مصر: "حرب الإمدادات" تحاصر أهالي سيناء

مصر: "حرب الإمدادات" تحاصر أهالي سيناء

16 مايو 2015
الحصار يترافق مع استمرار الانتهاكات بحق الأهالي(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
يدخل تصعيد النظام المصري ضد أهالي سيناء مرحلة جديدة أكثر خطورة تستهدف هذه المرة خنق الأهالي وتجويعهم، بعد سلسلة إجراءات بدأها الجيش منذ ثلاثة أيام في مدينتي الشيخ زويد ورفح، بذريعة "منع تهريب المستلزمات المعيشية الضرورية إلى العناصر المسلحة التابعة لتنظيم ولاية سيناء"، حسب تصريح مدير التموين في شمال سيناء إلى إحدى الصحف.


الحصار يخنق الأهالي

وتشمل الإجراءات، التي أصابت الشيخ زويد ورفح بشلل شبه تام حسب وصف بعض سكانها، منع دخول كافة حافلات نقل البضائع والوقود إلى رفح والشيخ زويد. وكذلك منع سيارات نقل الأدوية، والتدقيق في شخصيات من يدخلون إلى رفح من غير سكانها.
وفي السياق، حظر الجيش السيارات من العبور إلى مدينتي الشيخ زويد ورفح، من كمين الريسة بشرق العريش وكمين جرادة بمنطقة السكاسكة، وتم احتجاز أكثر من 200 سيارة تحمل البضائع والأدوية بداخل الكتيبة 101 التابعة للجيش المصري بمدينة العريش.
وصاحَب هذه الإجراءات حملة أمنية موسعة تم خلالها مداهمة وتفتيش منازل مواطنين من أصحاب المحال التجارية، وتحرير محاضر مخالفات تموينية لمن يحتفظون بكمية من البضائع، إضافة إلى مطاردة الباعة الجائلين، واعتقال جميع السائقين الذين يحملون البضائع.

ويبلغ عدد سكان رفح والشيخ زويد وقراهما أكثر من 120 ألف نسمة يعانون من حصار خانق عليهم، في ظل انقطاع الكهرباء والمياه ونقص حاد في الأدوية والمستلزمات المعيشية، والخضروات والفاكهة، فيما تم تهجير أكثر من 25 ألف مواطن، الأغلبية منهم يعيشون الآن في العراء نتيجة استمرار الحملات الأمنية على القرى الجنوبية والشرقية لمدن رفح والشيخ زويد.

اقرأ أيضاً خارطة الدم والثأر في سيناء: قصة القبائل والترانسفير و"الجهادية"


شهادات السكان في المدينتين لـ"العربي الجديد" تروي جزءاً من حجم المعاناة اليومية. يقول أحد شيوخ عائلات سيناء إن "الجيش بدأ في اعتماد استراتيجية جديدة في التضييق على الأهالي، من خلال منع وصول أي مواد غذائية أو أدوية إليهم، عن طريق احتجاز السيارات التي تنقل البضائع ومنعها من الوصول إلى المدينتين المشار إليهما، بدعوى وقف الإمداد للمجموعات المسلحة، وتحديدا تنظيم ولاية سيناء".
أما فاطمة سليمان، وهي سيدة بدوية تجاوزت الخمسين من عمرها، فتشرح ما تواجهه بالقول "لليوم الثاني وأنا أبحث عن دواء القلب الخاص بزوجي المسنّ ولم أجده في صيدليات مدينتي رفح والشيخ زويد، فنحن نعيش في حصار خانق، إذ بعد منع الدواء عنّا، والمأكل والكهرباء، أصبحت الحياة لا قيمة لها".

من جهته، يشكو أبو محمد إبراهيم، من أبناء مدينة الشيخ زويد، من هذا الحصار، قائلاً لـ"العربي الجديد" "نعاني بشدة من الحصار الأمني المكثف المفروض على مدننا وقرانا منذ فترة. من يتخيل أنه حتى سيارات تحمل الخضرة والفواكه يتم منعها من الوصول إلى الأسواق الشعبية". ويضيف إبراهيم "كان اعتمادنا خلال الأيام الماضية على ما تم تخزينه في المحلات. ومع بدء نفاد البضائع بدأنا في الشكوى للمسؤولين الشعبيين والتنفيذيين، ودائماً ما يجيبون بأن هذا الحصار لأسباب أمنية من أجل منع تهريب البضائع إلى العناصر التكفيرية". وتساءل "كيف سنحصل على حاجاتنا من مؤن الحياة؟".
بدوره، يروي خليل موسى، وهو أحد السائقين الذين تم احتجازهم بداخل الكتيبة 101 بالعريش، ما يتعرض له السائقون قائلاً "كنت أسير بسيارتي وأحمل بضاعة بقالة وهي عبارة عن سكر وشاي ودقيق، فاستوقفني أحد الضباط قائلاً: أعطني رخصة السيارة وانزل منها. وتم اعتقالي على الفور بدون سبب، وذهبت إلى الكتيبة 101 بالعريش لأرى أكثر من 100 سائق من حاملي البضائع يجري التحقيق معهم". ويختم موسى حديثه بالقول "هم يريدون أن يقتلوا ما تبقّى من أهالي الشيخ زويد ورفح".
أما إسماعيل سليم، وهو صاحب أحد المحال بمدينة رفح، فيشير إلى أن "المدينة تعاني منذ ثلاثة أيام من نقص حاد في مستلزمات المأكل، ونعتمد الآن على المخزون الاحتياطي، لكن حين نفاده سنتعرض إلى مجاعة".
ويعتبر الناشط السيناوي، أبو أحمد الرفحاوي، أن "قوات الجيش تتعمّد حصار المدن الآن بسبب فشلها الأمني والعسكري في سيناء، وتحمّل المدنيين هذه السياسة الفاشلة".
ويوضح الرفحاوي أن "الجيش يرتكب مجازر ويقطع الكهرباء والمياه والمواد البترولية وغاز الطهو منذ أشهر عديدة، والآن أُضيفت جريمة أخرى في حق المدنيين بقطعه للبضائع ومستلزمات المعيشة، في ظل صمت دولي وعربي على ما نتعرض له، ففي خلال أيام ستتعرض المدينتان لمجاعة محققة".

تجويع الجيش

وجاءت استراتيجية الجيش الجديدة في محاولة لحصار "ولاية سيناء"، رداً على تكتيك جديد اتبعه التنظيم على مدار الشهرين الماضيين بشكل مكثف، تمثل في استهداف إمدادات الجيش من مياه ومواد غذائية وغيرها.
وقالت مصادر أمنية في سيناء، فضلت عدم الكشف عن اسمها، إن هذه الحملة "تستهدف إعادة الانضباط في المنطقة"، مشيرةً إلى أنه "تم ضبط عدد من المستودعات في القرى الجنوبية لرفح والشيخ زويد كان المسلحون يستخدمونها لتخزين الأكل ومستلزمات معيشية، ومنها السولار والبنزين". كما تحدثت عن "التحفظ على 200 من سيارات نقل البضائع وهي الآن داخل الكتيبة 101 بالعريش، ويجري الآن التحقيق مع 40 شخصاً من السائقين للاشتباه في علاقتهم بعمليات تهريب البضائع إلى المسلحين." على حد قول المصدر.

وتفيد مصادر من شبه الجزيرة لـ"العربي الجديد" بأن التكتيك الجديد المعتمد من قبل التنظيم الذي بايع "الدولة الإسلامية"، يقوم على استهداف خطوط إمدادات الجيش من الغذاء والمياه بشكل دقيق ومنظم، التي عادة تنقل من خلال أهالي سيناء بشكل تجاري، بموازاة تجديد التنظيم التركيز على هدف تحريض المواطنين ضد القوات المسلحة، من خلال تهديد "المتعاونين بأي شكل من الأشكال" بالقتل، مع الجيش والشرطة.
ويسير التكتيكان الجديدان بشكل متوازٍ، إذ إن قطع الإمدادات الغذائية عن الجيش في سيناء يمرّ عبر تهديد المدنيين من مغبّة إيصال المؤن إلى القوات المسلحة. وهو ما أوضحه بيان صادر قبل أيام عن "الولاية"، نصّ حرفياً على أن "أبناءكم من ولاية سيناء، يجددون وعيدهم وتحذيرهم لكل من يُقْدِم على مساعدة الجيش والشرطة بأي شكل من الأشكال، من إمداد بالماء أو الغذاء أو المواد البترولية أو البنائية أو مساعدته لحمل حجر للبناء، أو يساعده بكلمة أو رأي أو مشورة تضر بالمسلمين عموماً والمجاهدين خصوصاً".

تحذيرات من نتائج عكسية

ويعتبر مراقبون أن محاولات الجيش الجديدة لمحاصرة "ولاية سيناء"، لن تجدي نفعاً معه، لأن لديه قدرة على قراءة المشهد جيداً، ورسم خطط بديلة للتعامل مع الدعم اللوجستي له، فضلاً عن اعتماده على طرق خاصة.
كما أن استراتيجية الجيش الجديدة، وفقاً لباحث في شؤون الجماعات المسلحة، "تصبّ في صالح التنظيم المسلح وتعمل عكس الاتجاه الذي يريده الجيش في التضييق على التنظيم"، محذراً من أن "فرض طوق على الأهالي ومحاربتهم في أرزاقهم، أكبر دعم مجاني يقدمه الجيش لـولاية سيناء". كذلك فإن هذه الاستراتيجية تساهم في إضعاف الجهود التي يبذلها مؤيدون له من قبائل سيناء، في محاولة استمالة القبائل وشيوخها في دعم الجيش في معركته مع "ولاية سيناء".
وعلى مدار ما يزيد عن أسبوعين تقريباً، بدأت بعض الشخصيات المحسوبة على الجيش التحرك في محاولة الحشد ضد التنظيم المسلح، الذي نفذ في آخر ستة أشهر نحو 72 إلى 76 عملية ضد الجيش والشرطة.

وبدا للبعض من "المتعاونين" مع الجيش في سيناء، أنّ أحد أهم مداخل حل الأزمة، يكمن بمساعدة القبائل في الحرب على التنظيم المسلح، كأحد أشكال العمليات على المسلحين.
لكن الدعوات الهادفة إلى مواجهة القبائل للتنظيم المسلح لم يكن لها صدى داخل سيناء، وتحديداً في الشيخ زويد ورفح. وتعزو مصادر قبلية في سيناء سبب عدم استجابة أي من القبائل إلى عدم جدية هذه الدعوات، فضلاً عن أن أصحاب فكرة مواجهة التنظيم المسلح ليسوا مقيمين في سيناء. كما ترى مصادر من سيناء، أن التضييق على الحياة العامة في سيناء، والانتهاكات بحق المدنيين التي يقوم بها الجيش والشرطة، هي أبرز معوقات عدم دعم القبائل للجيش في المواجهات مع "ولاية سيناء".
وتشير المصادر لـ"العربي الجديد"، إلى وجود حالة غضب داخل المجتمع السيناوي من التضييق على حياة الناس ومحاربة أرزاقهم، متسائلة "هل ما يقوم به الجيش هو عقاب للناس والقبائل على عدم دعم الجيش وإجبارهم على تقديم معلومات عن التنظيم المسلح؟".

اقرأ أيضاً فشل الزجّ بقبائل سيناء: إخفاق وخطورة استيراد تجربة الصحوات

المساهمون