وفد رئاسي فرنسي إلى لبنان بمهمة إنقاذية–تحذيرية تخرق الجمود الحكومي

وفد رئاسي فرنسي إلى لبنان بمهمة إنقاذية – تحذيرية تخرق الجمود الحكومي

11 نوفمبر 2020
يصرّ ماكرون على الوقوف إلى جانب لبنان (حسين بيضون)
+ الخط -

تشهد السفارة الفرنسية في بيروت حركة ناشطة استعداداً لوصول المستشار في الإليزيه باتريك دوريل، الذي يلتقي يومي الخميس والجمعة المقبلَيْن القادة السياسيين، ولا سيما من اجتمع إليهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الصنوبر خلال زيارته الثانية إلى لبنان، مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، وفق ما يؤكد مصدرٌ دبلوماسي فرنسي لـ"العربي الجديد".

ويلفت المصدر نفسه إلى أنّ الهدف الأساسي لزيارة الموفد الفرنسي الرئاسي هو إعادة إحياء المبادرة الفرنسية، وتأكيد تصميم باريس على مساعدة لبنان للخروج من أزمته الاقتصادية الحادّة، والوقوف عند آخر التطوّرات على المستوى الحكومي، والعقبات التي تحول دون تأليف رئيس الوزراء المكلَّف سعد الحريري حكومته، منذ تسميته في 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مقابل توجيه جُملة رسائل من الإليزيه، واضحة وصريحة وقاسية، إلى المسؤولين تنبّههم فيها إلى خطورة استمرار النهج المعتمد من قبلهم، وذهنية المحاصصة، التي كانت السبب وراء التدهور فالانهيار، ولا تزال تدفع به إلى المجهول الخطير.

ويؤكد المصدر الدبلوماسي أنّ ماكرون يصرّ على الوقوف إلى جانب لبنان وماضٍ في مؤتمر الدعم الذي أعلن عنه مطلع سبتمبر/أيلول، لحشد أكبر قدر من المساعدات لإعادة الإعمار وإنهاض الاقتصاد اللبناني، لكنه في المقابل يكرّر في كلّ مناسبة ألا "شيك على بياض" للطبقة السياسية التي عليها قبل أي خطوة فرنسية ودولية، بدء مسار الإصلاحات الذي تعهّدت به، ملوّحاً في المقابل بعصا العقوبات.

وأكدت سفيرة فرنسا لدى لبنان آن غريو بمناسبة إحياء ذكرى نهاية الحرب العالمية الأولى في المقابر الفرنسية في بيروت، اليوم الأربعاء، وقوف بلادها إلى جانب لبنان والمشاركة في استقراره وازدهاره "هذا البلد الذي نحبه ونحترمه، وفرنسا تؤمن بلبنان سيداً، وموحّداً، ووطناً يستحقّه اللبنانيون".

وتستمرّ المراوحة في الملف الحكومي، على الرغم من اللقاءات المتكرّرة التي يجريها الرئيس المكلف سعد الحريري مع رئيس الجمهورية ميشال عون، في ظل تمسّك كل فريق سياسي بمطالبه، ولا سيما "حركة أمل" (يتزعمّها رئيس البرلمان نبيه بري)، ومعها "حزب الله"، في رفضهما وضع وزارة المال قيد التداول، وإصرارهما على إبقائها خارج المداورة في الحقائب الوزارية، مقابل تلويح "التيار الوطني الحر"، الذي وقع رئيسه النائب جبران باسيل تحت مقصلة العقوبات الأميركية، بتأخير عملية تشكيل الحكومة، من بوابة شروط وضعها على صعيد المداورة الشاملة ووحدة المعايير، ورفع سقف المطالب بذريعة عزم الحريري على تشكيل حكومة من السياسيين لا التكنوقراط المستقلّين.

وتُنتظر اليوم كلمة الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، التي سيتطرق فيها إلى آخر التطورات المحلية والخارجية، وخصوصاً الأميركية، والملف الحكومي، بالتزامن مع انتهاء الجولة الرابعة أيضاً من مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي.

في الإطار، يقول عضو "اللقاء الديمقراطي" (يتبع للحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة وليد جنبلاط)، النائب فيصل الصايغ، لـ"العربي الجديد"، إنّ مجيء الموفد الفرنسي يؤكد استمرارية المبادرة الفرنسية، والإصرار على تفعيلها، في حين ألا خيار أمام لبنان سوى المبادرة نظراً للانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي الحاصل، واستحالة الخروج منه من دون إقرار برنامج إصلاحي مع صندوق النقد الدولي، بهدف تأمين السيولة المطلوبة، وإعادة إحياء مؤتمر "سيدر"، وما يحمله معه من استثمارات ضرورية ولا سيما على صعيد البنية التحتية، لافتاً إلى أنّ شروط الإنقاذ تقوم على الإصلاحات، وباتت معروفة لناحية وقف الهدر والفساد في قطاع الكهرباء ومختلف قطاعات الدولة، واستقلالية القضاء وغير ذلك، والتي تمّهد لحشد الدعم الدولي عبر فرنسا.

ويرى الصايغ أن نبرة الوفد الفرنسي لن تكون عالية السقف، أقلّه علناً، لكن طبعاً سيتحدث بشكل صريح إلى الأفرقاء السياسيين واللبنانيين، وينطلق مما أنهاه الرئيس إيمانويل ماكرون في زيارته الأخيرة إلى لبنان، لافتاً في المقابل، إلى أنّه بعكس ما يظن البعض، هناك تكامل فرنسي أميركي، من بوابة "الأميركي يشدّ الخناق عبر العقوبات، والفرنسي يترجم الضغط في المواقف واللقاءات".

في الإطار نفسه، يشير الصايغ إلى أنّ الوفد الفرنسي قد يعيد الملف الحكومي إلى نقطة الصفر أو البداية، باعتبار أن الاستمرار في منطق المحاصصة مستحيل، وعلى القوى السياسية، إذا أرادت فعلاً المحافظة على المبادرة الفرنسية، أن تعود خطوة إلى الوراء، وتفتح المجال أمام أصحاب الكفاءة والمستقلّين.

بدوره، يلفت عضو "تكتل الجمهورية القوية" (يمثل حزب القوات برئاسة سمير جعجع في البرلمان)، النائب فادي سعد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ الفرنسيين يحاولون إحياء ما تبقّى من حظوظ المبادرة الفرنسية عبر الدفع لتشكيل الحكومة، ونأمل أن تتكلّلَ مساعي الدول الصديقة بالنجاح، مع العلم ألا أمل بالإنقاذ في ظل وجود الأكثرية الحاكمة، ويظهر ذلك، جلياً، من خلال السجالات الحاصلة، وطريقة التعاطي مع الملفات وإدارات الدولة والتوظيفات، ومع قواعدها والمجتمع الدولي.

ويشير سعد إلى أن الطبقة الحاكمة أوصلت البلاد إلى عزلة غير مباشرة، الأمر الذي يمكن لمسه من مغادرة بعض السفراء لبنان بصورة مفاجئة ولفترة من الوقت، وتخفيض عدد الدبلوماسيين، في حين أن المسؤولين غائبين عن السمع، على الرغم من خطورة المرحلة.

ويعتبر سعد أنّ المبادرة الفرنسية ليست عقداً ينتهي بمجرّد حلول الأجل، فالمهلة الفرنسية مدّدت باعتبارها تحفيزية، لحث المسؤولين على الاستفادة من فرصة الإنقاذ مقابل الإصلاحات المطلوبة منهم، مشيراً في المقابل، إلى أنّ موقف الكتلة خلال لقاء الموفد الفرنسي سيكون واضحاً كما هو علناً، بحكومة اختصاصيين مستقلة، وخطابنا واضح، ولا سيما أننا لم نسمِّ الحريري تفادياً لما وصلنا إليه اليوم، وقلنا يوم الاستشارات إن تجربة الحريري احتمال نجاحها ضئيل جدّاً.

المساهمون