هل يوجد بديل عن سياسة نتنياهو حيال القضية الفلسطينية في إسرائيل؟

هل يوجد بديل عن سياسة نتنياهو حيال القضية الفلسطينية في إسرائيل؟

31 مارس 2024
بني غانتس وجدعون ساعر (جلاء ماري/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الخلافات بين نتنياهو وغانتس تعكس توترات مع الولايات المتحدة حول الحرب على غزة، مع تباين في الرؤى بين الحليفين ودعم أمريكي لإسرائيل مع تحفظات على سياسات نتنياهو.
- زيارة غانتس لواشنطن تشير إلى تفضيل أمريكي له كبديل لنتنياهو، مما يعكس تغيرات في السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل وتوجهات جديدة تدعم مواقف غانتس.
- الإجماع السياسي في إسرائيل حول استمرار الحرب ضد غزة واضح، مع دعم كبير في الكنيست لمواقف الحكومة، رغم الخلافات الداخلية وتوافق واسع على السياسة تجاه الفلسطينيين.

ثمة مؤشراتٌ كثيرةٌ تؤكد أن الخلافات التي توصف بأنها حادّةٌ بين رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، والوزير في "كابينيت الحرب الإسرائيلي"، بيني غانتس، الذي انضم مع تحالفه في الكنيست إلى الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي بدأت ولايتها في نهاية 2022، إثر شنّ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تحيل أكثر من أي شيءٍ آخر إلى الخلافات في الرأي القائمة بين نتنياهو والولايات المتّحدة، في ما يتعلق بالحرب وما ستؤول إليه. وهي خلافاتٌ انعكست مؤخرًا في سياق آخر خطابٍ ألقاه الرئيس الأميركي، جو بايدن، بشأن "حالة الاتحاد" أمام الكونغرس الأميركي، وكذلك في التصريحات الإعلامية التي أدلى بها عقب الخطاب، واستمر عبرها في إبداء تحفظاته، وإن ضمنيًا، على نتنياهو، متهّمًا إياه بـ"الإضرار بإسرائيل أكثر من نفعها"، إنما جنبًا إلى جنب تأكيده على دعم إسرائيل، وتبنيه لما شدّد على أنه حقّها في الدفاع عن نفسها، مع ما يحمله ذلك من إشارةٍ إلى تبدّد أوهام الرهان على تحوّلٍ جوهريٍ في موقف أميركا الثابت من الحرب ضدّ غزّة وأهدافها.

وفقًا للعديد من التحليلات الإسرائيلية، فإنّ دعوة غانتس لزيارة واشنطن من خلال الالتفاف على نتنياهو، تنطوي على رسالةٍ من الإدارة الأميركية الحاليّة، فحواها أنّها ترى في ضيفها الزائر بديلًا لنتنياهو. وللتذكير، فإن الأخير لم يتلق مثل هذه الدعوة إلى زيارة الولايات المتّحدة حتّى الآن، منذ إقامة حكومته الحالية، وذلك خلافًا لما هو متبع عادةً في سياق تاريخ العلاقات الثنائية بين الدولتين بعد انتهاء كلّ انتخاباتٍ عامّةٍ.

تتمحور الخلافات بين نتنياهو وغانتس، داخل الحكومة، حول صفقة تبادل الأسرى من جهةٍ، وحول التعامل مع قضية إنهاء الحرب من جهةٍ أخرى. وأضيفت إليهما الأزمة المرتبطة بموضوع تجنيد الشبان اليهود الحريديم في صفوف الخدمة العسكرية الإلزامية. يُخضع نتنياهو قضيتي صفقة التبادل، وإنهاء الحرب إلى أجندته الخاصّة، ويقف في صلبها الحفاظ على ائتلافه الحكومي الذي يضمن له البقاء في منصبه لأطول فترةٍ ممكنةٍ.

أن اليسار والوسط في إسرائيل سبق أن أيد كلّ حروب إسرائيل السابقة، ولكنهما كانا في بعضها يعودان بسرعةٍ إلى رُشدهما

بطبيعة الحال تثير هذه الخلافات أسئلةً كثيرةً، أهمّها يتعلق بكيفية تأثيرها على مستقبل الحرب؟ وكذلك على الأفق السياسي المرتقب أن توجّه إسرائيل أنظارها إليه؟

في ما يتعلق بالحرب؛ لا يظهر أن هناك خلافاتٌ جوهريةٌ حول أهدافها، وهي بحسب ما يكرّرها نتنياهو وغانتس وغيرهما من قادة الحكومة: تدمير حماس، وإطلاق الأسرى والمخطوفين الإسرائيليين، وضمان ألّا يشكّل قطاع غزّة تهديدًا أمنيًّا لإسرائيل في المستقبل. وهي أهدافٌ تؤيدها الولايات المتّحدة أيضًا، وإن أبدت تحفظاتٍ على وسائل تحقيقها، لا سيما تلك التي تلحق أضرارًا بالسكان المدنيين، ولا تتيح إيصال المساعدات الإنسانية المطلوبة.

أما في ما يخصّ الأفق السياسي؛ فإنّ تعويل واشنطن على غانتس لا ينطوي على أي دلالاتٍ جوهريةٍ في المدى السياسي الأبعد، ذلك أنّ الأخير لا يغرّد حتّى الآن خارج سرب السياسة العامّة حيال القضية الفلسطينية، التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية الحالية، بما في ذلك خلال زيارته الولايات المتّحدة، ولقائه مع كبار المسؤولين السياسيين فيها.

بموجب تحليلاتٍ إسرائيليةٍ وأميركيةٍ كثيرةٍ، لم يكن متوقعًا أن يتحدث غانتس مع مستضيفيه الأميركيين عن "حلّ الدولتين" لكونه يعارضه، أو عن وقفٍ دائمٍ لإطلاق النار في غزّة، لأنّه يعارضه أيضًا. ومع ذلك، يمكنه أن يتحدث عن إدخال مساعداتٍ إنسانيةٍ أكثر إلى غزّة، وعن دعمه لمثل هذا الإجراء، لكنه ليس مَن يقرّر بهذا الشأن، بل نتنياهو وحلفاؤه من اليمين المتطرّف.

بناء على ذلك كلّه، ليس من المبالغة القول إن الزيارة التي قام بها غانتس إلى الولايات المتّحدة قد ساهمت بالأساس، وربّما أكثر من أيّ شيءٍ آخر، في إبراز الإجماعات التي ما زالت تحكم الساحة الإسرائيلية السياسية والحزبية، وفي مقدمتها الإجماع على استمرار الحرب ضدّ قطاع غزّة، حتّى تحقيق أهدافها المذكورة سابقًا.

لا بُدّ من أن نشير إلى أنه مع استمرار التقارير التي تتحدث عن احتدام الخلافات بين نتنياهو وغانتس، هناك ازديادٌ في الأصوات الإسرائيلية التي تدعو هذا الأخير وحزبه إلى الانسحاب من حكومة الطوارئ الآن. والمقولة التي تتردّد على ألسنة هذه الأصوات تلفت الأنظار إلى خلاصةٍ صحيحةٍ مؤداها أن إطالة أمد بقائه فيها، بغض النظر عن أيّ سببٍ أو مبرّرٍ، تجعله يلبس عباءة الحكومة، ويبدو كجزءٍ منها.

هي خلافاتٌ انعكست مؤخرًا في سياق آخر خطابٍ ألقاه الرئيس الأميركي، جو بايدن، بشأن "حالة الاتحاد" أمام الكونغرس الأميركي

عامةً؛ ومع دخول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة شهرها السادس، نستطيع القول إن ما وصفه الصحافي الإسرائيلي جدعون ليفي بأنّ الاشمئزاز من نتنياهو هو ما يعيد التذكير بوجود معارضةٍ في إسرائيل فقط، ولكن هذا الاشمئزاز شخصيٌ في الأصل، ولا وجود لمعارضةٍ حقيقيةٍ بخصوص المسائل الأساسية، التي يمكن أن تغيّر صورة إسرائيل في المدى القريب والبعيد، كالاحتلال والحرب والديمقراطية، ففي هذه المسائل لا توجد فوارق كبيرةٌ بين اليمين والوسط واليسار الصهيوني، بل ثمة دولةٌ تتكلم بصوتٍ واحد، ولديها وجهة نظرٍ واحدةٍ، ورأيٌ واحدٌ. وهناك أدلةٌ مستجدةٌ قاطعةٌ عدّةٌ على ذلك، لعلّ أبرزها تصويت الكنيست الإسرائيلي يوم 21 فبراير/شباط 2024 بأغلبية 99 عضو كنيستٍ ضدّ 9 أعضاءٍ تأييدًا لقرار الحكومة معارضة الاعتراف الأحادي الجانب بالدولة الفلسطينية.

أعاد بعضهم إلى الذاكرة أمرين ماضيين يوضحان التحوّل الكبير الذي تشهده الساحة السياسية الإسرائيلية خلال الحرب الحالية:

الأول، أن اليسار والوسط في إسرائيل سبق أن أيد كلّ حروب إسرائيل السابقة، ولكنهما كانا في بعضها يعودان بسرعةٍ إلى رُشدهما.

الثاني، أنّه في كلّ حربٍ كانت هناك معارضةٌ. أمّا في هذه الحرب فلا يوجد صوتٌ معارضٌ واحدٌ في الكنيست، حتّى بعد مرور أكثر من خمسة أشهرٍ، وسقوط أكثر من 100 ألف قتيلٍ وجريحٍ فلسطينيٍ، باستثناء أصوات أعضاء الكنيست من المواطنين العرب.

على صعيد الموقف من الحرب في قطاع غزّة تحديدًا، وأيضًا الموقف العام من الاحتلال والاستيطان في أراضي 1967، أعاد الوزير الإسرائيلي السابق حاييم رامون (صحيفة "معاريف"، 1/3/2024) إلى الأذهان أنّه ليس هناك فارقٌ جوهريٌ بين الوزيرين اليمينيين المتطرفين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وبين قادةٍ سياسيين يتظاهرون بمعارضة نتنياهو، على غرار الوزير المستقيل جدعون ساعر، وعضو الكنيست أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، ورئيس الحكومة السابق نفتالي بينت. وبرأيه، المواقف السياسية التي يتبناها ساعر وبينت وليبرمان هي مواقف اليمين الإسرائيلي المتطرف ذاتها، والفرق بينهم وبين سموتريتش وبن غفير هو في الأسلوب فقط. منذ عملية طوفان الأقصى يعمل هذان الأخيران على الدفع قدمًا بالخطوات الآتية: محاولة فرض سيطرةٍ إسرائيليةٍ دائمةٍ على قطاع غزّة، وترحيلٍ طوعيٍ لسكان غزّة، وحلّ السلطة الفلسطينية في الضفّة الغربية، واستيطانٍ متسارعٍ في القطاع والضفّة. يعود السبب في عدم سماع اعتراضات ساعر وليبرمان وبينت على هذه الخطوات إلى أنّهم يوافقون عليها. فقد انتقدوا أسلوب سموتريتش وبن غفير وتوقيته، لكنهم امتنعوا عن إبداء أيّ تحفظٍ على جوهر الأمور، حتّى خطة الترحيل الطوعي لم يشجبوها. ولئن كان سموتريتش وبن غفير يعبران عن مواقف هذا اليمين المتطرف بفظاظةٍ، وعلى نغمات رقصات وأغاني حسيدية، فإن ساعر وبينت وليبرمان يعبرون عن المواقف نفسها بلسانٍ يقطر عسلًا، وعلى نغمات موسيقى كلاسيكية. أما الخلافات بين الجانبين فهي متعلقةٌ بمسائل داخليةٍ فقط، مثل مسألة العلاقة بين الدين والدولة، ولكن في نهاية المطاف كلّهم يتطلعون إلى أن تستعيد إسرائيل سيطرتها الكاملة على قطاع غزّة والضفّة الغربيّة.

أخيرًا، إذا ما كانت حرب الإبادة الجماعية الراهنة على قطاع غزّة قد أعادت التذكير بكلّ تلك المسائل، فإنّ المواقف السالفة المُشار إليها لم تكن غائبةً عن الأبصار قبل الحرب كذلك، حتّى في خضمّ مواجهة المعارضة مع الحكومة الإسرائيلية الحالية بشأن قضايا متعلقةٍ بالحلبة السياسية الداخليّة فقط.

المساهمون