نتنياهو يخترق إيطاليا بـ"الولاء المزدوج"

نتنياهو يخترق إيطاليا بـ"الولاء المزدوج"

15 اغسطس 2015
أعلنت نيرنشتاين أنها ستتخلى عن جنسيتها الإيطالية (فرانس برس)
+ الخط -

حرصت حكومات إسرائيل على مرّ السنوات على إبقاء علاقاتها المتينة مع الجاليات اليهودية في أوروبا في سياق منضبط، ما يتيح لأبناء هذه الجاليات التعاطف والتماثل الكلي مع الحكومة الإسرائيلية ومع سياساتها. كذلك سعت حكومات الاحتلال إلى عدم تركيز الأضواء على هذه العلاقة أو توفير فرصة للطعن في "ولاء" يهود أوروبا لبلدانهم التي يعيشون فيها، مع تشجيعهم على الانخراط في الحياة السياسية لهذه البلدان ضمن مختلف الأحزاب بيمينها ويسارها، والتأثير من داخل هذه الأحزاب لصالح إسرائيل ولصالح اتخاذ مواقف مؤيدة لها، أو مدافعة عنها.

لكن رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خرج عن هذه القاعدة على مدار سنوات حكمه، ولم يتردّد في إهمال اللباقة الدبلوماسية عند مخاطبته يهود الدول الأجنبية، واعتبارهم جزءاً من جنود إسرائيل بحسب موقعهم في البلد الذي يعيشون فيه.
اجتاز نتنياهو كل التوقعات في "نزاعه" المعلن مع الرئيس الأميركي باراك أوباما حول الاتفاق النووي مع إيران. بلغ حدّ دعوته الصريحة ليهود الولايات المتحدة بالعمل في مواقع صنع القرار والتأثير في الرأي العام الأميركي ضد مواقف الرئيس أوباما، وهو ما أثار مخاوف أوساط يهودية أميركية من تداعيات ذلك، خصوصاً إذا ما نجح نتنياهو في مسعاه لحثّ الكونغرس الأميركي على إلغاء الاتفاق.

وعلى غرار موقفه في حشد اليهود الأميركيين ضد أوباما، اتخذ نتنياهو قبل أيام قراراً، وإن كان مغايراً، عندما أعلن عزمه تعيين النائب السابقة في البرلمان الإيطالي عن حزب اليمين بزعامة رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق سيلفيو برلسكوني، فياما نيرنشتاين سفيرة لتل أبيب في روما، بعد أقل من عامين على انتهاء مهامها عضواً في البرلمان، وأقل من شهر على ترشيح نفسها لقيادة الجالية اليهودية في روما.
أثار إعلان نتنياهو تحفظاً كبيراً في صفوف الجالية اليهودية في إيطاليا، ومخاوف هذه الجالية من استغلال هذا التعيين للطعن في ولاء اليهود في إيطاليا واتهامهم بـ"الولاء المزدوج".

وفي السياق، أفادت صحيفة "هآرتس" أنّ قرار نتنياهو جاء مفاجئاً للجالية اليهودية في إيطاليا التي تعتبر بأغلبيتها العظمى مناصرة للصهيونية ولدولة إسرائيل، وهو ما جعل الانتقادات للقرار تظل حبيسة "الغرف المغلقة"، لكن ذلك لا ينفي وجودها، خصوصاً أنّ نيرنشتاين تعتبر من أبرز المدافعين، من خلال حزب برلسكوني، عن إسرائيل. وبالتالي، فإن الانتقال السريع من منصب رفيع في حزب سياسي إيطالي إلى منصب سفيرة لإسرائيل يدعو إلى التشكيك في ولاء يهود إيطاليا.

اقرأ أيضاً: إسرائيل تحارب تحوُّل اليهود عن دينهم بربع مليار دولار

وبحسب الصحيفة، فإن الحاخام الرئيسي لروما، ريكاردو دي سيني، كان من القلة التي أبدت علناً تحفظاً على هذا التعيين وعلى الإشكاليات التي قد ترافقه، عندما صرح لوكالة الأنباء الإيطالية "أنسا"، قائلاً إنها "صحافية جيدة لكنني أخشى أن يكون لهذا التعيين تداعيات، فيكفي أن تقرأوا ما ينشر على شبكات التواصل الاجتماعي".

وبحسب مسؤولين في الجاليات اليهودية، فإن المشكلة تكمن في انتقال نيرنشتاين خلال وقت قصير، من كونها عضواً في البرلمان الإيطالي إلى المنافسة على رئاسة الجالية اليهودية، ومن ثم مهاجرة لإسرائيل وسفيرة لها في روما، معتبرين أنّه "لو تمّ اختيارها سفيرة لإسرائيل في بلد آخر لاختلف الأمر". لكن أسوأ ردود الفعل التي تعكس مخاوف يهود روما من هذا التعيين، هو إثارته مجدداً "العداء للسامية" في إيطاليا نفسها، كون نيرنشتاين شخصية مشهورة في إيطاليا كصحافية وسياسية إيطالية.

من جهتها، أشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إلى المخاوف التي يعبّر عنها يهود إيطاليا عقب هذا التعيين. واعتبرت الصحيفة أنّه "في حال التصديق على تعيين نيرنشتاين سفيرة في روما، فإن كثيرين يتساءلون عمّا إذا كانت ستمثّل يهود روما أم إسرائيل"، مشيرة إلى أن أوساط في صفوف يهود إيطاليا يتهمون نتنياهو بأنّ خطوته هذه "حوّلتنا إلى طابور خامس في دولتنا، فإذا أصبحت العضو السابق في البرلمان الإيطالي، اليهودية الهوية،  سفيرة لإسرائيل، فهذا يعني أننا سنعترف بأن كل فرد منا، هو عملياً إسرائيلي، وسيفكرون أننا نملك ولاء مزدوجاً، وهذا أمر له تداعيات كارثية".

لكن يبدو أن هذه التساؤلات لم تأخذ حيّزاً في قرار نتنياهو الذي أبدى، خلافاً لزعماء أوروبيين وآخرين، حماساً وتأييداً لبرلسكوني، عندما كان رئيساً للحكومة على الرغم من الفضائح التي رافقته. كذلك سعى إلى تعزيز العلاقات مع حزب برلسكوني وتعزيز العلاقات الإيطالية الإسرائيلية. وسبق لنتنياهو أن أثار إشكالية وسخطاً في صفوف يهود فرنسا، بعدما حاول توظيف الاعتداء على صحيفة تشارلي إيبدو والمتجر اليهودي في باريس، في يناير/كانون الثاني الحالي، مناشداً يهود فرنسا إلى الهجرة إلى إسرائيل وحشدهم ضد الحكومة الفرنسية. وهو ما سبّب أزمة في العلاقات مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، بعدما اعتبر قصر الإليزيه تصريحات نتنياهو تدخّلاً ومسّاً بالسيادة الفرنسية وسيادة الحكومة الفرنسية على مواطنيها اليهود.

اقرأ أيضاً الإيطالية اليسارية موغيريني: سيدة أوروبا الأولى حليفة للعرب!

المساهمون