انضمام فلسطين إلى "الإنتربول"... ماذا بعد؟

انضمام فلسطين إلى "الإنتربول"... ماذا بعد؟

30 سبتمبر 2017
فلسطين حققت إنجازاً بالانضمام إلى الإنتربول (علي جاد الله/الأناضول)
+ الخط -
بعدما خفتت حفلة احتجاجات وانتقادات حكومة الاحتلال الإسرائيلية، حول إنجاز فلسطين بالانضمام إلى المنظمة الدولية للشرطة الجنائية "الإنتربول"، يبرز سؤال على الساحة الفلسطينية، مفاده: ماذا بعد الانضمام للإنتربول؟

فالأربعاء الماضي أعلنت منظمة الشرطة الجنائية الدولية "الإنتربول"، عن قبول عضوية فلسطين، بعد تصويت الجمعية العامة للمنظمة خلال اجتماع في بكين، موجّهة بذلك صفعة جديدة للاحتلال الإسرائيلي.

وصوّتت إلى جانب قبول عضوية فلسطين في "الإنتربول" 75 دولة من أصل 133 دولة تملك حق التصويت، في حين عارضت الاقتراح 24 دولة، وامتنعت 34 دولة أخرى عن التصويت.

وترى أوساط سياسية وقانونية فلسطينية أنّ القيادة الفلسطينية حقّقت رسالتين من خلال انضمامها لـ"الإنتربول"؛ أولاً: أنّ قرارها السياسي مستقل، ولم تنصع لضغوطات الإدارة الأميركية، وأنّها ماضية في الانضمام لكل المنظمات الدولية رغم معارضة الولايات المتحدة حليفة دولة الاحتلال الإسرائيلي، وثانياً: أنّها ستواصل وضع المجتمع الدولي أمام اختبارات من هذا النوع، وصولاً لاعتراف كامل بدولة فلسطين.

وفي هذا الصدّد، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أحمد مجدلاني، لـ"العربي الجديد"، إنّه "رغم كل الضغوط التي مارستها الإدارة الأميركية وحكومة الاحتلال الإسرائيلي لإفشال دخولنا للمنظمة، لكننا واصلنا كل جهدنا، بصرف النظر عن الموقف الأميركي والضغوط التي مارسوها على الدول الأعضاء في الإنتربول للحيلولة دون التصويت لصالح فلسطين".

وتابع: "لكن قرارنا السياسي كان واضحاً منذ البداية في الانضمام للإنتربول، وما جرى هو اختبار لإرادة المجتمع الدولي في الوقوف إلى جانب الفلسطينيين، وهذا الاختبار سوف نبني عليه لاحقاً، عندما نقرر الانضمام إلى أي منظمات دولية أخرى".

وقال مجدلاني: "سنواصل العمل والتعاون مع الدول التي لم تصوّت مع انضمامنا إلى الإنتربول، هذا حق طبيعي للانضمام للمنظمة، لتنهض بمسؤولياتها في مكافحة الجريمة المنظمة، وفلسطين كيّفت كل أنظمتها مع ما يتفق مع المعايير الدولية، وأكدت أنها ستلتزم بكل هذه المعايير في علاقاتها الداخلية والخارجية".



وفي ظل الحديث المتكرر، لهيئة مكافحة الفساد الفلسطينية، حول وجود فارين من العدالة أثروا بسرقة المال العام الفلسطيني، يصبح لزاماً التحرّك وجلب هؤلاء للمثول أمام القضاء الفلسطيني، وتحديداً من كان هناك حكم قانوني قطعي ضده.

وعلى الرغم من أنّ الانضمام لـ"الإنتربول" إنجاز لا يمكن التقليل منه، إلا أنّ الفلسطيني يدرك تماماً أنّ انضمام فلسطين لمزيد من المنظمات الدولية لم ينعكس على تحسين حالة حقوق الإنسان والتقليل من الانتهاكات شبه اليومية ضد الصحافيين ومن يحملون رأياً سياسياً مخالفاً، بل إن السلطة الفلسطينية ذهبت بعيداً في سن قوانين تكبل الحريات مثل قانون "الجرائم الإلكترونية"، المثير للجدل، والذي يحتوي على بنود واضحة تقمع الحريات وتكبلها، والذي أصبح نافذاً صيف هذا العام، وتم اعتقال العديد من الصحافيين وقادة الرأي على خلفيته.

ما يعني أنّ السلطة الفلسطينية ستكون على المحك أمام الرأي العام الفلسطيني، وسيكون لزاماً عليها ترجمة هذا الإنجاز حرفياً على الأرض، باعتقال أسماء طالما سمعت عن فسادها، وهناك أحكام قضائية ضدها في المحاكم الفلسطينية، لا أن ينضم هذا الاتفاق لسابقه من الاتفاقيات التي لم يلمس الفلسطيني أثرها على الأرض إلا عبر التصريحات الإعلامية.

الأمر الآخر، حالة من التهويل حول صلاحيات "الإنتربول" في ما يختص باعتقال جنود قتلة ولصوص الأراضي من المزورين المحتلين، تم تناقلها عبر تصريحات إعلامية فلسطينية مختلفة، الأمر الذي ينفيه خبير القانون الدولي الإنساني رزق شقير، في تصريحاته لـ"العربي الجديد".

وأوضح شقير أنّ "البند الثالث من دستور المنظمة الدولية للشرطة الجنائية الإنتربول واضح بعدم التدخل في الشؤون السياسية والعسكرية، وأي جرائم ذات طابع سياسي أو عسكري أو ديني أو عنصري فهي ليست من ضمن اختصاصهم، وبالتالي لا تستطيع السلطة الفلسطينية ملاحقة الجنود والمستوطنين المحتلين عبر الإنتربول لأنها تصنف جرائم سياسية".

وأضاف أنّ "الإنتربول يختص بجرائم التزوير والتهريب وبيع الأسلحة بطرق غير مشروعة، والجرائم حسب القانون العام، هذا ما ورد في دستور الإنتربول".

وتنص المادة الثالثة من القانون الأساسي للإنتربول على أنه "يحظر على المنظمة حظراً باتاً أن تنشط أو تتدخل في مسائل أو شؤون ذات طابع سياسي أو عسكري أو ديني أو عنصري".

ولعلّه من اللافت أنّ التفسير أعلاه من المرجح أن يستخدم في حال طالبت السلطة الفلسطينية باعتقال القيادي المفصول من "فتح" محمد دحلان، والذي صدرت ضده أحكام من محكمة الفساد الفلسطينية، إذ من الممكن أن يتم التذرع بأنّ الخلاف مع دحلان سياسي وليس على خلفية مخالفاته القانونية الجسيمة وتهم الفساد التي وجهتها المحكمة ضده.

وكانت محكمة جرائم الفساد الفلسطينية في رام الله قد حكمت في 14 ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي على القيادي دحلان بالسجن لمدة ثلاث سنوات، ورد المبالغ التي اختلسها، وقيمتها 16 مليوناً و200 ألف دولار، واعتباره فاراً من وجه العدالة.

وفي حين، تمتنع قيادات "فتح" البارزة في الضفة الغربية عن ذكر اسم القيادي المطرود صراحة كأحد أول المرشحين للاعتقال من قبل الإنتربول، ترى مصادر أخرى أن فرصة جلبه معتقلاً ضعيفة لأسباب عدّة منها: "أولاً أنّ البند الثالث والمتعلق بالشق السياسي قد يفسر من قبل هيئة الإنتربول لصالح دحلان، على اعتبار أنّه منافس سياسي وليس لصاً متهماً بالفساد والسرقة".

وبحسب المصادر نفسها لـ"العربي الجديد"، فإن السبب الثاني يدور حول أنّ "مصر التي يعيش فيها القيادي المطرود لن تسلمه للسلطة بحكم علاقة التحالف بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والقيادي المطرود دحلان". أما ثالثاً فإن الرئيس محمود عباس لن يقدم على إفساد أجواء المصالحة التي تسود حالياً بين "فتح" و"حماس"، لا سيما أن هناك أنصاراً لدحلان من حركة "فتح" في قطاع غزة تحديداً.

وهناك سبب آخر، بحسب تلك المصادر، فإنّ المحكمة الدستورية التي قدمت تفسيراً يبيح للرئيس أبو مازن (محمود عباس)، رفع حصانة أعضاء المجلس التشريعي تم الطعن بتشكيلها، وحتى الآن لم يصدر قرار حول صحة تشكيلها قانونياً من عدمه بناء على الطعن المنظور في المحاكم الفلسطينية المعنية.

أمّا السبب الأخير، وفقاً للمصادر ذاتها، فإنّه لو تمت أمور المصالحة كما يرددها قيادات "فتح" و"حماس"، فإن المجلس التشريعي سوف يجتمع، وبالتالي هو المخول برفع الحصانة عن نوابه وليس الرئيس أبو مازن، وتعتبر قرارات الأخيرة لاغية في حال اجتماع التشريعي.

وحول اعتقال الإنتربول لإسرائيليين سواء قتلة مثل جنود الاحتلال أو قتلة ولصوص أراضٍ مثل المستوطنين، قال الخبير القانون الدولي الإنساني شقير إن هذا أمر غير واقعي وتمنعه اتفاقية "أوسلو".

وأوضح أن "اعتقال الإسرائيليين أمر غير واقعي؛ فالسلطة الفلسطينية والقضاء الفلسطيني ممنوعان من إلقاء القبض على أي إسرائيلي بموجب اتفاق أوسلو، والذي أنشئت السلطة الفلسطينية بموجبه، وهذا الاتفاق حدّد بشكل واضح أنّه ليس هناك أي اختصاص للسلطة الفلسطينية على أي شخص مصنف إسرائيلياً، حتى إن الفلسطينيين من حملة هوية القدس ليس هناك أي سلطة قضائية فلسطينية عليهم، وبالتالي ليس من الوارد رفع أي قضية على إسرائيلي".

وتابع: "يجب أن يكون معلوماً بشكل واضح أن الشرطة الجنائية الدولية ليست محكمة، وهي أيضاً ليست المحكمة الجنائية المختصة بجرائم الحرب وغيرها من الجرائم مثل الاستيطان والإبادة وغيرهما".



من جهته، علّق مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، عمار دويك، على هذه الخطوة، على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، قائلاً: "قبول عضوية دولة فلسطين في الإنتربول خطوة مهمة جداً، وتظهر أنّ فلسطين ما زالت تحظى بمكانة مهمة على الصعيد الدولي رغم المعارضة الإسرائيلية الشرسة لهذه الخطوة".

وأضاف: "عدا عن الجانب السياسي والرمزي للعضوية، هناك نتائج عملية. فالعضوية ستتيح لدولة فلسطين الوصول إلى موارد فنية وخبرات في مجال مكافحة الجريمة خاصة الجرائم العابرة للحدود، وأيضاً ستساعد في ملاحقة الجناة والمتهمين والمطلوبين للقضاء الفلسطيني".

غير أنه استدرك قائلاً "في المقابل، يجب عدم المبالغة في النتائج المترتبة على العضوية في موضوع ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين، فهذا موضوع بحاجة إلى صدور قرار من الادعاء العام لمحكمة الجنايات الدولية، وهو ما لم يتم حتى الآن، وفي حال صدور مثل هذا القرار فإن المحكمة سوف تستعين مباشرة بالإنتربول لتنفيذ مذكرات الإحضار حتى لو لم تكن فلسطين عضواً في الإنتربول".