تسريب أملاك المقدسيين..سماسرة يسهلون مهمة الاحتلال في تهويد المدينة

تسريب أملاك المقدسيين..سماسرة يسهلون مهمة الاحتلال في تهويد المدينة

29 سبتمبر 2015
تخطيط محكم من جمعيات المستوطنين لتهويد القدس (فرانس برس)
+ الخط -
يستولي المستوطنون الصهاينة، على العقارات والمنازل الفلسطينية، عبر عدة طرق، وذرائع شتى، مثل قانون حارس أملاك الغائبين الذي يعود تاريخه إلى عام 1950 حين أقرّه الكنيست، وبموجبه تم ‏الاستيلاء على الأراضي والممتلكات التي تعود للفلسطينيين الذين هُجّروا منها ونزحوا إلى مناطق فلسطينية ودول عربية مجاورة، نتيجة احتلال المنظمات الصهيونية جزءاً من فلسطين عام 1948، أو بحجة أن العقارات تعود ملكيتها ليهود تملكوها قبل حرب عام 1948، أو عن طريق البيع والشراء، بمعنى شراء الحقوق في العقار، بما فيها حق الملكية أو التصرف للمستأجر المحمي، الذي يقطن في العقار قبل عام 1967، وهي الطريقة التي تزايد استخدامها مؤخرا من قبل المستوطنين كما يكشف التحقيق.

اقرأ أيضا: "العربي الجديد" تخترق عصابة صهيونية تستهدف الفلسطينيين

توثيق الجريمة

من أجل توثيق جريمة تسريب العقارات في القدس إلى المستوطنين، حصل "العربي الجديد" على اتفاقية باللغتين العبرية والعربية، بين فلسطيني وشركة تدعى Blue Stars Investments Inc بعنوان "اتفاقية بخصوص تسليم حق التصرف" تخص عقاراً في القدس (البلدة القديمة).
تقول الشركة في الاتفاقية إنها تملك العمارة، بموافقة فلسطيني، (اسمه تم حذفه)، جاءت بعد ذلك البنود التي اتفق عليها الطرفان، مع ذكر تفاصيل وأحداث تخص العقار والمتصرفين بالتواريخ، أبرزها تعهد بإخلاء جميع الغرف وتسليم التصرف الخاص في جميع الغرف، مع خلوها من أي شخص وغرض في موعد أقصاه 60 يوماً من توقيع الاتفاقية، ومقابل "تسليم" هذه الغرف يتم دفع 450,000 دولار "ثمناً للإخلاء" حسب الوصف، وأن البائع ملزم بإرجاع الغرف التي يتصرف بها وليس له أية حقوق قانونية.

وتضمنت الاتفاقية تفاصيل دفع ثمن الإخلاء على دفعات، فيما المبلغ الأكبر المتبقي (388.500) دولار أميركي يودع يوم "التسليم" بيد "الأمين"، وهو المحامي، عبر حساب بنك، ويشترط الحصول على الدفعة الأكبر التزام البائع بإخلاء الغرف.

نموذج آخر، لوثيقة بيع عقار، بين فلسطيني وشركة Blue Stars Investments Inc، بعنوان " اتفاقية بخصوص تسليم حق التصرف" أيضاً، تتوافق مع الأولى في تفاصيل أولية عن العمارة، مع فارق أن المبلغ المقدر ثمناً للإخلاء هو 205,000 دولار أميركي، مع الشروط ذاتها للدفع على أقساط والمبلغ الأكبر بعد التسليم وتأكيد على أنه هبة دون حقوق للشخص.

توكيل فلسطيني محامين يهوداً

تحت عنوان "وكالة دورية غير قابلة للعزل"، أي لا يمكن إبطالها، يوصي أحد الفلسطينيين، (تم التحفظ على اسمه)، شركة Lowell Investment Ltd، المسجلة بـ Turks & Caicos Islands وهي المستفيد كما يشير التوكيل، بحقوق إيجار طويل الأمد خاصة بقطعة وجزء في حوض يحوي بداخله بيتاً مكوناً من طابقين.

ووفقا للاتفاقية التي اطلع عليها "العربي الجديد"، أكد الفلسطيني أن كلاًّ من ديفيد بيري و/أو أساف نفتسال و/أو المحامي إيتان جيفع، مجتمعين أو كلاًّ على حدة، موكلون للعمل باسمه أو مكانه بخصوص العقار، في كل إجراء يحق ويملك صلاحية القيام به، وتتضمن الوكالة 19 بنداً لهذه الأعمال.

وتنص أبرز بنود الوكالة على بنود "يقوم بعمل وينفذ كل اتفاق برمته أو سأبرمه مع المستفيد بخصوص العقار، واستلام العقار ونقله إلى آخر ويمثلني قضائيا أمام جميع الهيئات والمحاكم، وإعطاء رخصة أو عمل أي ترتيب آخر لكل حقوقي أو كل واحدة من حقوقي في العقار، وأن ينقل لآخر هذا التوكيل بأكمله أو جزء منه"

يطرح آخر البنود تساؤلاً، حول أي اتفاق سيبرمه الموكل إليه، وهل تعد هذه الوكالة إذناً بالبيع بالنيابة عن الفلسطيني، صاحب العقار المذكور، كما يقول المحامي، محمد دحلة، المتابع لملف تسريب الأملاك الفلسطينية إلى المستوطنين.

اقرأ أيضا: "العربي الجديد" يجيب عن سؤال: من قتل الرضيع الدوابشة؟

سر "إلعاد" و"عطيرت كوهنيم"

يؤكد المحامي محمد دحلة على زيادة بيع الأملاك العربية، بشكل مطّرد، إلى المستوطينين، قائلا "زادت عمليات البيع في بلدة سلوان مقارنة بالماضي، إذ كانت عملية التسريب تتم مرة كل سنتين أو ثلاث سنوات، عبر استخدام جمعيتي إلعاد وعطيرت كوهنيم الاستيطانيتين والنشيطتين في مهمة شراء البيوت الفلسطينية، أسماء وشركات مسجلة خارج البلاد أو جمعيات مسجلة خارج أو داخل إسرائيل كاسم للشراء، أحيانا تكون بأسماء الجمعيتين وأخرى باسم شركات تملكانها مثل Lowell Investment وBlake Enterprise وKandell Finance Ltd".

تتركز مثل هذه الاتفاقيات في بلدة سلوان والبلدة القديمة في القدس المحتلة، وتبدأ الحكاية حين يعرض الفلسطيني بيته للبيع بمبالغ عالية، على سبيل المثال، عقار يقدر بـ 200 ألف دولار، يطرحه صاحبه للبيع بمبلغ نصف مليون دولار، هنا تلتقط الجمعيتان طرف الخيط، كما يقول مدير مركز معلومات وادي حلوة، جواد صيام، مضيفا:"لو كانت الزيادة 20 أو 50 ألف دولار تعتبر مقبولة، لكن هذه أسعار مستوطنين، ليست أسعار عادية يمكن للفلسطينيين القبول بها".

يوضح مدير مركز المعلومات أن البيع في هذه الحالات يتم، ولا يعلن أحدٌ مَن الشاري، مبيناً أن 22 عقاراً بيعت للمستوطنين في سلوان، بهذه الطريقة، وتتركز البؤر الاستيطانية الجديدة الـ 22 في مناطق وادي حلوة وبطن الهوا ورأس العمود وحي الفاروق وفقا لصيام. وتابع صيام :"أي شخص يأتي لشراء عقار في سلوان فهو مشكوك فيه، لأن أية منطقة في القدس أحسن من سلوان للسكن".

دور بلدية الاحتلال

يوضح هايل صندوقة، المختص بالاستيطان في البلدة القديمة، أن البيع والشراء في البلدة ابتدأ بذريعة كون مبانيها آيلة للسقوط مما شكل طريقا مفتوحا للمستوطنين، كما يقول في تصريحات خاصة، لـ"العربي الجديد"، متابعاً: "البلدية كانت تدعو الناس للخروج من البيوت، وتمنعهم من السكنى فيها وترميمها، ويأتي رئيس جمعية عطيروت كوهنيم ويسأل عن أصحاب هذه البيوت التالفة والمغلقة ويحاول شراءها. وفعلا اشترى عدداً من البيوت بهذه الطريقة".

ونوه صندوقة بأنه بعد شراء البيوت يسكنها المستوطنون ويتم ترميمها، ويتم السكن فيها، على الرغم من إجبار الفلسطينيين على إخلائها لكونها آيلة للسقوط، ويقدر صندوقة عدد العقارات التي تم التعامل معها بذات الطريقة، بـ 10 عقارات يضاف إليها عدد آخر من العقارات، التي تم بيع حقوق التصرف أو الحماية فيها للمستأجر الفلسطيني في الأملاك اليهودية قبل عام 1948، والتي صنفت تحت "حارس أملاك العدو" خلال فترة الحكم الأردني، (أملاك انتقلت ملكيتها بعد النكبة إلى "حارس أملاك العدو" التابع للحكومة الأردنية). وتتركز العقارات المبيعة في عقبة الخالدية ومعظم طريق الواد وحارة النصارى وحارة السعدية وساحة عمر بن الخطاب في باب الخليل.

وأشار المختص بالاستيطان في البلدة القديمة إلى وجود استيطان في كل أحيائها، لأن المنظور الصهيوني يقضي بتفريغ البلدة القديمة من سكانها العرب على أساس أنها عاصمتهم إلى الأبد وفق ادعائهم".

اقرأ أيضا: بالفيديو.. مفاعل ديمونا.. تسرُّب إشعاعي يقتل أهل الخليل

دور السماسرة

بحسب إحصاءات دائرة الخرائط ونظم المعلومات الجغرافية، التابعة لجمعية الدراسات العربية، فإن عدد العقارات التي تم الاستيلاء عليها في البلدة القديمة تصنف إلى (6 عقارات استيلاء أمني، عقار واحد تم الاستيلاء عليه بحجه أنه من ضمن أملاك غائبين، و42 عقاراً بموجب "حارس أملاك العدو"، وتمت مصادرة عقارين، و15 عقاراً لأسباب أخرى).

يلعب السماسرة دورا خطيرا في تسريب العقار إلى المستوطنين، كما يقول هايل صندوقة، موضحا أن إحدى الحالات جاءت فيها سمسارة، ادعت أنها أم أيتام تريد شراء دار ترممها، تسكن الأيتام فيها، وبالفعل نجحت في الاستيلاء على عقار، ونقلت ملكيته إلى المستوطنين. في حالة أخرى تم إعطاء قرض لفلسطيني يريد ترميم بيته، عقب التوقيع من أجل القرض تبين أنه بيع وشراء، في استغلال لحاجة الناس للترميم المكلف في البلدة القديمة.

المستأجر المحمي

يعتبر المستوطنون الاستيلاء على العقارات العربية "عملاً وطنياً وجهداً جماعياً"، كما يقول المحامي مهند جبارة، المتابع لقضايا الاستيلاء على الأملاك العربية في القدس، مضيفا :"المستوطنون يوفرون، من أجل تحقيق مبتغاهم في الحصول على العقار، شبكة مكونة من محامين، ورجال أعمال وأصحاب أموال وبنوك وسماسرة ومهندسين ومساحين ومخمنين يساعدون قطعان المستوطنين على السيطرة على العقارات الفلسطينية".

تعمل الشبكة السابقة، بعدما يقع اختيار المستوطنين على عقار معين، على فحص كل شيء مرتبط بالعقار، من تسجيل الطابو والأرنونا (ضريبة السكن)، ومن يقطن العقار وفق ما يقوله المحامي جبارة، الذي أضاف متابعا:" هم على استعداد لتشغيل محقق خاص يفحص كل مَن يدخل ومَن يخرج مِنَ العقار في جميع الفترات، من أجل تحقيق هدفهم، خاصة إذا كان العقار يسكنه ما يسمى بالمستأجر المحمي، أي أن المالك لا يكون هو المتصرف الوحيد بوجود مستأجر محمي يقطن فيه قبل عام 1967 ويدفع مبلغَ إيجار بسيطاً لا يمكن إخراجه، بموجب القانون".
يشكل المستأجر المحمي عقبة أمام حصول المستوطنين على البيت، وهو ما يدفع المالك الجديد إلى الذهاب للمحكمة الإسرائيلية، وطلب إخلاء البيت عبر ادعاء أن المستأجر ترك البيت ولديه آخر خارج القدس، وهو ما يجعل المستأجر يفقد الحماية التي يتمتع بها وفقا لقانون المستأجر المحمي لوجود بيت آخر لديه. ويؤكد جبارة: "إن المستوطنين مستعدون أن ينتظروا حتى 10 أعوام، لبحث كيفية إخلاء المستأجر المحمي وجعله غير محمي، أو إثبات أنه غير محمي بالأساس أو إثبات أمور أخرى، لتحقيق هدفهم".

يتفق الخبير في الاستيطان والخرائط، خليل التفكجي، مع الرأي السابق، قائلاً: "الاحتلال يسعى في سباق مع الزمن إلى الاستيلاء على البيوت، أو حتى إلى شرائها في البلدة القديمة وسلوان بالتحديد"، قائلا: "إسرائيل تريد ألا تدفع ثمناً مقابل البلدة القديمة أو سلوان فيما بعد، وتكون قد حسمت هاتين المنطقتين بالسيطرة عليهما وفرض الأمر الواقع، كونهما جزءاً مما يسمى بالحوض المقدس ومدينة داوود".

اقرأ أيضا: "العربي الجديد" يكشف..آلة ابتزاز الفلسطينيين في جيش الاحتلال الإسرائيلي

تغلغل مستوطنين عبر مشاكل عائلية

عبر استغلال ثغرات مثل عدم تسجيل العقارات بشكل دقيق في الطابو، وخاصة أن الكثير من العقارات في سلوان والبلدة القديمة ليست مسجلة في الطابو، يتمكن المستوطنون من تحقيق هدفهم، كما يقول المحامي جبارة، موضحا أن الأمر لا يقتصرعلى محاولات استغلال الثغرات القانونية فقط، بل يتجاوزه إلى استغلال التفكك الأسري وحالات اجتماعية مثل خلاف بين زوج وزوجته أو محاكم طلاق للاستيلاء على العقار، إذ يعمد المستوطنون إلى استغلال معلومات من مؤسسة التأمين الوطني والوضع الاجتماعي أو الاقتصادي، للنفاذ إلى داخل هذه الملكيات ومن ثم السيطرة عليها.

يضرب المحامي أمثلة لمستأجرين فقدوا الحماية وتم الاستيلاء على ممتلكاتهم من قبل المستوطنين، قائلا "زوجة اختلفت مع زوجها وقدمت شكوى ضده لدى الشرطة الإسرائيلية، وتم اخلاؤه من البيت فترة طويلة، واستناداً لهذه المعلومات فقد حمايته. وآخر قطع عنه التأمين الوطني وقصدوا المحكمة وجلبوا معلومات أن سبب قطع التأمين عنه امتلاكه بيتاً آخر خارج القدس المحتلة".

ويعقب المحامي جبارة: "أشياء لا يتخيلها عقل، مثل هذه الثغرات، التي يستغلها المستوطنون ويدخلون إلى كل الجهات الرسمية وغيرالرسمية ويجلبون معلومات يستغلونها لصالحهم من أجل إخلاء الفلسطينيين". ويتابع: "الأمر بالغ الخطورة، إذ إنهم داخل بيوتنا عبر هذه الثغرات العائلية والاجتماعية والاقتصادية الحساسة".

الترغيب والترهيب

يؤكد المحامي دحلة أن المستوطنين لديهم لغة وتعامل سلسان، يستخدمانهما في الاستيلاء على الأملاك العربية، على عكس صورة "الوحوش" التي نراها في التلفاز، إذ إنهم عندما يدخلون سلوان لا يتعاملون بهذه الطريقة كما يقول، متابعا: "فجأة يصبحون جيدين، خاصة النشيطين مثل جمعية إلعاد، إذ يعملون على مهل وصبر وهم مستعدون للبذخ في إنفاق النقود على قدر ما يستلزمه الأمر، ويمكن أن يصبروا على من يريد البيع حتى مماته، حتى ينفذوا الصفقة ويحصلوا على البيت".

من خلال التعامل مع هذه القضايا يوضح دحلة أن "المستوطنين عندما يقطنون الحي، تنشأ علاقات اجتماعية بينهم وبين الأهالي، حتى أن هناك من يذهب لتهنئتهم بالعيد، ويجلبون الهدايا لجيرانهم، ويبنون علاقات ثقة معهم لدرجة تشعر الناس أن المستوطن ليس بعبعاً، وأنهم أفضل من الجيران العرب، أو حتى من الأخوة، وتبني العلاقات درجة درجة لتتحول من صداقة إلى تجنيد أناس للعمل معهم".
ويشير دحلة إلى حيلة البيع غير المباشرة من فلسطيني إلى فلسطيني ثم عبر السماسرة يتم تمليك البيت إلى المستوطنين قائلا: "فهم المستوطنون النفسية الفلسطينية في أن بعض الأشخاص يريدون البيع لكن يصيبهم الخجل، فيجلبون شخصاً ملتحياً متديناً وشخصاً ناصعاً، لاستخدامه في التبرير لعملية البيع وبالفعل تم هذا أكثر من مرة".

وأكد دحلة أنه خلال تعامله مع هذه القضايا لم يرَ مبالغ مغرية، قائلا: "ما يدفعه المستوطن في العقار هو ضعف ثمن السوق فقط، ولا يوجد عقار دفعوا فيه 10 أضعاف أو 100 ضعف".

ولفت إلى أن المستوطنين يستغلون المشاكل الاجتماعية أو حتى قد يقومون بخلقها داخل العائلات، من أجل تحقيق هدفهم، كما أنهم يوفرون في بعض الأحيان وظائف عمل أو يهددون أشخاصاً بالفصل من العمل، في حال لم يتعاونوا معهم أو عمدوا إلى كشف مخططاتهم".
يضيف المحامي دحلة قائلا: "لا شك في أن هناك من يبيع جهاراً نهارا، إذ يتم إغراقه بالديون، وهؤلاء يقتربون منه ويقدمون له نقوداً كقروض، ثم يقولون له أصبحت مديوناً لنا كيف ستسدد؟ ويدعونه لرهن البيت بطرق مختلفة ليخنقوه بالبيع"، وهذه طريقة صارت مكررة.

اقرأ أيضا: الحرب على سيناء (3/3)..معاناة تجمع "سيدة السفوح" المصريّة والفلسطينيّة

غياب الردع

تتفاوت ردة فعل العائلات الفلسطينية حيال من يبيع ويفرط في أملاكه بالقدس المحتلة، منهم من تبرأ وآخرون قاطعوا أقاربهم أو لجأوا إلى المحاكم لاستعادة البيت، وآخرون لم يتخذوا موقفاً، لكن اللافت أن من يبيعون اليوم، يقيمون في القدس أو في مدن الضفة، في وقت كان قديماً يقال "باع وهرب إلى أميركا"، ما أدى إلى هذه الزيادة الملحوظة في عمليات تسريب البيوت إلى المستوطنين الصهاينة، كما وثقت "العربي الجديد".

يعزو أمين سر حركة فتح في القدس، عدنان غيث، تزايد تسريب البيوت بقوله: "بالتأكيد عدم الردع ومحاسبة الأشخاص الذين يقومون بتسريب عقاراتهم شجع الكثيرين من ضعاف النفوس على أن يسربوا عقاراتهم لاحقا، بل وتعدى ذلك إلى حماية السماسرة ومسربي العقارات، إذ إن مجرد مضايقة أحد مسربي العقارات، أو الحديث عنه عبر وسائل إعلامية، يعرضك للاعتقال أو المداهمة أو الضرب أو العنف أو الملاحقة من قبل مؤسسات الأمن الإسرائيلية المختلفة".
يتابع غيث، الذي تعرض هو الآخر لتهديدات من هذا النوع: "تحدثت عن اتفاقيات اطلعنا عليها بأسماء أشخاص سربت عقارات في القدس، هذه الناس بكل وقاحة حتى اللحظة تمارس أساليب تهديد ضد شخصي وضد أشخاص شاركوا بفضحهم كونهم يسرّبون عقارات للإسرائيليين، لا أحد يستطيع إيقافهم".

بعد استيلاء المستوطنين مؤخراً على 23 شقة في سلوان، جرت عدة محاولات من القوى الوطنية والفلسطينية لوضع خطة لتحجيم من يسربون البيوت لهم، بدءاً من مقاطعة أي شخص يقوم بتسريب عقاره اجتماعيا على كافة الصعد، وجرى حديث عن فكرة الحجز على أملاك وعقارات في الضفة الغربية تعود لبعض المسربين، والتي في إثرها أصدر الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2014، قراراً بتشديد العقوبة على كل من قام بتسريب أو تأجير أو بيع الأراضي لدولة معادية أو أحد رعاياها، بحيث وصلت العقوبة إلى الأشغال الشاقة المؤبدة، إذ تم تعديل قانون العقوبات الأردني النافذ في مناطق الضفة.

يقول عدنان غيث: "لا يوجد قانون يمكن من خلاله اعتقال شخص قام بتسريب عقار في القدس، وتشديد العقوبة في القانون إلى الأشغال الشاقة المؤبدة يشكل فقط نوعاً من التهديد، لأن مواطني القدس يحملون الهوية الإسرائيلية، مع الإشارة إلى أن المتورطين من القدس والداخل الفلسطيني والضفة وليس من القدس فقط".

وختم غيث حديثه: " الشعب الفلسطيني شعب مناضل ومُضحٍّ. لو خرجت مجموعة أشخاص ضعاف نفوس باعوا أرضهم وعرضهم للاحتلال، فليس معناه أنهم يمثلون الشعب الفلسطيني. هؤلاء لا يمثلون إلا أنفسهم".

بسبب ما تم في حي سلوان أواخر عام 2014، والتي تعد عملية الاستيلاء الأكبر على العقارات الفلسطينية، سلّم الرئيس الفلسطيني لائحة بأسماء 30 متورطاً في تسريب العقارات، وأصدر أمراً للأجهزة الأمنية بالتحقيق، وتشكلت لجنة وفق ما توفر من معلومات. سعت محررة التحقيق إلى التواصل مع مستشار ديوان الرئاسة لشؤون القدس، أحمد الرويضي، أكثر من مرة، من أجل الاستفسار عمّا تم في الأمر، وفي النهاية تلقت وعدا منه بالاتصال، لكن لم يحدث الأمر، وهو ما تكرر مع المحافظ ووزير شؤون القدس، عدنان الحسيني.

-------
اقرأ أيضا:
كاميرات المراقبة.. أجهزة مموهة ترصدُ المقاومين في الضفة الغربية

دلالات