إيران تدرس خيارات التعامل مع تبعات الاحتجاجات

إيران تدرس خيارات التعامل مع تبعات الاحتجاجات

07 يناير 2018
تظاهرات مؤيدة للسلطات الإيرانية (فاطمة بهرامي/الأناضول)
+ الخط -
تركت الاحتجاجات التي شهدتها إيران أخيراً، تبعات داخلية جعلت الساسة يركزون على بحث آليات للتعاطي مع إفرازاتها مستقبلاً في محاولة للحد من الأضرار، فتكثفت اجتماعات المسؤولين في مراكز القرار المختلفة على مستويات عليا لبحث تبعات ما جرى وتقييمه. يترافق ذلك مع استمرار التحركات في الشارع، إذ أفادت وكالات رسمية إيرانية بأن تظاهرات مؤيدة للنظام خرجت في منطقتي آمل وبهشهر الواقعتين شمال البلاد أمس، فيما نشرت مواقع غير رسمية مقاطع فيديو لما قالت إنها تجمعات احتجاجية خرجت ليل الجمعة في مناطق عدة، بعضها في محافظة أصفهان.

وبحسب مصادر رسمية، يعقد مجلس الشورى الإسلامي اليوم الأحد جلسة غير علنية، بحضور وزير الداخلية عبد الرضا رحماني فضلي، المعني بتقديم تقارير عن الأوضاع الميدانية، ووزير الاستخبارات محمود علوي كون وزارته تشرف على ملف معظم المعتقلين، إضافة إلى متابعتها المعطيات ميدانياً وسياسياً وحتى إلكترونياً، فضلاً عن أمين مجلس الأمن القومي الأعلى علي شمخاني، وهو صاحب القرار في كيفية التعامل مع ملفات أمنية عديدة. يضاف إلى ذلك، اجتماع آخر تحت قبة مجمع تشخيص مصلحة النظام، الذي يرأسه محمود هاشمي شاهرودي والموجود حالياً في ألمانيا لتلقي العلاج. لكن أمين المجمع محسن رضائي ذكر في تصريحات أمس السبت، أن رؤساء اللجان المتعددة التابعة للمجمع سيقدمون تقاريرهم التفصيلية حول ما حدث لبحث معطيات ما يجري وكيفية تقييم الأمور والتعاطي معها، والاتفاق على آليات للوقوف بوجه المؤامرات الخارجية، بحسب تعبيره. وأكد رضائي أن كافة أعضاء المجمع يرون أن حل المشاكل المعيشية للمواطنين ضروري، مع تأكيدهم ضرورة فصل هذه المطالب عن الشعارات المعارضة التي نددت بالنظام والثورة الإسلامية.

قبل ذلك، عقد الرئيس الإيراني حسن روحاني اجتماعاً مع رؤساء اللجان البرلمانية، وصدرت خلاله أولى تعليقاته على الاحتجاجات التي خرجت أساساً ضد سياسات حكومته الاقتصادية وتخللها شعارات سياسية، قبل أن تتحول هذه الأخيرة إلى أساس في بعض الاحتجاجات. وحاول روحاني تقسيم المسؤولية على الجميع، فالحكومة لا تزال مصرة على أنها حققت الكثير من المكتسبات الاقتصادية، وتحتاج للتعاون معها لحصد النتائج عملياً، ليلمسها الشارع الذي يعاني البطالة بالدرجة الأولى كما يشتكي من الفقر والفساد.
إلى جانب كل هذا، يتواصل المسؤولون من الساسة وأولئك المحسوبين على المؤسسات العسكرية مع بعضهم البعض، وخلال الأيام الماضية بحث هؤلاء الدور الأمني وكيفية إعادة الأمور نحو الهدوء والاستقرار.

على الضفة الإصلاحية، وعلى الرغم من أن أبناء هذا التيار تحفظوا على الشعارات السياسية التي انتقدت النظام منذ البداية، لكنهم حاولوا أن يركزوا أكثر على ضرورة إجراء إصلاحات اقتصادية حقيقية، بالتزامن مع إصدار مطالب تدعو المسؤولين لعدم ربط كل ما يجري بمؤامرات أعداء إيران في الخارج، على الرغم من عدم نفيهم لوجود تحريضات. وجاءت هذه المطالب بوضوح في عريضة وقّعت عليها 16 شخصية إصلاحية، صدرت أمس السبت، ودعا هؤلاء للابتعاد عن العنف في التعامل مع ما يجري، كون استخدام هذا الطريق سيؤدي إلى تبعات ستضعف السلطات وستتسبب باختلاف اجتماعي، مؤكدين حق الشارع في التظاهر السلمي. كما اعتبروا أن في البلاد مشاكل عميقة، وحالة من عدم الرضا الاجتماعي تنعكس في أبعاد مختلفة، فبعض المواطنين يعانون من وضع اقتصادي صعب، وآخرون يعترضون على القيود الاجتماعية والسياسية. واعتبر هؤلاء أن حل هذه المشاكل يكون من خلال إجراء إصلاحات سياسية والسماح بمشاركة المواطنين في عملية الرقابة وفتح المجال أمام الحريات المدنية والإعلامية، مع التأكيد أن كل ما جرى تزامن مع استغلال أطراف خارجية وحتى داخلية للوضع. وطالب هؤلاء كذلك بإطلاق سراح المعتقلين ممن شاركوا في تظاهرات سلمية.


وقبل صدور هذا البيان، تناقلت مواقع إيرانية تصريحات للنائبة في لجنة الأمل الإصلاحية في البرلمان، بروانه سلحشورى، قالت فيها إن عدد الطلاب الجامعيين المعتقلين إثر الاحتجاجات التي خرجت في البلاد غير معروف بدقة، لكن بحسب المعلومات التي وردت للجنة، يبلغ عددهم 90 طالباً تقريباً. وفي السياق نفسه، ذكر النائب الإصلاحي محمود صادقي، أن اللجنة البرلمانية نفسها تتابع موضوع الاعتقالات في صفوف طلاب الجامعات، وحتى طلاب المدارس ممن هم أصغر سناً، مضيفاً أن الإصرار على هذا الاتجاه سيؤدي إلى حالة من عدم الرضا بين أبناء هذه الشريحة أولاً. وكانت وزارتا التربية والتعليم العالي، قد أكدتا متابعة الملف مع السلطات. وقال مسؤول الدائرة الثقافية والاجتماعية في جامعة طهران مجيد سرسنغي، إن معتقلي الجامعات سيطلق سراحهم خلال أسبوع، مضيفاً أن وزارة التعليم عقدت اجتماعاً مع المعنيين في ملف المعتقلين أمس السبت، لإخراج الطلاب من السجون قبل الامتحانات النصفية. وأعلن إطلاق سراح 8 طلاب من جامعة طهران و15 من جامعة علامة طباطبائي الموجودة في العاصمة كذلك.

ومن الواضح أن متابعة ملف المعتقلين، واحدة من سلسلة خطوات تحاول بعض الأطراف اتخاذها بهدف التهدئة، بما يؤدي لاحتواء الاحتجاجات ومعالجة تبعاتها في الشارع، حتى على غير المشاركين فيها. فهناك أرقام غير رسمية تشير إلى اعتقال ألف شخص تقريباً، 450 منهم في طهران وحدها.
يتزامن كل هذا مع سيناريوهات تهدئة أخرى لمعالجة الآثار الداخلية، وتتعلق بالملفات الاقتصادية بالدرجة الأولى، فحكومة روحاني تطالب الجهات الفاعلة الثانية كنواب البرلمان بمساعدتها، من خلال إصدار الموازنة سريعاً والموافقة على البنود التي تسمح بإيجاد فرص عمل بما يحل مسألة البطالة ولو نسبياً. وجاء ذلك مع إعلان رسمي عن عدم نية البرلمان الموافقة على البند الذي يسمح برفع أسعار المحروقات وعلى رأسها البنزين، وهو ما كان من عوامل تحريك الشارع.

أما الطرف المحافظ ومعه الحرس الثوري، فيبدو دعمه واضحاً لحلول تستند لنظرية الاقتصاد المقاوم التي تعتمد على قدرات الداخل، وتقليص الاعتماد على صادرات النفط والاستثمارات الأجنبية. لكن تطبيق خطة من هذا القبيل لن يكون سهلاً للغاية، في مرحلة لم تستطع فيها الحكومة نفسها تحصيل مكتسباتها من الاتفاق النووي بشكل مثالي لأسباب خارجية بشكل رئيسي.

من جهة أخرى، ترك اجتماع مجلس الأمن الدولي الذي بحث ملف الاحتجاجات بدعوة أميركية، انطباعاً لدى السلطات في إيران بأن الأمور صبت لصالحها دولياً، فأغلبية الأطراف دعت إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية لهذا البلد، على الرغم من حضها على التعامل السلمي مع التظاهرات. ورأى أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي، أن سلوك بلاده سيتغير إزاء أميركا، فلن تسمح طهران لها بالتدخل بشؤونها الداخلية، وستحمّلها مسؤولية هذه السياسة، مطالباً الحكومة بالتقدّم بشكوى رسمية ضد الولايات المتحدة وكل طرف تدخل في الاحتجاجات.

المساهمون