العمليات الفدائية في الهبة الفلسطينية: فشل التنسيق الأمني

العمليات الفدائية في الهبة الفلسطينية: فشل التنسيق الأمني

18 فبراير 2016
تزايد العمليات يعكس الفشل الاستخباراتي للاحتلال (عباس موماني/فرانس برس)
+ الخط -

تنتظر عائلتا الشهيدين عمر محمد عمر ومنصور الشوامرة، أي خبر عن موعد محتمل لتسليم جثماني ولديهما، اللذين نفذا عملية فدائية بالقرب من باب العامود في مدينة القدس المحتلة في الرابع عشر من الشهر الجاري. ومثل من سبقهم من ذوي منفّذي عمليات فدائية ثنائية أو ثلاثية، باتت هذه العائلات تعيش تفاصيل مشتركة للمطالبة بالجثامين أو الترتيب لدفنها، بعدما قرر أولادهم مسبقاً الذهاب إلى مصير مشترك.

اقرأ أيضاً: تصاريح العمل.. ورقة الاحتلال لكبح الهبّة الشعبية في فلسطين

تعتبر عملية عمر والشوامرة هي الفدائية السادسة عشرة التي تم تنفيذها أو محاولة تنفيذها ضد جنود الاحتلال الإسرائيلي، منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2015، دون حساب عملية "بيت فوريك" شمال الضفة الغربية، وهي عملية جماعية منظمة أدت إلى مقتل مستوطنين، لتندلع بعدها هبة غاضبة انعكست في العمل الفدائي في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة.

تعتبر مصادر أمنية فلسطينية اشترطت عدم ذكر اسمها أن "تزايد العمليات الجماعية ثنائية أو جماعية، تعكس مقدار الفشل الاستخباراتي سواء لدى الفلسطينيين عبر التنسيق الأمني أو الاحتلال الإسرائيلي على مستوياته الاستخباراتية والأمنية".

وترى أوساط من المحللين السياسيين أن الهبة الفلسطينية تشهد تغيرات بطيئة، لكنها ثابتة من العمليات الفردية غير المدروسة، إلى عمليات جماعية تحقق أهدافها وتؤلم الاحتلال على أكثر من صعيد.

وتكمن خطورة هذه العمليات ليس في ما تحققه من أهداف من قتل وإصابة إسرائيليين في العمق الإسرائيلي وعلى الحواجز فحسب، بل في تجاوزها الحسابات الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية؛ إذ إن غالبية من يحاول أو ينفذ هذه العمليات الفدائية هم شبان تجاوزوا مرحلة الطفولة، ولديهم قرار مسبق بالاشتباك حتى الشهادة، وليس لديهم تجارب اعتقال سابقة تبقيهم في دائرة الرصد والمتابعة الأمنية سواء لدى الفلسطينيين أو الإسرائيليين، فضلاً عن أنهم عكسوا قدرة كبيرة على تنظيم أنفسهم بأنفسهم دون أي غطاء أو ظهر تنظيمي، واستطاعوا تجنب كل الفخاخ الأمنية المتوقعة في الطريق إلى مكان تنفيذ عملياتهم الفدائية.

وعادة ما تترك هذه العمليات عشرات الأسئلة المفتوحة للمستويات الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية، خصوصاً بعدما استنفدت الأولى جميع أدواتها في منع هذه العمليات، إذ عمدت إلى تعميم جدول حضور وغياب حازم في المدارس الفلسطينية يصل إلى المكاتب الرئيسية في مديريات الوزارة على أمل أن تعرف من تغيب من الأولاد والبنات عن صفه بعد نحو ساعة من بدء الدوام المدرسي، فضلاً عن استنفار العمل الأمني لإحباط أي عملية قبل أن تحدث.

وعما إن كانت هذه العمليات الجماعية، الثنائية أو الثلاثية، باتت تشكل ظاهرة في الهبة الحالية، يرى الكاتب والمختص بالشأن الإسرائيلي عادل شديد أن "هذه العمليات يمكن اعتبارها ظاهرة، وهي نتيجة تطور طبيعي، من الانتقال من العمل الفردي إلى العمل التنظيمي".

ويتابع: "تعكس هذه العمليات حالة تطور من العمل الفردي في ظل غياب المجموعات التنظيمية الرسمية، بحيث تتشكل هذه المجموعات حالياً من أصدقاء، وأقارب وجيران ينفذون هذه العمليات، دون خلفية تنظيمية، وهي تعبير عن يأسهم من انخراط التنظيمات في المقاومة بشكل رسمي وتنظيمي". ويقول: "ربما لديهم رؤية أن العمل الفردي يمكن أن لا يكون الأنجع، لذلك يبادرون إلى هذه العمليات".

ويرى شديد أن "التطور في هذه العمليات من العمل الفردي (نحو الجماعي) سينقلها إلى العمل التنظيمي، بحيث يبلور خلايا أكثر تنظيماً ومهنية من مجموعات شبابية، تجمعهم علاقة ما، وهذا وضع طبيعي يعكس تطور الهبة في ظل غياب التنظيمات الفلسطينية".

ويؤكد شديد مدى انزعاج وارتباك الاحتلال أمام العمليات الجماعية، قائلاً: "هناك انزعاج كبير لدى الاحتلال حيال هذه العمليات، لأن الإسرائيلي في البداية حاول أن يبرر موضوع إخفاقه وفشله منذ بداية الهبة بأنها عمل فردي ولا يمكن التنبؤ بها، لكنه الآن أمام اثنين وثلاثة أشخاص يستخدمون وسائل لوجستية مثل السيارة والهواتف، ما يعني اعترافاً إسرائيلياً بفشله أمنياً بمعرفتها قبل حدوثها، فضلاً عن فشل عسكري في منع حصولها، مثل ما حدث في عملية شبان قباطية الثلاث".

وأوضح أن "عملية شبان قباطية جسدت الفشل الاستخباري والعسكري؛ فشل استخباري لأن الذريعة بأنه عمل فردي لا تستطيع الاستخبارات التنبؤ به، لم تعد مجدية، بما أن وصول ثلاثة شبان إلى القدس المحتلة من مدينة جنين يتطلب عدة ساعات. وفشل عسكري، لأن الاحتلال فشل في منع  وصول الشبان الثلاثة إلى القدس رغم تعقيدات الحواجز وكان معهم أسلحة وسكاكين، وبالتالي الفشل مزدوج أمني استخباري وعسكري".

من جهته، يعتبر مدير مركز القدس لدراسات الشأن الفلسطيني والإسرائيلي علاء الريماوي، أن عملية "بيت فوريك" التي نفذتها خلية من حركة حماس وأدت إلى مقتل مستوطنين مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، باتت عامل إلهام قوي للكثير من الشبان، وتحفزهم على القيام بالعمليات. 

وتعتبر عملية "بيت فوريك" عملية تنظيمية من الطراز الأول، إذ نفّذها خمسة من عناصر "حماس" وكادت أن تنجح لولا إصابة أحدهم بيده، ما استدعى دخوله إلى مستشفى فلسطيني لتلقي العلاج، وهناك انكشف أمرهم وتم اعتقال الخلية بالكامل، ورغم ذلك لم تعلن "حماس" مسؤوليتها عن العملية التي فجرت الهبة الحالية.

وتلا عملية خلية "بيت فوريك" عملية مزدوجة نوعية، نفذها الشهيد بهاء عليان برفقة الأسير بلال غانم، بحيث قاما بمهاجمة حافلة إسرائيلية في عملية إطلاق نار وطعن في القدس المحتلة بتاريخ 12 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تلتها عملية طعن مزدوجة نفذها الشهيدان بشار وحسام الجعبري قرب مستوطنة في الخليل، لتتوالى بعدها العمليات. 

ويرى الريماوي، الذي يرصد مركزه الأحداث اليومية ويعدّ أوراقاً بحثية متخصصة، أن "نقاش المقاومة أصبح دائرة حديث يومي وحقيقي بين الشبان الفلسطينيين".

وبحسب الريماوي، فإن "هناك أثراً نفسياً لهذه العمليات يدركه منفّذوها، مفاده أن تأثير العمليات الجماعية على الاحتلال أكبر من حيث الخسائر أولاً، والحرب النفسية ثانياً".

ويرجح الريماوي أن "يتصاعد هذا النوع من العمليات الجماعية في المستقبل، لأن التعاطي الفلسطيني معها كبير جداً، ويعززها على مختلف المستويات الاجتماعية والإعلامية"، لافتاً إلى أن "العمليات الجماعية تمتاز بالإسناد النفسي، وكسر حاجز الخوف، ورغم أنه لم يصل إلى التنفيذ بحرفية عالية إلا أن لها أثراً كبيراً في إيلام الاحتلال".

المساهمون