ميركل مطالبة باسترداد الثقة الشعبية قبل الانتخابات العامة المقبلة

ميركل مطالبة باسترداد الثقة الشعبية قبل الانتخابات العامة المقبلة

20 سبتمبر 2016
تنوي ألمانيا تعزيز المساعدات للاجئين بدول مجاورة لسورية(كارستن كول/Getty)
+ الخط -
تلقت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، الضربة السياسية الثانية في غضون أسبوعين عبر صناديق الاقتراع الانتخابية. وبحسب النتائج شبه النهائية للانتخابات التي جرت يوم الأحد الماضي في ولاية برلين، لم تتمكن من استعادة هيبة حزبها، الاتحاد الديمقراطي المسيحي، بعد الخسارة التي مني بها قبل أسبوعين في ولاية مكلنبورغ فوربومرن. وتشكل هذه الهزيمة في العاصمة سابقةً بتاريخ الحزب، سواء بعد الحرب العالمية الثانية أو بعد الوحدة عام 1990.


وتفيد الأرقام بأن حزب المستشارة لم يفلح في حصد سوى 17,6 بالمائة من أصوات الناخبين في برلين، وبفارق ضئيل عن حزب اليسار الذي حصد 15,6 بالمائة من الأصوات الذي حل ثالثاً. تلاه حزب الخضر الذي حصل على 15,2 بالمائة من أصوات المقترعين. وأتى في المرتبة الأولى الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي تمكن من المحافظة على صدارة الترتيب بنسبة 21,6 بالمائة من الأصوات. إلا أن ما كان لافتاً هو التقدم الملموس لحزب اليسار وعودة الحزب الديمقراطي الحر مجدداً إلى البرلمان، بعدما تمكن من حصد 6,7 بالمائة من الأصوات. ونال حزب "البديل لألمانيا" اليميني المتطرف، 14,2 بالمائة من مجمل أصوات الناخبين في أول مشاركة له، ليكون أحد الطارئين على الحياة السياسية البرلينية وأحد أركان المعارضة.

أمام هذا الواقع، تكون نتيجة انتخابات يوم الأحد قد أعادت خلط أوراق التحالفات المحتملة لتشكيل حكومة برلين. وبات على "الاشتراكي الديمقراطي" أن يبحث عن حليفين لتكوين الائتلاف. والخيار الأكثر ترجيحاً يتمثل بتحالف "الاشتراكي الديمقراطي" مع حزبي "اليسار" و"الخضر". هكذا من المرجح أن يكون حزب المستشارة ميركل هذه المرة فعلياً خارج حكومة العاصمة التي تملك رمزية خاصة في الحياة السياسية الألمانية.

ويعتبر مراقبون أن نتائج الاقتراع في برلين أظهرت أن زمن سيطرة الأحزاب الكبرى قد ولّى. وكانت هذه الأحزاب استأثرت ولفترة طويلة على مفاصل الحكم في المدينة. وبات عليها التكيف مستقبلاً مع الحضور الفاعل للأحزاب الأخرى مثل "الخضر" و"اليسار"، ومشيرين إلى أن ذلك لن يكون سهلاً، وربما سيشكل صعوبة أكثر للحكم خلال الخمس سنوات المقبلة.

وبذلك يكون الناخبون قد عاقبوا المستشارة مرة جديدة سياسياً. وأصبح "البديل"، يشكل قوة لا يستهان بها على الصعيد الوطني، بعدما مني الحزب "المسيحي الديمقراطي" بخسارة 30 ألف صوت لصالح "البديل".


ويبدو واضحاً، من خلال عدة تصريحات أطلقتها ميركل، في الآونة الأخيرة، أنها تنوي إعادة توجيه النقاش قبل خروجه عن السيطرة. ومنذ ظهور النتائج الرسمية لانتخابات ولاية مكلنبورغ فوربومرن، تحرص المستشارة على إعلان مسؤوليتها عن الخسارة، بعدما كان الأمين العام لحزبها "المسيحي الديمقراطي" قد وصفها بـ"الهزيمة المرة". ويعني كل ذلك أن هذا الحزب بات في مأزق، لا سيما أن زعيمة حزب "البديل"، فراوكه بيتري، أعلنت أخيراً أن بداية النهاية لحزب ميركل انطلقت بالفعل، وأن حزبها متجه ليحل مكانه.

***********************************************************************************************

استعادة زمام المبادرة

ويرى خبراء في الشؤون السياسية الداخلية الألمانية أن الأحزاب التقليدية في ألمانيا تحتاج إلى خطوات واقعية، بعدما بات حزب "البديل" موجوداً في أكثر من نصف برلمانات الولايات وفي برلين. ودخل اليمين الشعبوي من الباب العريض إلى الحياة السياسية كما حصل في بلدان أوروبية أخرى. ويؤكد هؤلاء أن هذا اليمين استفاد من سياسة اللجوء التي تهيمن على جدول الأعمال السياسية، واستطاع جمع أصوات المعادين للأجانب وللإسلام، أي أولئك القلقين من تزايد أعداد المهاجرين، بعدما حركوا فيهم عامل الخوف تحت ذريعة أن الهجرة ستؤدي إلى تغيير واقعهم الاجتماعي وإلى تغييرات مستقبلية في حياتهم الخاصة. هذا ما يحصل في الواقع، حتى في ولاية ألمانية لا يتجاوز فيها عدد اللاجئين العشرين ألفاً من أصل 1.6 مليون نسمة. من هنا أصبح حزب "البديل"، اليميني المتطرف، عنصر جذب للآخرين بعدما خاب أمل الناخبين المحافظين غير الراضين عن سياسات حكومتهم.

في المقابل، يرى المراقبون أن الخطر الأكبر يكمن في حال عدم استجابة المسؤولين بالشكل الصحيح للمطالب، بعدما أصبحت الأرضية خصبة للاحتجاجات. وهذه الاستجابة تعني مثلاً اعتماد خطوات عملية كالتشدد أكثر في قوانين اللجوء والاندماج، والتركيز فقط على من له حق الحماية وإنجاز البت في ملفات اللجوء، والشروع سريعاً في عمليات الترحيل لتفادي خسائر شعبية أكبر. وقد بدأت الأحزاب الرئيسية في البلاد تفقد بشكل متزايد القدرة على التحكم بالأمور، مع العلم بأن عدداً من قادة الحزب "المسيحي الديمقراطي" بزعامة ميركل، يحاولون التمايز في مواقفهم في ما يخص سياسة اللجوء والاندماج، وذلك خوفاً من فقدان المزيد من الأصوات لصالح اليمين المتطرف قبل الانتخابات العامة المقررة في خريف العام المقبل.

وأمام هذا الواقع، يقول المراقبون إنه يتعين على الحكومة الألمانية التعرف على القضايا المحقة لمواطنيها، والتفكير في كيفية التعاطي معها ومعالجتها. ومنها على سبيل المثال إنشاء مساكن بما فيه الكفاية، ليس للاجئين وحسب، بل أيضاً للسكان المحليين الذين يبحثون عن مكان للسكن بأسعار معقولة. وأي إحجام عن القيام بهذه المهمة سيجعل ألمانيا مجبرة على التعايش مع ظاهرة الشعبويين من جناح اليمين المتطرف، على غرار حزب "الحرية" في النمسا، وحزب "من أجل الحرية" في هولندا، و"الجبهة الوطنية" في فرنسا.


مواجهة الحملات
من جهة ثانية، يطالب المؤيدون لسياسة المستشارة بمواجهة الحملات، التي يعتمدها حزب "البديل"، انطلاقاً من أن ميركل لم تستدع اللاجئين إلى البلاد، إنما هؤلاء الناس كانوا عالقين ضمن الأراضي الأوروبية وأن المبادئ تحتم التعامل بإنسانية معهم في تلك الظروف. بالإضافة إلى ذلك، يدعو هؤلاء إلى ضرورة التذكير بما تم تحقيقه في السنوات الأخيرة، ومنها في ملف اللاجئين. ويرى هؤلاء أن حصول اليمين الشعبوي أخيراً على أصوات 20 بالمائة من الناخبين في ولاية صغيرة مثل مكلنبورغ فوربومرن، على سبيل المثال، لا يعني أن المواطنين هناك يرفضون بالمطلق الأحزاب التقليدية، لا سيما أن هناك 80 بالمائة من الناخبين أكدوا أنهم لا يريدون تسليم الولاية لليمين الشعبوي. بمعنى آخر، لم يحقق هذا الطرف انتصاراً حاسماً، على الرغم من التعبئة الجيدة التي قام بها، بدءاً من استغلال أزمة اليورو وصولاً إلى الهجرة وموضوع الإسلام وسياسة اللجوء، دون أن يحاول تقديم الحلول. وكانت الاستطلاعات قد أشارت إلى أن ربع الناخبين عبروا بأصواتهم عن قناعة، فيما ثلاثة أرباع الآخرين أتى تصويتهم احتجاجاً على سياسة الأحزاب الأخرى.

لا بديل عن ميركل
على الرغم من كل الانتقادات، يقول المراقبون إنه لا يوجد، حتى الآن على الأقل، بديل جدي لمنصب المستشارية غير ميركل. وعلى الرغم من الأزمات، لا تزال تحظى بثقة الأكثرية المطلقة، ومنها من الحزب الاجتماعي المسيحي الذي يحاول بين الحين والآخر التمايز بمواقفه عن حزب ميركل. في المقابل، لا تزال حظوظ انتصار الحزب المنافس التقليدي، الاشتراكي الديمقراطي، بعيدة. لذلك يمكن القول إن هناك أسباباً كافية لميركل للمنافسة مرة أخرى. وهي أعلنت أخيراً، في حديث لمجموعة "فونكه" الإعلامية، عن ثقتها باسترداد أصوات الناخبين من حزب "البديل". ومن المرجح أن تضاعف المستشارة جهودها، خلال الأشهر المقبلة، لدفع قضايا مهمة إلى الأمام، والتركيز على الأمن الداخلي وربما الإعلان عن تخفيضات ضريبية في ظل انتعاش اقتصادي ملموس. ومن المتوقع أيضاً أن تفتح ميركل النقاش حول سياسة التقاعد، وإعادة تصويب التوجهات العامة وتوقيع اتفاقات لإعادة اللاجئين (إلى دولهم أو دول أخرى)، وإعطاء الأولوية لحملة الانتخابات الفيدرالية المقبلة بدلاً من التلهي بعناوين فضفاضة، كالتي تم اعتمادها من قبل حزبها خلال الحملة الانتخابية، ومنها حظر البرقع أو وضع حد للجنسية المزدوجة.

وهذا ما لمسته الأوساط السياسية أخيراً في الكلمة، التي ألقتها المستشارة في البوندستاغ (البرلمان الألماني)، والتي قالت فيها "حينما نتجاهل الحقائق سيصبح من الصعب إيجاد أجوبة بناءة ومسؤولة، وحين نوجه اهتماماتنا للرد على أولئك الذين يستخدمون العبارات الرنانة ولا يعنيهم التوصل إلى حلول، سنفقد في النهاية وجهتنا المنشودة"، مشددةً على أن "ألمانيا ستبقى ألمانيا".

ولم يغفل المراقبون الإشارة إلى الخطوات، التي أقدمت عليها الحكومة الائتلافية للمستشارة في موضوع اللاجئين. ومنها التشدد في قوانين اللجوء والاندماج وعمليات لمّ الشمل. ومن بين تلك الخطوات هناك أيضاً تصنيف دول شمال أفريقيا بالآمنة، وغض النظر عن إغلاق طريق البلقان لوقف تدفق اللاجئين، وإنجاز الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، وتقديم الدعم لوكالة "فرونتكس" لحماية الحدود الخارجية للاتحاد. بالإضافة إلى ذلك، سيتم تقديم مساهمات عينية ومادية للاجئين المتواجدين في الدول المجاورة لسورية، منها الأردن ولبنان والعراق وتركيا، بهدف تمكينهم من الصمود، والسعي لعقد اتفاقات مماثلة مع دول أفريقية كتلك التي تم توقيعها مع أنقرة.

أسباب تمدد اليمين المتطرف
يرى خبراء أوروبيون أنه لا يمكن تفسير النجاح الانتخابي للأحزاب الشعبوية، باعتباره نتيجة لرفض سياسة اللجوء والانتقادات المتزايدة للحكام، بل جاءت كرد فعل على فقدان سيطرة الحكومات الاتحادية على قضية اللاجئين. وتتجه هذه الأحزاب، على ما يبدو، إلى تحقيق نتائج جيدة في الانتخابات التي ستجري قريباً في إيطاليا وإسبانيا، وترجيح وصول رئيس شعبوي في الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية في النمسا.

إلى ذلك، يلفت هؤلاء إلى أن الأزمات الاقتصادية وحالة الركود الذي أصاب البلدان الصناعية القديمة، ساهمت بارتفاع معدلات البطالة بين جيل من الشباب الأوروبيين، وانخفاض حقيقي في الدخل. وأدت إلى تغييرات في توزيع الثروات وتزايد نسبة المتقاعدين وتفاقم مشكلة سوق العمل والسكن. يضاف إليها نظام العولمة والتغير التكنولوجي الذي يهدد نظام الأعمال التقليدية. كلها عوامل زادت من المخاوف لدى المواطنين، ومكنت المجموعات الشعبوية من حصد أصوات ثلث الناخبين الألمان، بعدما استغلت ظاهرة الهجرة غير الشرعية والخوف من الإسلاميين، والحرص على الأمن الداخلي ونقد العولمة وخيبة الأمل من الاتحاد الأوروبي.

وتبقى أزمة اللاجئين ونتائجها على رأس العوامل، التي ساهمت في زيادة حضور الأحزاب اليمينة المتطرفة، لا سيما بعدما حاولت ألمانيا إجبار جيرانها من الأوروبيين على التضامن وفرض نظام الحصص. لكنها بقيت وحيدة بعدما أعلنت دول أوروبا الشرقية أن العمل الإنساني المشترك لا يمكن أن يجبر المرء عليه، وأبدت تذمرها تجاه توجهات المستشارة ميركل، وعمدت إلى بناء الأسوار في وقت كانت فيه دول البلقان في حال من الفوضى، فيما أعلنت الدول الاسكندنافية عن وصول قدرتها الاستيعابية للاجئين إلى حدودها القصوى.