تفريغ سيناء: منطقة عازلة تهجّر الأهالي

تفريغ سيناء: منطقة عازلة تهجّر الأهالي

03 ابريل 2015
التهجير بدأ فعلياً في منطقة الشيخ زويد (فرانس برس)
+ الخط -

تدخل خطة إقامة المنطقة العازلة في شبه جزيرة سيناء المصرية، حيّز التنفيذ الفعلي بوتيرة متصاعدة وسريعة، سواء بالمزيد من توسيع المنطقة المحاذية للحدود مع قطاع غزة الفلسطيني، أو بقرارات جمهورية مصرية ترسّخ التنفيذ بغطاء قانوني في ظل غياب السلطة التشريعية في مصر، وحصرها بيد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.

ويرى خبير استراتيجي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "النتيجة الحتمية لتنفيذ المنطقة العازلة، هي تهجير سكان سيناء من أرضهم، والمزيد من الضغط على محافظات الوادي المكتظة أصلاً، والتي يختنق بعضها بسكانها"، مشيراً إلى أمرٍ يراه أكثر خطورة من ذلك، إذ "في المديين المتوسط والبعيد، يمكن أن تكون سيناء مجرد صحراء قاحلة، وأرض فارغة تغري الطامعين".

وكانت الجريدة الرسمية قد نشرت قراراً جمهورياً للسيسي، رقم 444 للعام 2014، بشأن تحديد المناطق المتاخمة لحدود جمهورية مصر العربية، بعد أخذ رأي مجلس الدفاع الوطني، وبناءً على ما عرضه وزير الدفاع والإنتاج الحربي الفريق أول صدقي صبحي. ونصت المادة الأولى من القرار على العمل به لتأمين المناطق المتاخمة للحدود الغربية والجنوبية والشرقية لجمهورية مصر العربية، والمحددة على خريطة مقياس رسمها 1.2000000.

بعد ذلك، حدد القرار المناطق المتاخمة للحدود الشرقية وذكر أنه "بالنسبة للمنطقة المتاخمة للحدود الشرقية، المحددة من العلامة الدولية رقم (1) حتى طابا بعمق 5 كيلومترات من الحدود السياسية الشرقية، فيكون الحد الشمالي للمنطقة الممنوعة الأولى من ساحل البحر المتوسط من العلامة الدولية رقم (1) حتى أبو شنار ولمسافة 5 كيلومترات غرباً، والجنوبي من العلامة الدولية رقم (6) أتلة الطايرة حتى جوز أبو رعد ولمسافة 5 كيلومترات غرباً، والشرقي من خط الحدود الدولية الشرقية من العلامة الدولية رقم (1) شمالاً وحتى العلامة الدولية رقم (6) أتلة الطايرة جنوباً، والغربي من أبوشنار حتى جوز أبو رعد جنوباً".

تحديد هذه المنطقة في القرار يُعتبر تأكيداً على قرار رئيس مجلس الوزراء الصادر برقم 1957 لسنة 2014.

وتوضح الخريطة المنطقة الممنوعة الأولى التي سوف يتم تفريغها بالكامل وعدد سكانها حوالي 75 ألف نسمة، وهي منطقة رفح وقراها بالكامل.

ويقول الخبير الاستراتيجي إن "هذا القرار كارثة جديدة، تتمثل في إنشاء منطقة عازلة جديدة من الحدود الجنوبية للمنطقة العازلة الأولى في رفح وبالعمق نفسه (5 كيلومترات)، وتمتد هذه المنطقة العازلة حتى منطقة طابا وبعمق 5 كيلومترات غرباً"، مشيراً إلى أن "النتيجة هي تهجير السكان على ساحل البحر من أبو شنار حتى الشيخ زويد، وعلى الرغم من عدم ذكر ذلك في القرار، فإنه تم توضيحها على الخرائط".

هذه المنطقة فيها كثافة سكانية كبيرة جداً، نظراً لوجود العديد من مزارع الفواكه الضخمة وكروم الزيتون، والعديد من الخضروات التي كانت تحقق اكتفاء أهالي الشيخ زويد ورفح بالخضروات والفاكهة. كما كانت تتيح فرصاً كبيرة للعمل في هذه المزارع، بما يجعلها تستقطب العديد من الأسر الفقيرة للعمل فيها.

ويقول أحد النازحين من أهالي سيناء إن "هذه المنطقة كانت مكاناً جيداً لسكان قرى جنوب الشيخ زويد ورفح في فصل الصيف بعد أن تجف مناطقهم الأصلية من الزرع وعشب الرعي الذي يعتمد في الأساس على مياه الأمطار. كما أن هذه الأماكن أصبحت في الأيام الأخيرة ملاذاً لهم هروباً من جحيم الحملات العسكرية والقصف الجوي وقلة مصادر العيش في أماكنهم الأصلية". ويلفت إلى أنه "من العائلات التي تسكن هذه المناطق: السواركة، والترابين، والارميلات، والسكادرة، وأبو درب، والعيسوي، وتُعتبر هذه المنطقة خليطاً من النسيج الاجتماعي الجيد".

اقرأ أيضاً: حرب سيناء: انتهاكات الجيش مصدر قوة "الولاية"

ويرى العديد من المتابعين وأهالي سيناء أن "زيادة مساحة المنطقة العازلة لا ترتبط بوجود أنفاق على مسافات طويلة أو قصيرة، فالأمر سياسي ومعد له مسبقاً، والدليل على ذلك أنه تسرّب إلينا منذ وقت قريب أنه سوف يتم إخلاء ساحل البحر من أبو شنار حتى الشيخ زويد بعمق 500 متر، بالإضافة إلى منطقة الماسورة التي تبعد أكثر من ألفي متر عن الحدود مع غزة، وهي نالت ما نالته في الأسابيع الأخيرة من هدم ممنهج للبيوت بحجة محاربة الإرهاب".

وتقول مصادر قبلية، لـ"العربي الجديد"، إن "الغريب في الأمر أن المداهمات الأمنية في هذه المنطقة يجب أن تجري من قِبل قوات الجيش التابعة للجيش الثاني الميداني، ولكن من قام بهدم البيوت هي قوات حرس الحدود، وتم حرق مدرسة في المنطقة في 27 فبراير/ شباط 2015".

وتضيف المصادر أنه "تتعرض المناطق العازلة الجديدة، التي حددها القرار بإخلائها أو عدم التحرك بها، لقصف يومي بطائرات من دون طيار، وهي مناطق المهدية وشبانة، ولا توجد شبكات اتصالات، ويتم شل المناطق تدريجياً وعزلها تماماً وهدم البيوت وتكثيف الحملات العسكرية عليها وتجفيف مصادر العيش والعمل، لذلك هجر الكثير بيوتهم لأماكن أكثر أماناً".

وتلفت المصادر إلى أن "أكثر الأماكن استهدافاً هي قرية التومة، جنوب الشيخ زويد، وقرية المقاطعة، جنوب الشيخ زويد، وقرية الخرافين القريبة من قرية المقاطعة. ومن التسريبات التي وردت لنا أنه سوف يتم أيضاً هدم البيوت القريبة من قسم الشيخ زويد وعلى مسافة 100 متر ليتم بدء فصل جديد من التهجير القسري".

أما الحد الشمالي للمنطقة الممنوعة الثانية، فيمتد من العلامة الدولية رقم (6) أتلة الطايرة حتى كيلومتر واحد غرباً، والجنوبي من ساحل خليج العقبة من طابا حتى كيلومتر واحد غرباً، والشرقي من خط الحدود الدولية الشرقي من العلامة الدولية رقم (6) أتلة الطايرة، حتى طابا جنوباً، والغربي من الخط الوهمي الممتد من غرب العلامة الدولية رقم (6) أتلة الطايرة بكيلومتر واحد، وجنوباً حتى غرب طابا بكيلومتر واحد.

ولا بد من الأخذ في الاعتبار واقعياً على الأرض أن لا فرق بين منطقة ممنوعة أو محظورة، فتعريف محظور هو عدم السماح ببناء مبانٍ وعدم القيام بأي أعمال زراعية وعدم توفير خدمات مياه أو كهرباء، ولا يُسمح إلا بوجود مبانٍ للقوات المسلّحة، فيمكن فهم ذلك أنه ممنوع ولكن بطريقة أخرى، لكن واقعياً على الأرض الكيلومترات الخمسة مجموع المنطقتين المحظورة الثانية والممنوعة الثانية تُعتبر منطقة عازلة جديدة.

في هذه المناطق العازلة الجديدة ستُضاف قرى جديدة لتنضم إلى المدن والقرى التي تم ترحيلها بالفعل، وهذه القرى الجديدة هي المهدية وشبانة والبرث والكنتلا والنقب والسكادرة والديابة. هذه المناطق يسكنها العديد من القبائل، منها السواركة والارميلات والترابين الحويطات والسكادرة والدروب والعيساوية وعائلات أخرى.

ونصت المادة الثانية من القرار على استثناء المنافذ الحدودية على كافة الاتجاهات الاستراتيجية، والمدن هي السلوم وسيدي براني وسيبرة وحلايب ومدينة رفح، عدا 5 كيلومترات غرب خط الحدود الدولية، والطرق وهي مرسى مطروح والسلوم مرسى مطروح، وسيوة، والواحات البحرية والشلاتين، ومنفذ حدرية وأسوان ـ وأرقين، والطريق الإسفلتي من منطقة حجر الشمس وحتى منفذ قسطل بطول 35 كيلومتراً، والطبان الخاص به بعرض 50 متراً على جانبيه وامتداد الطريق الساحلي الدولي العريش ـ رفح، حتى منفذ رفح البري بعرض 50 متراً على الجانبين المتاخمين للطريق. كما نصت المادة الثالثة على إلغاء القرار الجمهوري رقم 204 لسنة 2010 بشأن تحديد المناطق المتاخمة لمصر.

ويرى أهالي هذه المناطق أن "الهدف الأساسي من الحملة العسكرية في سيناء هو تهجير السكان في رفح وحتى عمق 5 كيلومترات على أقل تقدير وخنق المناطق المحيطة بهذه المنطقة العازلة وشلّها اقتصادياً وتمشيطها من الإسلاميين والقبائل القوية وتدميرها اقتصادياً لتصبح مدن أشباح، ونتيجة لهذا القمع والتنكيل سيضطر الكثيرون إلى الهجرة إلى باقي المحافظات الأخرى، ما يعرّض الثقافة والهوية البدوية إلى الذوبان داخل هذه المناطق، بل يرى الكثيرون أيضاً أن التفريغ والتهجير القسري سيطال ما هو أكثر من ذلك، حيث يرون أن المناطق حتى منطقة الخروبة، شرق العريش بحوالي 15 كيلومتراً والتي تبعد حوالي 35 كيلومتراً عن رفح، ومنهم من يقول حتى منطقة الريسة، شرق العريش بحوالي 5 كيلومترات وتبعد عن رفح حوالي 45 كيلومتراً".

فالمساحة الكلية المتوقعة للتفريغ عند الحدود الشرقية، من رفح شمالاً حتى العوجة جنوباً، والحد الجنوبي لها من العوجة شرقاً حتى لحفن غرباً، والحد الشمالي لها من رفح شرقاً حتى العريش غرباً، والحد الغربي لها من العريش شمالاً حتى لحفن جنوباً.

شهادات الأهالي، تؤكدها أدلة ومؤشرات واقعية على الأرض، منها أن أسلوب التهجير بدأ فعلياً في منطقة الشيخ زويد قبل رفح. وظهر ذلك أثناء الحملات العسكرية اليومية في قرى الشيخ زويد، حيث كان يجري هدم يومي للبيوت، وهناك بالفعل قرى تم تهجير نسبة كبيرة من سكانها تصل إلى 95 في المئة، مثل قرى جنوب الشيخ زويد، وهي التومة والجورة واللفيتات والظهير وأبو العراج. وجرى خنق هذه المدن اقتصادياً عن طريق إغلاق الميادين وقطع الاتصالات وتشديد الحملة الأمنية بقوة وإحراق السيارات والمواشي وتجريف كروم الزيتون. والملفت أيضاً أنه أثناء ترحيل أهالي رفح كان الضباط يقولون للأهالي لا ترحلوا إلى الشيخ زويد ولكن إلى العريش مباشرة.

كما جرى شل الحياة في قرى جنوب رفح، ودُمرت معظم بيوتها، مثل المهدية وشبانة وغيرها، وهذه القرى كانت خارج نطاق المنطقة العازلة قبل هذا القرار الأخير، وظهر جلياً أيضاً في الأيام الأخيرة استهداف هذه المناطق بشكل مركز، إذ جرى استهداف هذه المناطق بشدة بحجة القضاء على الإرهاب، وجرى هدم بيوت كثيرة بحجة أنها أوكار إرهابية. ففي 26 فبراير/ شباط 2015، هدمت آخر مدرسة في قرية المقاطعة، وفي 27 من الشهر نفسه أحرقت مدرسة في منطقة الماسورة، هذا عدا القصف الليلي المتواصل الذي لا يهدأ من قِبل الطائرات من دون طيار (الزنانة) الإسرائيلية، ما أجبر الكثير من الأهالي على ترك منازلهم، فيما يضطر من بقي منهم إلى اللجوء لمعسكرات قوات حفظ السلام ليلاً لأنها المناطق الأكثر أماناً بالنسبة لهم والتي لا يمكن استهدافها بالقصف.

ولكن خبيراً عسكرياً يقول إنه "على الرغم من الحملات الأمنية المكثفة وهدم البيوت، لم يتأثر تنظيم "ولاية سيناء" كثيراً، بل زاد قوة واحترافية، ما يثير شكوكاً حول جدوى الحرب عليه على الرغم من الإمكانيات التقنية الضخمة التي تمتلكها إسرائيل، والتي يوجد بينها وبين مصر تنسيق أمني على أعلى مستوى. والدليل على هذا أن هناك بالوناً معلقاً على الحدود بين مصر وإسرائيل يكشف مساحة كبيرة من المناطق الشرقية من سيناء ويحتوي على كاميرات مراقبة وأجهزة تنصت. كما أن طائرات استطلاع تجوب شرق سيناء ليل نهار". ويتساءل الخبير العسكري بالتالي: "ألا تستطيع إسرائيل جمع معلومات عن أماكن هذا التنظيم وتجمعاته وتركيز الضربات عليه بدل القصف العشوائي على منازل المدنيين أو على الأقل تبادل المعلومات الاستخباراتية مع مصر والإبلاغ عن أماكن تواجدهم أو تحركاتهم؟"، خصوصاً "أننا نرى على الأرض هذه الجماعات تتحرك بكل راحة في النهار بعربات الدفع الرباعي وبالأسلحة وبالرايات وتقوم بنصب كمائن ومسيرات بالرايات والأسلحة الثقيلة".