بلد يغرق مع كل مطر

بلد يغرق مع كل مطر

25 سبتمبر 2016
ستبقى تونس بلداً زراعياً(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
منذ شهر تقريباً، خرج وزير الزراعة التونسي يهدد الناس بالعطش، إذا ما تواصل انحباس الأمطار وامتدت فترة الجفاف. وربما يضطر التونسيون لأول مرة في حياتهم إلى تقسيط مياه الشرب... وخرج التونسيون لصلاة الاستسقاء في كل مدينة، يطلبون المطر، في بلد سيبقى على الرغم من كل شيء بلداً زراعياً أولاً وبالذات، مع أنه يحاول التنصل من هذه السمة البارزة التي تميزه. ولكن إذا ما خرجت من بوابات المدن فإنك تتفطن بسرعة أن تونس هي قبل كل شيء أرض صالحة للزراعة، مع أنها لا تزرع بالشكل الكافي. وجاءت الأمطار، كما كل عام، لتغرق البلاد في ظرف ربع ساعة تقريباً، من شمالها إلى جنوبها. وبعدما كانت كل الأصوات تخشى الجفاف، تعالت بنفس الحدة، لتشكو المطر، وعجز الدولة منذ سنوات عن تفادي الكوارث التي يحدثها تدفق السيول.

غير أن هذه الحالة ليست إلا مجرد صورة مصغّرة عن تونس التي تغرق مع كل حادثة، وتشبيهاً لحالة سياسية في بلد تؤثر فيه كل الأحداث أيما تأثير، وتوصيفاً لهشاشة واضحة تحوّل الملفات، مهما كانت صغيرة، إلى قضايا رأي عام يمكن أن يكون تأثيرها عارماً.

ومثال ذلك ما حدث مع الشركة البريطانية التي هددت بمغادرة تونس. ومع أنها مجرد شركة لا تزود تونس إلا بـ13 بالمائة من الغاز (الذي تستهلكه البلاد)، وعلى أهميتها وأهمية الظرف الزمني الذي أثار القضية، إلا أنها تحولت بسرعة إلى قضية سياسية بامتياز. واستنفرت كل الحكومة والمنظمات والنواب والشعب. وتحولت إلى القضية الأولى في البلاد، ومن قبلها حوار الرئيس التونسي السابق، المنصف المرزوقي، الممنوع، والذي أعاد الحديث من جديد عن محاولات كم الأفواه وضرب حرية التعبير والسيطرة على الإعلام.

سيعيش التونسيون اعتباراً من هذا الأسبوع على إيقاع قضية جديدة تتعلق بإشراك عناصر القوات المسلحة في الانتخابات من عدمه. وستتحول إلى قضية رأي عام أيضاً، مع أنه يُفترض ألا تكون إلا مجرد قضية تقنية في بلد عادي... ولكنها تونس، تغرق مع كل مطر، ومن أيّ صنف، وتنجح على الرغم من ذلك في النجاة كل مرة، لتعاود من جديد مغامرتها مع الأيام.

المساهمون