الاستيلاء على "اليوزباشي"... شبهة تسريب جديد لعقارات المقدسيين

الاستيلاء على "اليوزباشي"... شبهة تسريب جديد لعقارات المقدسيين

10 مايو 2016
استخدم المستوطنون مفتاحاً كان بحوزتهم لدخول المبنى (العربي الجديد)
+ الخط -
على غفلة، ودون سابق إنذار، استيقظ المواطنون الفلسطينيون في حارة السعدية بالقدس العتيقة، فجر أمس الإثنين، على دبيب أقدام عشرات المستوطنين، وقد اقتحموا عقاراً جديداً في الحارة المقدسية المتاخمة للمسجد الأقصى، لتذكرهم عملية الاقتحام هذه بأخرى مماثلة حدثت قبل سنوات عدة لعقار ضخم أيضاً يطل على المسجد الأقصى من ناحيته الشمالية، كما يطل على منطقة واسعة داخل السور، فيما يربض المبنى ذاته على أشهر مغارة في القدس المحتلة هي مغارة الكتان أو ما يطلق عليها الاحتلال مغارة الملك سليمان. 
العقار الجديد الذي اقتحمه المستوطنون، فجر أمس الإثنين، يقع بالقرب من مدرسة المولوية في وسط حارة السعدية بالبلدة القديمة من القدس المحتلة، وكانت تقيم فيه عائلة اليوزباشي المقدسية، وهي من أصول تركية، قطنت العقار منذ عقود قبل أن يختفي أفرادها فجأة ويتعذر الاتصال بهم.
ويقول سكان مجاورون للعقار، التقتهم "العربي الجديد"، إن صاحب العقار وجميع أفراد عائلته كانوا قد غادروا عقارهم قبل أيام من دخول المستوطنين إليه، وأن عملية الاقتحام من قبل المستوطنين تمت بهدوء تام ودون جلبة، حيث استخدموا مفتاحاً كان بحوزتهم، ولم يكن هناك من يعترض طريقهم. 

ويشير كل من مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية التابعة لبيت الشرق خليل تفكجي، والباحث المتخصص في شؤون الاستيطان والعقارات في البلدة القديمة من القدس هايل صندوقة، إلى أنه بالاستيلاء على عقار عائلة اليوزباشي يرتفع عدد العقارات التي تمكن مستوطنون من اقتحامها والإقامة فيها في حارة السعدية في غضون السنوات العشر الماضية إلى ستة عقارات. في موازاة ذلك يصل إجمالي البؤر الاستيطانية في البلدة القديمة عموماً إلى نحو 80 بؤرة تتوزع على مختلف حارات وأحياء المدينة العتيقة.

من جهتهم، يقول مختصون في الشأن المقدسي، ومنهم الدكتور جمال عمرو، في حديث لـ"العربي الجديد" إنه "من الواضح أن الحديث يدور عن عملية تسريب لهذا العقار، توجت مفاوضات هادئة جداً أجرتها جمعيات الاستيطان الناشطة، والمدعومة بقوة من قبل الحكومة الإسرائيلية وأجهزتها التنفيذية والإدارية". ويحذر عمرو من أن "عمليات التسريب التي تتم أخيراً لعقارات المقدسيين سواء في البلدة القديمة أو في سلوان باتت ظاهرة قائمة، وليست عابرة، وتجري على نار هادئة بين جمعيات الاستيطان وعناصر متساقطة تفلت في الغالب من العقاب أو المساءلة بعدما أصبحت تشعر بالأمان، لتتواصل عمليات التسريب وقضم العقارات واحدا تلو الآخر"، على حد قوله. وفي السياق، يتساءل عمرو عن دور السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية في ملاحقة ومحاسبة المتورطين في عملية التسريب، في وقت تزداد فيه المخاطر التي تهدد الوجود والحضور الفلسطيني المقدسي.

من جهته، يوضح الباحث في شؤون الاستيطان، أحمد صب لبن، أن مسألة الاستيلاء والتسريب على العقارات في القدس وتحديداً البلدة القديمة، تتطلب أولاً معرفة أنواع العقارات في البلدة القديمة. فهنالك عقارات خاصة، وعقارات وقفية إسلامية، وأخرى مسيحية، وحتى يهودية. كما يوجد أيضاً وقف ذري، لافتاً إلى وجود عقارات تم وضع اليد عليها عبر قانون أملاك الغائبين، وعقارات أخرى تم وضع اليد عليها عبر قانون الأملاك العامة.
ووفقاً للباحث نفسه، إذا كان العقار خاصاً فلا يوجد هنا استيلاء بل  عملية تسريب إذ يباع بيعاً. أما إذا كانت العقارات وقفية إسلامية ومسيحية فهذه العقارات لا تباع بل تؤجر ويعود ريعها للوقفية وحدها فقط، وصعب جداً أن تتسرب أو أن يتم الاستيلاء عليها. في المقابل إذا كانت العقارات وقفية يهودية، إذ يوجد أوقاف يهودية في القدس، فإنه قد تم وضع اليد عليها من قبل "دائرة حارس أملاك العدو"، وهي دائرة حكومية أردنية، والتي أجرتها بدورها للمقدسيين، الذين خضعوا لنظام حماية المستأجر بعد احتلال القدس في عام 1967. وبحسب الباحث فإنّ هذه الأملاك لا تباع، ولكن هنالك قوانين وضعت من قبل منظومة القانون في حكومة الاحتلال يستخدمها المستوطنون للاستيلاء على هذه العقارات، لكن من المهم الإشارة إلى أنه "يمكن أن تباع الذمة (العقارية) في هذا النوع من العقارات عبر بيع حق الحماية والتنازل عنه للجمعيات الاستيطانية الخاصة التي حصلت على هذه الأملاك من دائرة إسرائيلية تدعى دائرة الأملاك العامة، لذلك قد تسرب هذه العقارات".

أما من وجهة نظر رجال الدين، فالأمر يعتبر في غاية الخطورة ولا بد من التوقف أمام هذه الظاهرة ومكافحتها بكل الوسائل، كما يقول رئيس الهيئة الاسلامية العليا، الشيخ عكرمة صبري، صاحب فتوى تحريم بيع العقارات لغير المسلمين. ويصف صبري المتورطين في عمليات التسريب والبيع بـ"الملعونين". ويرى رئيس الهيئة الاسلامية العليا في حديث لـ "العربي الجديد" أنّ "ما يحدث خطير جداً. وبهذه المناسبة أعيد وأكرر ما قلت سابقاً وما أفتيت به بحرمة بيع عقارات المسلمين لليهود، وأن من يقوم بذلك عليه لعنة الله، وعلى المسلمين مقاطعته، وعدم دفنه في قبورهم".

من جهته، يعتبر مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، زياد الحموري، أن ما يجري كل يوم من استيلاء وسيطرة على العقارات يندرج في إطار حملة التهويد الإسرائيلية للمدينة سواء في بلدتها القديمة، أو في امتدادها الجغرافي في الجنوب والشرق والشمال حيث بلدات وأحياء سلوان، ورأس العمود وجبل الزيتون والشيخ جراح. ويلفت إلى أن ما يحدث "على صلة أيضاً بما تقوم به سلطات الاحتلال من حفريات في محيط المسجد الأقصى وأسفله، وعلى امتداد المساحة الجغرافية التي تحتلها البلدة القديمة، ومن تحويل عديد العقارات إلى كنس يهودية ومدارس تلمودية، بينما تعطي الحكومة الإسرائيلية صلاحيات واسعة لجمعيات الاستيطان اليهودية، ومنها عطيرت كهانيم وألعاد، صلاحيات واسعة لإدارة البؤر الاستيطانية سواء في البلدة القديمة أو في سلوان". ويذكّر بأن حكومة الاحتلال "خصصت عشرات ملايين الشواقل لحماية وحراسة المقيمين في تلك البؤر، ولبرامج الرحلات المدرسية الإلزامية السنوية لطلبة المدارس اليهود بهدف تعزيز ارتباط هؤلاء بما سمي (التراث الديني اليهودي في القدس)".

ويرى الحموري أن من أخطر تداعيات عمليات الاستيلاء على العقارات في القدس القديمة مضاعفة أعداد المستوطنين فيها، حيث تزيد أعاداهم حالياً عن 4 آلاف مستوطن؛ ثلاثة آلاف منهم يقطنون في ما يسمى بـ"الحي اليهودي" الذي أقيم على أنقاض حارة الشرف الفلسطينية التي دمرها الاحتلال بعد سقوط القدس مباشرة في العام 1967 في حين أن ألف مستوطن يقطنون في نحو 80 بؤرة استيطانية تتوزع على أحياء البلدة القديمة المختلف. ووفقاً للحموري فإن هذا يعني أننا أمام محاولات مستميتة لخلخلة الوجود الديمغرافي داخل أسوار القدس القديمة لصالح اليهود، في وقت لا تزال فيه الأغلبية للوجود والحضور الفلسطيني حيث يقطن أكثر من 36 ألف نسمة، على حد قوله.


وفيما تتعرض البلدة القديمة إلى أخطر إجراءات التهويد واستهداف الوجود المادي للفلسطينيين فيها، مع الزيادة الكبيرة في نشاطات ميليشيات المستوطنين المسلحة وشركات الحراسة الخاصة المسؤولة عن سلسلة طويلة من الاعتداءات على المواطنين وممتلكاتهم، فإن الحكومة الإسرائيلية تخصص سنوياً نحو 80 مليون شيقل (نحو 22 مليون دولار) لدعم شبكات الاستيطان والمستوطنين المختلفة في أنحاء القدس المحتلة، تنفق غالبيتها على تمويل أنشطة جمعيات الاستيطان، وحرس المستوطنين، وتطوير البنى التحتية في العقارات التي استولوا عليها.

وفي السياق، يقول القيادي في حركة فتح، حاتم عبد القادر، إن الاستيلاء على عقار اليوزباشي في حارة السلسلة يعيد إلى أذهان المقدسيين، ما جرى في غضون السنوات القليلة الماضية من اتساع رقعة الاستيطان في المحيط المتاخم للبلدة القديمة. ويشير إلى الاستيطان المتفاقم في حي جبل الزيتون، الملاصق لحي رأس العمود من الناحية الشمالية الشرقية، حيث تمت سيطرة المستوطنين على بنايات وعقارات جديدة تطل على المسجد الأقصى من ناحيته الشرقية، بينما تجري بوتيرة متسارعة أعمال التوسع الاستيطاني في البؤرة الاستيطانية المسماة "بيت أوروت" على السفوح الشمالية لهذا الحي والمطلة هي الأخرى على البلدة القديمة والمسجد الأقصى من ناحيتهما الشمالية. كذلك تستكمل عمليات البناء الاستيطاني في منطقة الشيخ جراح شمال المدينة المقدسة، بالإضافة إلى سيطرة جمعيات الاستيطان هناك أيضاً على مزيد من العقارات. ولهذا يشدد عبد القادر على ضرورة التعامل بحزم مع ظاهرة تسريب العقارات وملاحقة المتورطين فيها، ومحاسبتهم وتشديد الخناق عليهم، محذراً من "السكوت على جرائم هؤلاء".