الجمهورية التونسية في عيدها: تحدّيات ومصاعب

الجمهورية التونسية في عيدها: تحدّيات ومصاعب

25 يوليو 2015
ظروف صعبة تُحيط بتونس وتتهددها (Getty)
+ الخط -

تحتفل تونس اليوم السبت بعيد الجمهورية الـ57، وسط محاولات النواب التونسيين الانتهاء من مناقشة قانون "مكافحة الإرهاب" وغسيل الأموال في هذا اليوم بالذات، لبثّ رسالة بأن الجمهورية قادرة على الصمود أمام كل الظروف الصعبة التي تحيط بها وتتهددها، وأبرزها "المجموعات الإرهابية" التي تسعى إلى إرباك المسار وضرب الديمقراطية الناشئة واستهداف النجاح بعد الربيع العربي.

ويتوافق عيد الجمهورية أيضاً مع ذكرى أليمة غيّرت المشهد السياسي في تونس، وهي اغتيال النائب محمد البراهمي منذ سنتين، والذي أدى إلى إسقاط حكومة الترويكا ثم الحوار الوطني وصولاً إلى الانتخابات.

ويدرك التونسيون جيداً قبل غيرهم، أن المستهدف الأساسي من عمليات إرباكهم، هو نموذج عيشهم الذي تميّز دائماً بالانفتاح على الثقافات والشعوب الأخرى منذ قرون، ولكنه يستهدف أيضاً ما نجحت الجمهورية الأولى في بدايتها في إرسائه، كإعلاء شأن المرأة ونشر التعليم في كل المناطق وإرساء نظام حداثي كان بإمكانه أن يتطور إلى ديمقراطية بسرعة أكبر، لولا اصطدامه بالنزعة الفردية للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، والديكتاتورية للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

ولئن كان الأول حاملاً لمشروع مجتمعي نجح في التأسيس له وبناء أسسه الصلبة، على الرغم من معارضته لإرساء نظام ديمقراطي في بداية الثمانينيات، فإن الثاني جاء لينسف المشروع الديمقراطي برمته من خلال مقايضة التنمية بالحرية، وهو ما أدى إلى تهجير النخب وارتيادها المنافي وتعطيل كل نَفَس ديمقراطي معارض انتهى بثورة 17 ديسمبر/ كانون الأول (أو 14 يناير/ كانون الثاني)، وأحدثت زلزالاً في كل المنطقة العربية، وقاد إلى كتابة دستور جديد فتح أمام التونسيين فرصة تاريخية لولادة الجمهورية الثانية.

اقرأ أيضاً: قانون الإرهاب يقسم الأحزاب التونسية ويواصل معاركها السياسية

غير أن هذه الجمهورية تصطدم بجملة من المعوّقات جعلتها تقاتل من أجل فرض نموذجها العربي الفريد، ونجحت بنِسَبٍ متفاوتة وبصعوبات كبيرة في القفز فوق الصراعات الداخلية التي غذتها المشارب الأيديولوجية في بداية الثورة، ثم تحوّلت إلى صراعات سياسية حزبية فرضت نسقاً غير مألوف على التونسيين، أدى إلى ولادة ست حكومات في أربع سنوات هي عمر الثورة.

ويبقى صراع الجمهورية الأكبر اليوم يتمحور حول ثلاثة تحديات، هي مواجهة "الإرهاب" وإعادة استتباب الأمن، ورفع الرهان الاجتماعي والحدّ من حالة الفقر، واستكمال المؤسسات الدستورية بشكل يضمن إرساء النظام الديمقراطي وإبعاد شبح الاستبداد.

وعلى الرغم من التقدّم الحاصل على مستوى بناء المؤسسات الدستورية والدفاع عن مكسب الثورة الأبرز، حرية التعبير، فإن الفشل واضح في إحراز تقدّم على المستوى الاقتصادي الاجتماعي الذي أدّى إلى حالة من الاحتقان في العديد من المناطق المهمّشة التي لم تَر بعد ثمرة ثورتها التي كانت في بادئ الأمر من أجل الكرامة والخبز، بل زادت تأزّماً بسبب تراجع الإنتاج وارتفاع المديونية وغياب الاستثمارات وفرار أكثرها من تونس إلى بلدان أخرى بسبب تدهور الوضع الأمني. ويعود السبب الأساسي لذلك إلى تواتر العمليات "الإرهابية" التي أدخلت الشك في قدرة تونس على استعادة وضعها الأمني، على الرغم من نجاحات المؤسسة الأمنية في توجيه ضربات موجعة إلى المجموعات المتشددة التي يبدو أنها أصبحت تضع كل ثقلها في الآونة الأخيرة لضرب المؤسسات الاقتصادية وتدمير أهم القطاعات المثمرة، مثلما حدث في عملية سوسة التي قضت على الموسم السياحي.

غير أن اللافت هو أن الجمهورية الديمقراطية الوليدة ما تزال تقاتل من أجل خيارها الذي فرضه شبابها منذ 14 يناير، وتلقفته نخبها على الرغم من الصراعات السياسية البارزة والخلافات الكبيرة التي ميّزت بعض مراحلها، والمخاوف من الارتداد والوقوع في حالة الهلع السياسي الأمني، بما يمكن أن يؤدي في نظر بعضهم إلى مقايضة الأمن بالحرية من جديد.

لكن الملاذ الآمن الذي منع كل سقوط ممكن إلى حد الآن، يتمثّل في مجتمع مدني قوي يبدو أنه مصرّ على استكمال مساره الذي تحدد منذ أربع سنوات، على الرغم من الوضع الإقليمي المتدهور الذي جعل المخاطر تحيط بالتجربة من كل الجهات، وغياب الوعي الداخلي أحياناً بترتيب الأولويات وتقديم الأهم على المهم.

اقرأ أيضاً: إحباط عمليات مسلّحة تستهدف مقرات أمنية في تونس

المساهمون