نصف الديمقراطية

نصف الديمقراطية

03 سبتمبر 2017
تذهب الأحزاب إلى البرلمان لكنها تندد بسطوة الأغلبية(ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -
ما الذي يبدو صعباً في فهم الديمقراطية حتى تتعسّر الأمور بهذا الشكل في تونس؟ ولماذا نخطو خطوة إلى الأمام ونتوقف في وسط الطريق لنتأمل آثارها، ثم نخطو خطوتين إلى الوراء؟ ولماذا لا نفصل في المسألة نهائياً، وتعلن الأحزاب، لا الشعب، أنها ليست جاهزة بعد لذلك، وتعلن صراحة أن كل ما ترغب فيه هو "نصف ديمقراطية" تتيح لها نظاماً سياسياً على مقاسها وبحسب ظروفها، وتسقط أهم مبادئ الحكم الديمقراطي وقواعده، أي بكل بساطة حكم الأغلبية، برغم سطوة الأغلبية ونزوعها دائماً إلى التفرد بالقرار.

في تونس تذهب الأحزاب إلى البرلمان، لكنها تندد بسطوة الأغلبية وتسلطها، وتنتقد أحزاب في التحالف الحكومي تحالف أحزاب أخرى. وفي تونس نقر نظام الحكم البرلماني لكننا نرفض الأحزاب، وننتقد خدمة "مصالحها الخاصة" والطمع في الحكم ونطالبها بالزهد السياسي والترفع عن الأهداف الحزبية الضيقة، واخترعنا لذلك مصطلحات غريبة، من نوع "التغوّل"، أي السعي للسيطرة على السلطات، والمحاصصة الحزبية، أي قسمة الحكم بين الأحزاب، وكأنها كائنات صوفية متطوعة جاءت من أجل الفكرة فقط وتناضل من أجل ترف فلسفي لا غير، في حين أن كل من يدخل حزباً إنما يذهب بحثاً أو طمعاً في بقعة ما تحت الشمس، وغنيمة سلطوية من أي نوع وفي أي درجة، وأن الأحزاب إنما تشكلت لتحكم ولتصارع من أجل الفوز في الانتخابات وإقصاء خصومها ومنافسيها. وبينما قَبِل كل العالم بقواعد هذه اللعبة، وسار على دربها عقوداً وقروناً، نتوقف نحن عند كل خطوة ونقضي في نقاشها شهوراً حتى عجزنا عن تعويض وزير استقال ومدير لا يرغب في ترك مكانه، إلا إذا تم الإجماع ورضي أصحاب السعادة وتثبتنا أن فضيلة "الديمقراطية التشاركية" قد طُبّقت أركانها بكل دقة.
صحيح أننا نتدرب على الممارسة، ونتعلم من أخطائنا، ونتمعن في خطواتنا حتى لا نتسرع ونقترف ما ليس في الحسبان، لكن الأمر أصبح مزعجاً للجميع، خصوصاً للناس التي ملّت من مسلسلات أصبحت تعود عند كل تعديل وبمناسبة كل قانون وقبل كل قرار، ففُضّوها نهائياً وأريحونا، وقرّروا إذا كُنتُم تريدون الديمقراطية أم نصفها فقط؟