اتهام لبناني للسعودية باحتجاز الحريري: تصعيد يستبق الاجتماع العربي

اتهام لبناني للسعودية باحتجاز الحريري: تصعيد يستبق الاجتماع العربي

16 نوفمبر 2017
ارتفعت شعبية الحريري منذ إقامته الملتبسة بالسعودية(أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -
استبق التصعيد في الأزمة بين لبنان والسعودية، على خلفية "احتجاز" رئيس الحكومة اللبنانية المستقيل سعد الحريري في الرياض وفق اتهام رسمي لبناني، المواجهة المتوقعة في الجامعة العربية التي ستجتمع الأحد المقبل على مستوى وزراء الخارجية بناءً على طلب من السعودية بعنوان "مواجهة إيران وتدخلاتها في المنطقة العربية". ودخلت الأزمة في مراحل التعقيد الأكبر أمس، مع اعتبار رئيس الجمهورية ميشال عون أن الحريري وعائلته "قيد الاحتجاز" في العاصمة الرياض، وقوله إن هذا الاحتجاز "هو عمل عدائي ضد لبنان"، وإن "ما حصل ليس استقالة حكومة بل اعتداء على لبنان وعلى استقلاله وكرامته". بينما برز موقف فرنسي لافت، بدعوة الرئيس إيمانويل ماكرون أمس، الحريري وعائلته إلى فرنسا.

مواقف عون جاءت قبل أيام على اجتماع يُتوقع أن يكون حامياً لوزراء الخارجية العرب في مقر الجامعة العربية في القاهرة، بدعوة من السعودية لـ"بحث تدخّل إيران في الشؤون العربية". عنوان اندرجت تحته الاستقالة التي أعلنها الحريري من الرياض قبل أسبوعين، ووصف فيها إيران بأنها "تُخرّب حيث حلّت"، وأن "يدها يجب أن تُقطع في المنطقة". ومع استشعار النظام اللبناني لبيان شديد اللهجة قد يصدر ضد إيران ومعها لبنان إثر اجتماع الأحد، استبق عون الموقف من خلال مهاجمة السعودية. وأكد تلقي لبنان دعوة للمشاركة في اجتماع وزراء الخارجية العرب ومناقشة شكوى سعودية ضد إيران، معلناً تلبية الدعوة "مبدئياً"، وإذا ما أثير موضوع الأزمة التي نشأت عن تقديم الحريري استقالته وما تلاها "فسنواجه ذلك بالذرائع والحجج".

ساعد عون في تصعيده الكلامي فشل سعودي في تحقيق صدمة سياسية تتطوّر لمواجهة لبنانية داخلية مع "حزب الله" الذي يُمثّل مصالح إيران في أكثر من دولة عربية. وخلال أسبوعين انتقل النظام اللبناني إلى بحث خيارات الرد السياسي والدبلوماسي على المملكة، بعد أن "تأكد لنا احتجاز الحريري وعائلته في الرياض"، بحسب تصريحات لعون أمس، أضاف فيها أن هذا الاحتجاز "هو عمل عدائي ضد لبنان، لا سيما أن رئيس الحكومة يتمتع بحصانة دبلوماسية وفق ما تنص عليه اتفاقية فيينا". وتزامن تصعيد لهجة الخطاب الرسمي اللبناني مع جولة الاتصالات الواسعة التي أجراها عون خلال أيام الأزمة وشملت مجموعة من القادة العرب والأجانب "حاول بعضهم التوسط لدى السعودية بهدف عودة الحريري إلى بيروت دون نتيجة"، وفق الرئيس اللبناني. كذلك تمنّى عون لو أن "المملكة أوضحت لنا رسمياً سبب اعتراضها أو أوفدت مندوباً للبحث معنا في هذا الموضوع، لكن ذلك لم يحصل، ما جعلنا نعتبره خطوة غير مقبولة". لكن الحريري لم يتأخر في الرد عبر موقع "تويتر" أمس، قائلاً إنه بخير وسيعود إلى لبنان خلال يومين، فيما ستظل عائلته في السعودية.

وبشكل موازٍ لكلام عون، قاد وزير الخارجية جبران باسيل، وهو صهر رئيس الجمهورية ورئيس "التيار الوطني الحر"، جولة سياسية أوروبية لحشد التضامن مع الموقف الرسمي اللبناني، بعد أن أبدت مجموعة دول، ومنها إيطاليا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وروسيا وتركيا، دعمها لعون وإدارته لهذا الملف الخلافي المُستجد. وكان الموقف الفرنسي أكثر وضوحاً مع إعلان المتحدث باسم الحكومة الفرنسية كريستوف كاستانير، أن "الرئيس ايمانويل ماكرون يتمنى أن يتمكن الحريري من تأكيد رغبته في الاستقالة من بلده لبنان في حال كانت الاستقالة خياره الشخصي". لكن بدا أن باريس تحاول تهدئة الأوضاع ومنع انفجار الوضع، إذ قال المندوب الفرنسي في الأمم المتحدة فرانسوا ديلاتر، أمس، إن "الوقت ما زال مبكراً في هذه المرحلة"، لطرح ملف الحريري وعودته إلى بيروت على طاولة مجلس الأمن الدولي. وأوضح في تصريحات للصحافيين، في مقر المنظمة بنيويورك، أن "باريس تجري اتصالات عبر قنوات ثنائية من كل نوع، وبناء على نتائج هذه المشاورات سنرى ما سنفعله هنا في نيويورك".



كذلك أفادت وسائل إعلامية بأن "ماكرون أبلغ ولي عهد السعودية محمد بن سلمان خلال لقائه في الرياض تبنّيه موقف الرئيس اللبناني بشأن غياب الحريري". ولم يتوقف التحرك الفرنسي عند ذلك، بل إن وزير الخارجية جان إيف لودريان توجّه إلى الرياض أمس، على أن يلتقي الحريري اليوم الخميس مبدئياً، وفق ما نقلت وكالة "فرانس برس" عن مصدر مقرب من الوزير الفرنسي.

وانضمت روسيا أيضاً إلى قائمة الدول الداعمة للبنان، عبر تأكيد نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، بعد استقبال نائب رئيس الحكومة اللبنانية غسان حاصباني، أمس الأربعاء، موقف بلاده بـ"ضرورة تسوية كافة المسائل الحادة المتعلقة بالأجندة الوطنية من قبل اللبنانيين أنفسهم، ومن دون تدخّل خارجي وعبر الحوار ومراعاة لمصالح كافة القوى السياسية الأساسية في هذا البلد متعدد الأديان". وسبق للسفير الروسي في بيروت ألكسندر زاسبيكين، أن طرح إمكانية "إحالة ملف رئيس الوزراء المستقيل سعد الحريري، إلى مجلس الأمن الدولي، في حال استمر الغموض الطاغي عليه" وأضاف زاسبيكين، في مقابلة تلفزيونية بعد يومين على الاستقالة، أن "موضوع عودة الحريري متعلّق بالحقوق السيادية للبنان".

داخلياً أيضاً، لم يترك كثير من القوى السياسية عون وحيداً في إدارة هذا الملف، فتجاوز رئيس مجلس النواب نبيه بري حالة الخلاف الدائم مع عون وأيّد خطواته ومنحها بُعداً دستورياً، خصوصاً في رفض عون التعامل مع استقالة الحريري التي أعلنها من الرياض واعتبارها كأنها لم تكن. كذلك حاول مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان الموازنة بين علاقات الطائفة السنّية بالمملكة، وبين تقديم موقف لبناني موحّد من الأزمة.

لكن الإجماع اللبناني على إدارة عون للأزمة، لم يمنح وزير الخارجية غطاء محلياً للمشاركة في اجتماع وزراء الخارجية العرب وتمثيل لبنان في جلسة من المُتوقع أن تكون حامية. وقال باسيل أمس الأربعاء، بعد لقاء مع نظيره الإيطالي أنجلينو ألفانو، إن "السعودية عليها حل مشاكلها مع إيران وحزب الله وليس مع كل اللبنانيين". وأعلن باسيل أن بلاده ستواصل اتخاذ تحركات "عن طريقة الأخوة" لحل أزمة الحريري. وكان لافتاً اللقاء الذي جمع باسيل بعد ذلك بالبطريرك الماروني بشارة الراعي في روما، علماً أن الراعي التقى الثلاثاء الحريري في الرياض.

وسبق أن اتهم وزير العدل السابق أشرف ريفي، باسيل بأنه "يحاول تزوير الحقائق بخصوص استقالة الحريري، وهو يلعب دور وزير خارجية حزب الله". ولا يساعد تاريخ باسيل كوزير للخارجية في نفي اتهامات ريفي له، وهو الذي أكد مراراً أنه بادر إلى طلب الاجتماع بوزير خارجية النظام السوري وليد المعلم، على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي عُقد في نيويورك، وتولّى الدفاع عن "حزب الله" في المحافل العربية والدولية بوصفه "حزباً لبنانياً مقاوماً للعدو الإسرائيلي وللتكفيريين، وهو مُمثّل في البرمان والحكومة وأعماله مُغطاة سياسياً عبر البيان الوزاري للحكومة".

ويستند لبنان إذاً إلى التوافق الداخلي اللبناني والتضامن الذي أحدثته ملابسات استقالة الحريري من الرياض، وحول ضرورة طرح الملفات الكبرى كسلاح "حزب الله" في إطار محلي، وذلك على الرغم من فشل تجارب سابقة (اتفاق الدوحة 2009، اجتماعات الاستراتيجية الدفاعية 2010، إعلان بعبدا 2012، والتسوية الرئاسية 2016-2017) في الحد من اندفاعة "حزب الله" الميدانية في الداخل اللبناني وعلى مساحة خارطة النزاعات في المنطقة. وإن واصل الحزب اليوم تجنّب استهداف الحريري، فإن الاشتباك الكلامي بين الحزب والمملكة مُستمّر. وهو ما صعّد من حدة الخطاب الإعلامي وانعكس سلباً على الرأي العام اللبناني.

وفي مقابل التصعيد اللبناني، تبدو خيارات التصعيد السياسي والاقتصادي وحتى الأمني قائمة أمام المملكة. وقد لجأت السعودية وحليفتها الإمارات إلى الضغط السياسي والاقتصادي على لبنان بحجة "مواقف حزب الله". وشهدت الفترة بين عامي 2013 و2015 عشرات حالات الإبعاد الجماعي لموظفين لبنانيين في البلدين، إلى جانب دعوة السياح إلى تجنّب زيارة لبنان، والتلويح بسحب الودائع الحكومية والخاصة من المصارف اللبنانية. وشكّل تجميد هبة بقيمة ثلاثة مليارات دولار لدعم الجيش اللبناني عام 2016، قمّة التصعيد السعودي تجاه لبنان، قبل أن تعود المملكة وترعى التسوية السياسية التي اختارها الحريري، عبر انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، مقابل عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة. واليوم يُشكّل المصير الشخصي للحريري عنوان أشدّ فصول الأزمة القائمة منذ سنوات طويلة بين المملكة و"حزب الله". والجديد في هذا الفصل أيضاً، وجود رئيس جمهورية مؤيّد لـ"حزب الله" على رأس هرم السلطة في لبنان.

المساهمون