بوتين يبحث عن ثأره: ألمانيا البداية والنهاية

بوتين يبحث عن ثأره: ألمانيا البداية والنهاية

12 مايو 2014
كييف ليست القضية بل برلين (GETTY)
+ الخط -

"يوم النصر" الـ69، لم يكن تقليدياً هذا العام. رفض الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تمريره بالحدّ الأدنى من الديبلوماسية. استعرض 11 ألف جندي روسي، يتبخترون "بثقة" في الساحة الحمراء، بكامل قوتهم العسكرية. ذكّر أوروبا بـ"عدالة" الجيش السوفياتي، وتحريره القارة القديمة من النازية الألمانية. في الواقع، أصاب الرجل، فبين 75 و80 في المئة من الجيش الألماني، أيام الحرب العالمية الثانية، دُمّر على يد السوفيات، من ستالينغراد إلى برلين.

استعان بوتين بـ"النَفَس القومي" الروسي في خطابه. لم يخجل بالجنود القدامى، وهم سوفيات بطبيعة الحال، قبل أن يكونوا روساً. عرّج على التاريخ السوفياتي في موسكو، قبل أن يرفع بيرقه في شبه جزيرة القرم، في احتفال آخر. بدا بوتين واثقاً من أنه لن يتراجع أمام أي ضغط، وهو أيقن أن ردّ الفعل الغربي لن يتعدّى إطار التهديد الشفهي، حتى الآن.

في الواقع، يبدو ابن سان بطرسبرغ (لينينغراد سابقاً)، أقرب من أي وقت مضى إلى تحقيق ثأره الشخصي، الذي تركه في ألمانيا الشرقية في أواخر ثمانينات القرن الماضي، حين لم تستمع القيادة في موسكو إليه وتقمع سقوط جدار برلين، فكان أن سقط الجدار وعاد بوتين إلى دياره.

اليوم، ألمانيا مجدداً؛ البوابة التي دخلها بوتين وخرج منها، في الثمانينات، تبقى هي رأس حربة أوروبا في الصراع على أوكرانيا، والصراع معه. يعلم بوتين أن مواجهة الولايات المتحدة، بإدارتها الحالية، لن يؤدي الى أي شكل من أشكال الهزيمة، وخصوصاً أن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ليس بالمقاتل، كما سلفه جورج بوش الابن، وتكفيه همومه الاقتصادية، وفشله في الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وعدم دعمه المعارضة السورية بالكامل.

ما أظهره بوتين من عرض عسكري مثير للاهتمام في موسكو، يشبه ما فعله مؤسس النازية، أدولف هتلر، في الشكل وليس في المضمون. في الشكل، أظهر هتلر حقيقة مَن هو في أولمبياد برلين 1936، قبل اجتياح بولندا في 1939، إيذاناً ببدء الحرب العالمية الثانية.

بوتين حضر في أولمبياد سوتشي الشتوي في فبراير/ شباط الماضي، قبل اندلاع أحداث أوكرانيا. في المضمون، قاد هتلر العالم إلى حرب عالمية تحت عنوان: "ألمانيا فوق الجميع". في المضمون، يقود بوتين، بأسلوب أقرب إلى أساليب رجال عصابات صقلية، روسيا والعالم إلى معركة نفوذ قومية روسية في 2014، وأيضاً تحت شعار: "روسيا فوق الجميع".

رغم ذلك، فإن النظر إلى معيار "القومية" فحسب، لفهم العقل الروسي "المعاصر"، هو خطيئة كبرى، فروسيا لم تعد تلك الدولة التي تستثير همم أبنائها، على وقع أغنية "كاتيوشا" فقط، بقدر ما باتت دولة تعتني بالغاز، كأقوى سلاح في حروبها القومية، العسكرية والسياسية.

ما يفعله بوتين الآن، هو جرّ ألمانيا إلى موقع "ترهيبي"، فهي مَن تحتاجه فعلياً، على اعتبار أن تطويقها بالأنابيب الروسية شكّل نقاط ضعف للاقتصاد الألماني. فالمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، وإن كانت سيدة التصلّب الأوروبي، غير أنها تدرك أن أصواتاً ألمانية أخرى لا تتّفق معها. وفي السياق، ليس المستشار السابق، غيرهارد شرودر، وحده في موقع معارِض لها في هذا الشأن، فالامبراطورية الصناعية في منطقة الرور البروسية لا تتّفق معها أيضاً.

أظهرت ميركل قدرتها على مواجهة بوتين، لكنها ترغب في عنصر طاقة بديل أو أنابيب أخرى لمواصلة القتال ضد بوتين، ولا تجعل من ألمانيا أوكرانيا أخرى، بصورة اقتصادية. أما بوتين، وإن حاول التصرّف بـ"دهاء ستاليني" في الأزمة الأوكرانية، غير أنه ينتظر ألمانيا. فشخص بعقليته سيغلبه الثأر على حساب الديبلوماسية. ليست كييف هي القضية، بل برلين هي البداية والنهاية.

المساهمون