ضربة قضائية قاسية للحقوقيين المصريين... تحضيرات لتوسيع الملاحقات والاتهامات

ضربة قضائية قاسية للحقوقيين المصريين... تحضيرات لتوسيع الملاحقات والاتهامات

18 سبتمبر 2016
حسام بهجت، أحد المشمولين بالقرارات (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
وجّه القضاء المصري، أمس السبت، ضربة موجعة لمنظمات المجتمع المدني الحقوقية، قد تكون الأقسى منذ بدء عملها في مصر عام 1993، وذلك قبل ساعات من مغادرة الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، القاهرة متجهاً إلى نيويورك لحضور الاجتماعات السنوية للأمم المتحدة.

وتتمثل الضربة في إصدار محكمة جنايات القاهرة أحكاماً، بمنع خمسة حقوقيين بارزين وثلاثة مراكز حقوقية مصرية من التصرف بأموالهم على خلفية اتهامهم بتلقي أموال من الخارج بطريقة غير مشروعة، وإنفاقها في أنشطة تُشكّل خطراً على الأمن القومي.

وتشمل قائمة الممنوعين كلا من: مؤسس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، حسام بهجت، ومدير المنظمة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، جمال عيد، وزوجته وابنته القاصر، ومؤسس ومدير مركز القاهرة لحقوق الإنسان، بهي الدين حسن، وزوجته وابنته وشقيقه، ومدير مركز الحق في التعليم، عبدالحفيظ طايل، ومصطفى الحسن آدم من مركز هشام مبارك للقانون. أما المراكز الثلاثة فهي مركز هشام مبارك للقانون، والمركز المصري للحق في التعليم، ومركز القاهرة لحقوق الإنسان. وسبق أن أيدت المحكمة في يوليو/تموز الماضي التحفظ على أموال مؤسس ومدير مركز الأندلس لدراسات التسام. أحمد سميح. واستجابت المحكمة بذلك للطلبات التي قدمتها لجنة التحقيق القضائية التي يرأسها، المستشار هشام عبدالمجيد، التي تجري تحقيقات موسعة في القضية 173 لسنة 2011 المعروفة باسم "التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني". وخلال الأشهر السبعة الماضية منعت لجنة التحقيق العديد من النشطاء الحقوقيين من السفر، وحظرت نشر أي أنباء عن التحقيقات حتى إحالة المتهمين إلى محكمة الجنايات.

وتعتبر قرارات المنع من التصرف التي أصدرتها المحكمة مؤقتة لحين انتهاء التحقيقات، وليس لها علاقة بالعقوبات التي قد توقّع على المتهمين في القضية، والتي قد تصل إلى السجن المؤبد، نظراً لاتهام جميع النشطاء بخرق المادة 78 من قانون العقوبات.

وعدل السيسي هذه المادة في سبتمبر/أيلول 2014 لتعاقب بالسجن المؤبد وغرامة نصف مليون جنيه (نحو 60 ألف دولار) كلَّ من "يطلب لنفسه أو لغيره أو قبِل أو أخذ ولو بالواسطة من دولة أجنبية، أو ممن يعملون لمصلحتها، أو من شخص طبيعي أو اعتباري، أو من منظمة محلية أو أجنبية أو أية جهة أخرى لا تتبع دولة أجنبية ولا تعمل لصالحها، أموالاً سائلة أو منقولة أو عتاداً أو آلات أو أسلحة أو ذخائر أو ما في حكمها أو أشياء أخرى، أو وعد بشيء من ذلك بقصد ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية، أو المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها، أو القيام بأعمال عدائية ضد مصر أو الإخلال بالأمن والسلم العام".

وهذا التعديل القانوني الذي أدخله السيسي على المادة 78 من قانون العقوبات، يوسّع جهات تمويل الجرائم ليشمل تلقي الأموال بقصد إضرار البلاد سواء من الداخل أو الخارج. كما لم يعد الإضرار بأمن مصر يقتضي "ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية" بل أصبحت الجريمة تتحقق بمجرد ارتكاب فعل يمكن تفسيره على أنه "مساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها، أو القيام بأعمال عدائية ضد مصر أو الإخلال بالأمن والسلم العام".


يعكس صدور الحكم، في هذا التوقيت قبل سفر السيسي إلى نيويورك، استخفاف النظام الحاكم في مصر بالانزعاج الدولي الواسع الذي عبرت عنه جميع المنظمات الحقوقية الدولية، وكذلك الأمم المتحدة والإدارة الأميركية وحكومات فرنسا وألمانيا وبريطانيا، منذ إعادة فتح القضية في الربيع الماضي وصدور قرارات قضائية بمنع جميع المتهمين من السفر.

وتدير مستشارة السيسي لشؤون الأمن القومي الوزيرة السابقة، فايزة أبو النجا، ملف هذه القضية، ووفقاً لمصادر حكومية مطلعة فهي "المسؤولة عن التنسيق بين قضاة التحقيق والأجهزة الأمنية التي تجمع المعلومات في القضية، وهي الاستخبارات العامة والأمن الوطني والرقابة الإدارية".

في هذا السياق، كشف مصدر دبلوماسي مصري لـ"العربي الجديد" أن "لقاءات السيسي مع المسؤولين الغربيين والأميركيين تحديداً، في نيويورك ستتأثر بالسلب من هذا القرار، حيث سيواجه السيسي أسئلة صعبة وانتقادات لاذعة"، بحسب المصدر.

وسيحاول السيسي التهرب من مسؤوليته عن إعادة تفجير القضية بعد غلقها بحكم نهائي ضد عدد من الحقوقيين الأجانب عام 2013 بادعاء أن القضاء المصري مستقل ولا تتدخل فيه السلطة التنفيذية. ووصف المصدر المصري هذا الدفاع المتوقع بأنه "أصبح لا يصدق، لأن سمعة القضاء المصري في الخارج ليست جيدة على الإطلاق، ومن المعروف أنه يمكن للحكومة التأثير عليه".

ويشير المصدر إلى أن "هذه المستجدات قد تجهض مساعي السيسي للقاء أكبر عدد من الزعماء الغربيين، وعلى رأسهم الرئيس الأميركي، باراك أوباما، خلال رحلته، كما ستدفع أسئلة حقوق الإنسان والقيود المفروضة على الحريات في مصر إلى واجهة لقائه المرتقب مع المرشحة الرئاسية الديمقراطية، هيلاري كلينتون، التي تتحفظ على أداء السيسي في هذا الملف".

من جهته، رأى مصدر دبلوماسي غربي بالقاهرة مكلف متابعة هذا الملف، أن "قرارات المنع من السفر والتصرف، تعكس رغبة غير مسبوقة في التنكيل بالمجتمع الحقوقي"، مرجّحاً أن "تصدر وزارات الخارجية بعدد من دول العالم المهتمة بمصر بيانات لشجب هذه الخطوة".

وعن إمكانية المضي لخطوة أكثر تأثيراً من الشجب، يوضح الدبلوماسي الغربي أن "حكومات فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة مهتمة جداً بقضية التمويل الأجنبي، لأن معظم التمويل محل الوقائع المنسوبة للمتهمين وارد من هذه الدول، وقد يؤثر الأمر على علاقاتها بمصر على المدى الطويل". وأضاف المصدر أن "الدوائر الغربية بمصر تلاحظ أن النظام الحاكم لا يكترث كثيراً بالإجراءات التي قد تضرّ به مستقبلاً"، واصفاً هذا السلوك بـ"الغريب وغير المبرر، لأن مصر تحتاج مساندة الجميع لا سيما اقتصادياً".

في سياق متصل، كشفت مصادر قضائية أن "هيئة الرقابة الإدارية التي تجري التحريات المالية الخاصة بالقضية من خلال اتصالات مباشرة ومراقبة على مدار الساعة لحسابات مؤسسي ومديري تلك المنظمات، منعت مراكز أخرى غير الممنوعة من التصرف في أموالها من سحب أموال محولة لها من الخارج قبل أيام من عيد الأضحى".

ويأتي هذا الإجراء، الذي لم تعلن عنه المراكز لأسباب أمنية، مخالفاً للقانون المصري الذي يمنع مثل هذا الإجراء بدون استصدار حكم قضائي. وأوضحت المصادر أن "لجنة التحقيق تُخضع للمراقبة حالياً الحسابات المصرفية لشخصيات غير حقوقية، تعاملت مالياً مع عدد من المراكز الممنوعة وغير الممنوعة من التصرف، مما يعني توسيع مساحة الاتهام والملاحقة لتشمل كل من اتصل بشكل مباشر وغير مباشر بأموال التمويل الأجنبي الذي تلقته هذه المراكز".

كما تلقت اللجنة تحريات جديدة من الأجهزة الأمنية حول تحركات عدد من النشطاء الحقوقيين في سفارات دول غربية خلال عامي 2015 و2016، وتربط بين هذه اللقاءات ورحلات للخارج قاموا بها في نفس الفترة، وبين مصادر التمويل التي يتلقون منها مبالغ مالية بانتظام أو لمرات معدودة.

ونوهّت المصادر القضائية ذاتها إلى أن "اللجنة المشتركة من وزارة المالية ومصلحة الضرائب ووزارة التضامن، التي شكلتها اللجنة القضائية لملاحقة هذه المنظمات مالياً وضريبياً، أعدت تقريراً مبدئياً يتهم جميع المراكز غير المرخصة (ومنها جميع المراكز المتحفظ على أموالها والمراكز التي ارتبط بها الأشخاص الممنوعون من التصرف) بالتهرب الضريبي، من خلال ممارسة عمل مستحق الضريبة بلا ترخيص للتهرب من أداء الضرائب".