حملة إسرائيلية للتأثير على توجهات الأميركيين من أصول لاتينية

وتسود قناعة في دوائر صنع القرار والسلك الدبلوماسي الإسرائيلي بأن دولة الاحتلال مطالبة بالعمل بوتيرة عالية جداً للتأثير على توجهات الأقليات العرقية الأخرى، التي سيكون لها دور حاسم في تحديد هوية صناع القرار التنفيذي والتشريعي في واشنطن. وتحرص تل أبيب بشكل خاص على التأثير على توجهات الأميركيين من أصول لاتينية بسبب ثقلهم الديموغرافي المتعاظم وبسبب اتجاهات التصويت لديهم. وهم يميلون للتصويت لصالح الحزب الديمقراطي. ونقلت الإذاعة العبرية أخيراً عن مصادر في ديوان رئاسة الوزراء ووزارة الخارجية في تل أبيب قولها إن إسرائيل تعمل حالياً على تقليص فرص تبني أكبر قطاعات من الأوساط الأميركية ذات الأصول اللاتينية مواقف المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز، والتي يُنظر إليها في تل أبيب على أنها المواقف الأكثر "تطرفاً" التي تبناها مرشح رئاسة في الولايات المتحدة من إسرائيل والقضايا المتعلقة بها.

" أنشطة إسرائيلية للتأثير على توجهات الأميركيين من أصول لاتينية "

وقد أقر قنصل إسرائيل الجديد في نيويورك، داني ديان، بأن أهم هدف يسعى لتحقيقه على نطاق عمله العام يتمثل بالتأثير على توجهات الأميركيين من أصول لاتينية ومحاولة دفعهم لتأييد مواقف إسرائيل. وفي مقابلة أجرتها معه قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية يوم الجمعة الماضي، قال ديان، الذي سبق أن شغل منصب مدير عام مجلس المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية: "أشعر أنني خلقت من أجل هذا الهدف، هذه مهمة وطنية من الطراز الأول وتخدم أمننا القومي بشكل مباشر. ذوو الأصول اللاتينية سيتحولون إلى أكبر أقلية عرقية في الولايات المتحدة بحلول العام 2060 ويتوجب علينا العمل من الآن قبل أن يكون الأمر متأخراً".

ورأى ديان، الذي رفضت الحكومة البرازيلية اعتماده سفيراً لديها بسبب منصبه السابق كمسؤول عن إدارة المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية، أن إتقانه اللغة الإسبانية يسهل عليه أداء عمله. وقد عرضت القناة الإسرائيلية مشاهد يظهر فيها ديان وهو ينظم ندوات ويعقد لقاءات مع ممثلي الأميركيين من أصول لاتينية. ومن بين الأنشطة التي يعكف عليها الدبلوماسي الإسرائيلي تنظيم لقاءات بين هؤلاء ووزراء وكبار موظفين من إسرائيل. وعرضت القناة للقاء نظمه ديان في شقته في نيويورك وجمع وزيرة العدل المتطرفة، إياليت شاكيد، مع مجموعة من الأميركيين من أصول لاتينية.

ويتضح أن ما يدفع إسرائيل للعمل من أجل التأثير على توجهات هذه الفئة من الأميركيين هو ميل هؤلاء للانخراط في دوائر وجماعات للتأثير على دائرة صنع القرار في واشنطن. فضلاً عن ذلك، هم يشكلون نسبة معتبرة من الأوساط القضائية والإعلامية والاقتصادية في الولايات المتحدة، ناهيك عن الوتيرة العالية لتعاظم ثقلهم الديموغرافي.

" دوائر يهودية أميركية تخشى فقدان الأميركيين البيض تفوقهم الديموغرافي "

وقد سبق لدوائر يهودية أميركية أن حذرت من فقدان الأميركيين البيض تفوقهم الديموغرافي. ونقلت صحيفة "هآرتس" أخيراً عن قيادات أميركية يهودية قولها إن البيض الذين شكلوا 80 بالمائة من الأميركيين عام 1980، باتوا حالياً يشكلون 60 بالمائة، في حين أن الدراسات التي تجرى في الولايات المتحدة تشير إلى أن نسبتهم ستصل إلى 44 بالمائة بحلول عام 2060. وحسب هذه القيادات فإن تعاظم ثقل العرقيات الأخرى انعكس بوضوح على الكثير من القرارات التي أصدرتها المحاكم الأميركية، والتي تتعارض مع التوجهات المحافظة بشكل عام لليهود البيض، مثل قرار المحكمة العليا بإجازة زواج المثليين. وحسب هذه القيادات، فإن ما يزيد الأمور تعقيداً هو أن بعض الدراسات التي يتم إعدادها في الولايات المتحدة تظهر أن المزيد من الأميركيين باتوا يجاهرون بأنهم لا ينتمون إلى دين. وتعتبر هذه القيادات أن هذا المعطى خطير، على اعتبار أنه في النهاية سيعمل على تآكل ثقل الأميركيين الأنغليكانيين، الذين يعدون الأكثر حماساً لدعم إسرائيل.

يشار إلى أن وكيلة وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية، سيما فاكنين جيل، كشفت خلال إفادة قدمتها الشهر الماضي أمام "لجنة مراقب الدولة" في برلمان دولة الاحتلال، عن أن أنشطة حركة المقاطعة الدولية لإسرائيل (BDS) نجحت في إحداث تراجع كبير لعلاقات إسرائيل مع المسيحيين الأنغليكانيين. وفي سياق آخر، حذرت بعض الدوائر الإسرائيلية من أن اتفاق المساعدات العسكرية الذي توصلت إليه تل أبيب وواشنطن للعقد المقبل، سيفضي إلى تآكل قوة منظمة "أيباك" بوصفها أهم "لوبيات" الضغط اليهودية في الولايات المتحدة. ونقل كبير المعلقين في صحيفة "يديعوت أحرنوت"، ناحوم برنيع، يوم الجمعة الماضي عن هذه الدوائر قولها إن 50 بالمائة من أعضاء "أيباك" يعملون من أجل تأمين المساعدات الأميركية لإسرائيل، الأمر الذي يعني أن التوصل لاتفاق المساعدات بين الحكومتين في واشنطن وتل أبيب سيبقي نصف أعضاء هذه المنظمة في بيوتهم.