هل يتكرّس التوتر التركي الغربي بانضمام أنقرة لمجموعة شنغهاي؟

هل يتكرّس التوتر التركي الغربي بانضمام أنقرة لمجموعة شنغهاي؟

24 نوفمبر 2016
أردوغان: الاتحاد الأوروبي يتلاعب بتركيا منذ 53 عاماً(بيرك أوركان/الأناضول)
+ الخط -
في ما يبدو لعباً تركياً على التوازنات الدولية، وفي مواجهة الضغوط الأوروبية والتخاذل الأميركي في دعم عملية "درع الفرات" في شمال سورية، لوح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بإمكانية انضمام أنقرة إلى النادي الروسي الصيني ممثلاً بمجموعة شنغهاي. وأكد أردوغان، خلال إجابته على أسئلة الصحافيين أثناء عودته من الزيارة التي قام بها إلى أوزبكستان، العضو في مجموعة شنغهاي، على إمكانية انضمام تركيا إلى هذه المجموعة، في إطار ردها على مماطلة الاتحاد الأوروبي في ملف انضمام أنقرة إليه، وذلك بعد أيام من اتهامه للغرب، في زيارة لباكستان، بدعم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

وقال أردوغان، الذي كان برفقة كل من وزير الخارجية مولود جاووش أوغلو، ورئيس الأركان الجنرال خلوصي أكار، ورئيس الاستخبارات حاقان فيدان، إنه "لمَ لا يكون لتركيا مكان في مجموعة شنغهاي الخماسية للتعاون؟ وقلت ذلك لكل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الكازاخستاني، نور سلطان نزارباييف، وكذلك لباقي أعضاء المجموعة". وأضاف أنه إذا "اتخذت تركيا لها مكاناً في صفوف خماسية شنغهاي، ستكون قادرة على الحركة بسهولة أكبر"، مشيراً إلى أن "الاتحاد الأوروبي لا يزال يتلاعب بتركيا منذ 53 عاماً"، وتساءل: "هل يمكن أن نقبل هذا الشيء؟".

وفيما أكد أردوغان أن بوتين أبلغه بأن موسكو ستقيّم الأمر، أبدى كل من الجانب الروسي والصيني انفتاحاً كبيراً على انضمام تركيا لمجموعة شنغهاي. وقال عضو لجنة الدفاع في مجلس الدوما الروسي، ألكسي بوشكوف، في تغريدة على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "إن الانضمام إلى مجموعة شنغهاي سيكون بالنسبة لأردوغان خطوة منطقية، إن مجموعة شنغهاي مختلفة عن الاتحاد الأوروبي، ولا تحل محلها، ولكن بخلاف الاتحاد الأوروبي فإن أعضاء منظمة شنغهاي يتمتعون بسيادة كاملة".

من جانبه، أكد المتحدث باسم الخارجية الصينية، جينع شوانغ، يوم الاثنين، أن بلاده تتعامل مع "رغبة تركيا بتعميق علاقاتها مع منظمة شنغهاي بأهمية كبيرة". وتأتي هذه التصريحات في الوقت الذي تعاني فيه العلاقة بين أنقرة والغرب توتراً كبيراً، على عدة مستويات. وتبدي أنقرة انزعاجها من واشنطن التي ترفض، من جهة، تقديم الدعم اللازم لعملية "درع الفرات"، من أجل المساعدة على تقدم قوات المعارضة السورية المدعومة من قبل الجيش التركي في معاركها ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في ريف حلب الشرقي وحول مدينة الباب، وتقوم الولايات المتحدة من جهة ثانية، بتقديم دعم كبير لقوات الاتحاد الديمقراطي التي تتقدم على حساب "داعش" في ريف الرقة الشمالي.

وتركيا غير مرتاحة للتعاطي مع الاتحاد الأوروبي عموماً، وبالذات مع ألمانيا. وأسباب التوتر ناتجة عن عدة مواقف، في مقدمها الانتقادات الألمانية للإجراءات الحكومية التركية بحق نواب حزب الشعوب الديمقراطي (الجناح السياسي للعمال الكردستاني)، وأيضاً في ما يخص حرية الصحافة والتعامل مع أعضاء حركة "الخدمة" التركية، المتهمة بإدارة المحاولة الانقلابية الفاشلة في منتصف يوليو/ تموز الماضي. والخلاف مستمر بشأن تنفيذ اتفاقية إعادة اللاجئين الموقعة بين الجانبين وسط مماطلة أوروبية في رفع تأشيرة الدخول عن المواطنين الأتراك الراغبين في دخول فضاء "شينغن". والاستياء التركي ناجم أيضاً عن عدم إيفاء الاتحاد الأوروبي بتعهداته بتقديم ستة مليارات دولار، كمساعدات للاجئين السوريين في تركيا على مدار العام الحالي والمقبل. وتفاقم الوضع أخيراً، مع إقرار الأمين العام لحلف الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، بقيام عدد من الضباط الأتراك من الموالين لحركة الخدمة، ممن كانوا يخدمون في المؤسسات التابعة للحلف في أوروبا، بتقديم طلبات لجوء في تلك الدول بدل العودة إلى تركيا. وأدى ذلك إلى أزمة تركية - أطلسية، يحاول ستولتنبرغ حلها في إطار زيارته إلى أنقرة للمشاركة في اجتماعات الجمعية البرلمانية للحلف في إسطنبول.


وتأسست منظمة شنغهاي للتعاون عام 2001، لتعزيز التعاون السياسي والعسكري والاقتصادي بين الدول الخمس التي وقعت على اتفاقية شنغهاي للتعاون عام 1996، وهي الصين وروسيا وكازاخستان وقرقيزستان وطاجيكستان. ثم انضمت إليها أوزبكستان، لتوافق المجموعة في وقت لاحق من العام الماضي، على منح كل من الهند وباكستان صفة العضوية الكاملة فيها. ومن المنتظر أن تتم هذه العملية في اجتماع المنظمة المقبل في العاصمة الكازاخستانية، أستانة، عام 2017. في المقابل، يبقى الطلب الإيراني بالانضمام معلقاً، بعدما تم رفضه عام 2008 بسبب العقوبات الأممية التي كانت مفروضة عليها بسبب برنامجها النووي.

وتعتبر هذه المنظمة نادياً روسياً صينياً، نشأ على أن يكون تجمعاً لمواجهة المحاولات الغربية، وبالذات محاولة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، محاصرة روسيا عبر التغلغل في دول الاتحاد السوفييتي السابق ووسط آسيا. والهدف من تشكيلها يتمثل أيضاً بضمان حل النزاعات الحدودية التي ظهرت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ومواجهة الحركات الانفصالية. وتشكل مساحة الدول الأعضاء في المنظمة حوالي 60 بالمائة من مساحات القارة الآسيوية. ورفضت المنظمة طلباً أميركياً سابقاً بالحصول على صفة مراقب، فيما تعتبر تركيا الدولة الوحيدة العضو في الحلف الأطلسي، والحاصلة على صفة شريك محاور للمنظمة منذ عام 2012.

ومن المثير للانتباه هو قيام عدد من الدول في المنظمة بطرد جميع القوات العسكرية الأميركية التي كانت تمتلك قواعد عسكرية في أراضيها. وقامت أوزبكستان بتوجيه تحذير للقوات الأميركية بإخلاء قاعدة كراشي كاناباد الأوزبكية، التي كان يستخدمها سلاح الجو الأميركي لدعم العمليات ضد تنظيم القاعدة وحركة طالبان في أفغانستان في يوليو/ تموز 2005. وتم إخلاؤها في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام ذاته. وكذلك قام البرلمان القرغيزي في فبراير/ شباط 2009 بالتصويت لصالح طرد القوات الأميركية الموجودة في قاعدة ماناس، بسبب الخلاف على قيمة إيجار القاعدة، لتقوم واشنطن بإخلاء القاعدة في يوليو/ تموز 2014.

وبحسب مراقبين، يعتبر تلويح أردوغان بإمكانية انضمام أنقرة لمنظمة شنغهاي أمراً غير واقعي، بسبب التشابك الكبير في المصالح بين تركيا والغرب على جميع المستويات، سواء العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية. ويضيف المراقبون أن موقفه ليس إلا محاولة لزيادة الضغوط على الغرب للتعاون مع تركيا في عدد من القضايا الخلافية. وفي مقدمة هذه القضايا توسيع اتفاقية الاتحاد الجمركي بين تركيا والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى القضايا السياسية. في المقابل، أبدت أنقرة تعاوناً كبيراً في ما يخص حل القضية القبرصية في المفاوضات الجارية في جنيف السويسرية بين القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين. وتعتبر القضية القبرصية واحدة من أكبر العوائق في وجه ملف انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي.

لكن من جانب آخر، يشير مراقبون إلى أن التلويح بالانضمام إلى منظمة شنغهاي يعتبر إشارة واضحة إلى مدى التوتر بين تركيا والغرب، وبالذات ألمانيا، ومدى فقدان الاتحاد الأوروبي لنفوذه السياسي في أنقرة. في هذا الصدد، يشير رئيس تحرير جريدة "حرييت" المعارضة، مراد يتكين، في مقال له بعنوان "أوروبا تفقد قدرتها على الضغط على تركيا"، إلى خواء "الجعبة" الأوروبية من وسائل الضغط على أنقرة، لا سيما بعدما اتسمت السياسة الأوروبية خلال السنوات العشر الأخيرة، بنوع من التشدد المستمر تجاه تركيا، بحسب يتكين.

وعلى الرغم من التوتر الكبير في العلاقات التركية الأوروبية، إلا أن الجانبين لا يزالان يصران على استمرار الحوار بينهما، الأمر الذي بدا واضحاً خلال زيارة وزير الخارجية الألماني، فرانك شتاينماير، أخيراً، إلى أنقرة. وتصريحات مقررة تركيا في البرلمان الأوروبي، كاتي بيري، تصب في الاتجاه نفسه، إذ أكدت على ضرورة استمرار فتح الأبواب في وجه أنقرة، على الرغم من رفض الأخيرة استقبالها ضمن وفد برلماني أوروبي، كان يعتزم إجراء زيارة إلى العاصمة التركية، ما دفع الاتحاد إلى إلغاء الزيارة برمتها.

ويحمّل رئيس المؤسسة التركية الأوروبية للتعليم والدراسات العلمية، الخبير في العلاقات التركية الألمانية، فاروق شن، في تصريحات أدلى بها إلى صحيفة "حرييت" التركية المعارضة، الأخطاء التركية والإعلام الألماني، مسؤولية تدهور العلاقات بين الجانبين. ويقول شن: "الساسة يأخذون مواقفهم من الإعلام، وفجأة أصبحت تركيا تتخذ شكل العدو في الصحافة الألمانية، ما أضطر الساسة إلى مهاجمتها كي يظهروا في الصحافة، حتى أن تركيا أصبحت بنظر الكثير من الألمان، عدواً، وحل الرئيس أردوغان مكان الرئيس بوتين". ويضيف شن إن في ألمانيا "دولة عميقة وقوية للغاية، قادرة على التأثير على الصحافة، ولديها الآن موقفاً سلبياً من تركيا، وتظن بأن الديمقراطية تم تجميدها في تركيا، كما أن هذه الدولة العميقة غير مرتاحة لوجود 3.2 ملايين تركي في ألمانيا، وتنطلق من قناعة مفادها أنه لم يعد هناك حاجة إلى تركيا بسبب التقارب مع إيران، وترى إيران الآن كشريك استراتيجي في المنطقة"، بحسب شن.

في غضون ذلك، يسعى الأمين العام لحلف شمال الأطلسي لتهدئة العلاقات مع أنقرة، حيث التقى أردوغان، بعد لقاء جمعه مع وزير الدفاع التركي، فكري إشك. وبحسب التسريبات في الإعلام التركي، أكد الوزير التركي لستولتنبرغ، رفض بلاده الشديد لقيام دول الاتحاد الأوروبي بتقديم رد إيجابي لطلبات اللجوء التي تقدم بها ضباط أتراك من الموالين لحركة الخدمة ممن كانوا يخدمون في القواعد التابعة للحلف في أوروبا، وعبّر ستولتنبرغ عن تفهّمه للحساسيات التركية في هذا الشأن.

المساهمون