التي تلقوها منذ شهرين ونصف الشهر تقريباً، من خلال محاولاتهم المستمرة اقتحام الغوطة الشرقية من محاور عدة وفشل كل تلك المحاولات"، مضيفاً بأن "جيش الإسلام" اتخذ "كل الإجراءات والتدابير اللازمة".

من جهته، تساءل المتحدث العسكري باسم "حركة أحرار الشام"، عمر خطاب، في تغريدة له على توتير: "هل الحملات على الغوطة توقفت حتى تبدأ من جديد؟"، معتبراً أن "جنود الأسد أخذوا الكثير من الدروس في الغوطة، وكان آخرها إدارة المركبات العسكرية ضمن عملية بأنّهم ظلموا، وسيرون أعظم مما مرّ عليهم".

وتحاول قوات النظام بشكل يومي التقدم إلى الغوطة من نقاط عدة أبرزها حي جوبر الدمشقي إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل حتى الآن، مع سقوط قتلى وجرحى بصفوف قوات النظام الذي يساند قواته على الأرض بقصف جوي وصاروخي مكثف على المدن البلدات، ما يتسبب بمقتل وجرح مدنيين بشكل شبه يومي.

وكان النظام نجح في أوقات سابقة في استعادة السيطرة على مساحات من الغوطة، مستغلاً الاقتتال الداخلي بين فصائلها آنذاك لتنحسر المساحة التي تسيطر عليها فصائل الغوطة الى نحو 110 كيلومترات مربعة فقط، بعد أن كانت نحو 300 كيلومتر مربع قبل سنوات.




المساهمون