الإيطالية اليسارية موغيريني: سيدة أوروبا الأولى حليفة للعرب!

الإيطالية اليسارية موغيريني: سيدة أوروبا الأولى حليفة للعرب!

21 سبتمبر 2014
يتخوّف بعضهم من أن تحابي موغيريني روسيا (دورسون أيديمير/الأناضول/Getty)
+ الخط -
كأنّ لمسؤولة السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، الإيطالية الشقراء فيديريكا موغيريني (41 عاماً)، مواعيد سعيدة مع القَدَر، بعد سنوات من تمحور خياراتها الدراسية حول العالمين العربي والإسلامي. ويُنتظر منها الكثير بدءاً من الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، تاريخ تسلّمها مهامها الأوروبية رسمياً من السلف، كاثرين أشتون.

ظهر على موغيريني معالم النبوغ المبكر بعد سنوات دراسة متعبة، كرّستها في حضورها لقاء عن تمازج الحضارة الغربية ـ الإسلامية في جامعة "إيكس أن بروفانس" الفرنسية، وإنجازها بحثاً عن العلاقات بين الدين والسياسة في البلدان الإسلامية.

وبسبب ذلك لم تتوقف مسيرتها السياسية التصاعدية، وانضوت في حزب "الديمقراطيين" الإيطالي وبحكومة ماتيو رينزي، الذي أعاد روح الشباب إلى الحزب والحكومة، فمنحها وزارة الخارجية الإيطالية، ثم فرضها فرضاً وزيرةً لخارجية الاتحاد الأوروبي.


تعترف موغيريني بأن مهمتها ستكون صعبة بعد خلافتها أشتون بشبه إجماع (امتنعت ليتوانيا عن التصويت، واتهمت الوزيرة الايطالية صراحة بأنها موالية لروسيا). لن تكون مهمة موغيريني صعبة في أوروبا فقط، لأن القارة العجوز لم تتمكن حتى الآن، بعد عقود من الاتحاد، من الاتفاق على سياسة خارجية موحّدة.

فقد كشفت قضايا عدة، عن الانقسامات الحادة بين الدول الأوروبية، وأبرزها في التعامل مع القضية الفلسطينية والربيع العربي والتدخّل الروسي في أوكرانيا، كما عُرف عن موغيريني ميلها الخاص لروسيا، يصل إلى درجة العشق، وهو ما جعل دولاً من شرق أوروبا تعارض ترشيحها، كي لا تتمكن موسكو من الشعور بالاطمئنان.

ومع أن بعض المعارضين لتولّي موغيريني منصبها، يعتبر أن سنّها سيقف عائقاً أمام التحدّيات التي تواجه أوروبا، غير أن السيدة الشقراء يمكن أن تتجاوز نقص خبرتها الأوروبية، عبر إتقانها اللغات الإنكليزية والفرنسية والإسبانية. كما أن هزالة "منجزات" أشتون دفع كثر إلى القول بأن موغيريني لن تفعل أسوأ مما فعلته أشتون.

ويُعرف عن موغيريني انفتاحها في مسارها الدراسي على العالمين العربي والإسلامي، من خلال ارتيادها "معهد الأبحاث والدراسات حول العالم العربي" في مدينة إيكس في الجنوب الفرنسي، حيث أنجزت بحثا مُكرّساً للروابط ما بين الدين والسياسة في البلدان الإسلامية.

وقد منحها هذا المنصب دور الشخصية الثالثة أوروبياً، بعد رئيس المفوضية اللوكسمبورغي جان كلود يونكر، ورئيس المجلس البولندي دونالد توسك، وكلاهما من اليمين، في حين أن موغيريني تأتي من وسط اليسار، وهو ما اعتُبر نوعاً من التراضي بين مكوّنات البرلمان الأوروبي.

وانحازت موغيريني إلى اليسار، بعد مرور خاطف في سنّ الثالثة عشرة، بحركة "الشبيبة" الشيوعية، قبل أن تلتحق بـ"ديمقراطيي اليسار"، الذي تحوّل فيما بعد إلى الحزب "الديمقراطي". وقد استفادت أيضاً من حملة رينزي لإعادة الشباب إلى الحياة السياسية الإيطالية، بعد عشرين سنة من سيطرة رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني عليها، فعهد إليها، بشكل فاجأ الجميع، وزارة الشؤون الخارجية، خلفا لسياسية عرّيقة ومقتدرة وهي إيمّا بونينو. 

ولم يكن رينزي وحده من دعم موغيريني، فالرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أيّدها أيضاً.

وعلى الرغم من المدة القصيرة في الخارجية الإيطالية (بدأت مهمتها في فبراير/شباط الماضي) فإن جولات موغيريني الخارجية تنوّعت بين فلسطين ومصر إلى الأردن وأوكرانيا وروسيا.

وليس سرّاً أن معارضة البعض، وخصوصاً دول شرق أوروبا، لترشيحها بسبب ما يُقال عن ميلها الروسي، ليس سوى امتعاض من التعاون الاقتصادي الوثيق والقديم بين روسيا وإيطاليا، الشريك الاقتصادي الأوروبي الثاني لروسيا بعد ألمانيا.

تُدرك موغيريني أن مهمتها الأوروبية تختلف عن الإيطالية، كما أن عليها وضع ميولها اليسارية جانباً، فلم تتورّع عن اتهام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالمسؤولية عن العقوبات الغربية التي تتعرض لها روسيا، مؤكدة، في رسالة طمأنة لأوكرانيا وحلفائها، على أن السؤال الذي يراودها فيما يخص القضية الأوكرانية هو: كيف يمكن مساعدة أوكرانيا، اليوم؟

وتعرف موغيريني في نهاية الأمر، أن الدول الأعضاء هي التي تمتلك الكلمة الفصل في المواقف السياسية الحاسمة التي يتوجب اتخاذها.

ومع أن بعض الفرنسيين يجهلون دور نوابهم الأوروبيين، غير أن إيطاليا، اليسارية واليمينية، احتفلت بوصول ابنتها إلى هذا المنصب الرفيع، في صورة "قومية" بحتة، غلبت الأبعاد العقائدية التي بُنيت عليها أوروبا الواحدة أساساً.

وقد قورن تعيينها في هذا المنصب، كما تذكر صحيفة "لاريبوبليكا" بـ"انتصار رياضي، لأن الأمر يشبه تسجيل هدف في مباراة كرة القدم تقريباً، ثم تتصدّر الصورة الصفحات الأولى من الصحف الإيطالية". ويشي هذا الأمر بعودة الاهتمام بجدوى الاتحاد الأوروبي إيطالياً.

وبالنسبة إلى العرب، فإن تاريخ موغيريني الدراسي، يمنح صورة متقدمة لها، تجعلها أكثر قابلية لفهم العرب والمسلمين، ليس فقط بسبب بحثها المنجز عن العالم العربي والإسلامي، بل لأن رصيد إيطاليا جيّدٌ في قلوب العرب والمسلمين، ربما بسبب ضعف حضورها الكولونيالي في العالم العربي، إذا استثنينا ليبيا. ولا يزال العرب والفلسطينيون يتذكرون بفخر شديد، كيف أهدى الإيطاليون كأس العالم لكرة القدم، التي فازوا بها، في عام 1982 للمقاومة اللبنانية والفلسطينية، أثناء حصار العدو الإسرائيلي العاصمة اللبنانية بيروت.

المساهمون