نواب جزائريون يخذلون الناخبين... تهرب من التواصل

نواب جزائريون يخذلون الناخبين... تهرب من التواصل

22 مايو 2023
من الجلسة الأولى للمجلس المنتخب، يوليو 2021 (مصعب الرويبي/الأناضول)
+ الخط -

مع اقتراب مرور عامين على الانتخابات البرلمانية في الجزائر، والتي أُجريت في 12 يونيو/حزيران 2021، لم يفِ سوى ربع نواب البرلمان بالتزاماتهم الانتخابية بشأن فتح مداومات برلمانية (مكاتب) في ولاياتهم، لضمان التواصل النيابي مع المواطنين، على الرغم من إلحاح قيادات الأحزاب السياسية على ضرورة تنظيم قنوات ميدانية للاتصال مع الشعب.

واختار النائب المستقل عبد القادر عزيز اقتراب الذكرى الثانية للانتخابات النيابية، لافتتاح "مداومة" نيابية، عبارة عن مكتب لاستقبال المواطنين والجمعيات ولجان الأحياء، والاستماع إلى مشاكلهم وانشغالاتهم، والعمل على التكفل بها بالتنسيق مع السلطات المحلية والمركزية، وتسجيل مقترحاتهم بشأن جملة من القضايا التي تهمهم.

يتطلب فتح المكتب أو المداومة أن يخصص النائب جزءاً من مستحقاته المادية لأجل ذلك
وكانت الخطوة جزءاً من الالتزامات الانتخابية التي أعلنها عبد القادر خلال حملته الانتخابية. وأكد لـ"العربي الجديد" أنه قرر افتتاح مداومة نيابية في ولايته تيسمسيلت (220 كيلومتراً غربي العاصمة الجزائرية). وأوضح أنه "قام بتوظيف مساعدة تضمن الاستمرار الدائم لعملها، وتتولى استقبال المواطنين، ووضعت استمارة استقبال تتضمن كافة المعطيات الخاصة بالمواطن أو أي جهة تقصد المداومة لطرح مشاكلها وانشغالاتها، على أن أتولى في الفترة التي لا يكون لدي برنامج في البرلمان، المعالجة والتواصل والقيام بما يلزم بشأنها".

إلحاح حزبي لفتح المكاتب البرلمانية

منذ تنصيب البرلمان في يونيو 2021، ألزمت الكتلة النيابية لحركة "مجتمع السلم"، الكتلة المعارضة الوحيدة في البرلمان، نوابها الـ65 بضرورة فتح مداومات ومكاتب استقبال في ولاياتهم، وفقا للميثاق الانتخابي الموقع عليه، للبقاء على اتصال دائم مع ناخبيهم ومواطني ولاياتهم. ويتطلب ذلك تخصيص جزء من المستحقات المادية للنائب لأجل ذلك.

وأكد رئيس الكتلة النيابية للحركة أحمد صادوق، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "45 نائباً من مجموع نواب الحركة لديهم مداومات انتخابية في ولاياتهم"، مضيفاً "لدينا حرص دائم على ذلك، ونوجه مساءلات داخلية لنواب حركتنا بشأنها". وأكد "اعتبار ذلك التزاماً سياسياً وأخلاقياً، وجزءاً من العمل النيابي، ما يعطي مصداقية للنائب وللحركة، وغالباً ما يتكفل نواب الحركة بمشاكل عديدة أمكن لهم المساهمة في حلها".

وتطبيقاً لهذا الميثاق والالتزامات الانتخابية، بادر النائب عن العاصمة أعمر ديرة، مبكراً، إلى فتح مداومته. وقال ديرة في تصريح لـ"العربي الجديد": "منذ انتخابي في البرلمان، بادرت إلى فتح مداومة نيابية في منطقة الرغاية بالضاحية الشرقية للعاصمة الجزائرية". وأضاف: "خصّصت كل يوم أربعاء لاستقبال ولقاء المواطنين ومناقشة انشغالاتهم التي يمكن لي من موقعي المساعدة والسعي في حلّها، سواء عبر لقاءات مع المسؤولين المحليين أو الوزراء، أو تحويلها إلى صيغة مساءلة نيابية".

في منطقة سوق أهراس شرقي الجزائر، بادر عدد من نواب الولاية في الأول من مايو/أيار الحالي، إلى افتتاح مداومة نيابية مشتركة تسمح لهم بالبقاء عن قرب مع المواطنين ومتابعة انشغالاتهم والمساهمة في ملاحقة قضايا التنمية المحلية.

وتقلل المداومات المشتركة التكاليف التي تستدعيها المبادرة، خصوصاً أن هذه التكاليف تقع على عاتق النواب، بخلاف تجربة سابقة في الولاية النيابية بين عامي 2007 و2012، التي كان برنامج الأمم المتحدة قد قدم وموّل برنامجاً في إطار الديمقراطية التشاركية، لمساعدة النواب على فتح مداومات يتولى البرنامج تجهيزها. لكن في الوقت الحالي، لا يقدم البرلمان مساعدة مادية للنواب في هذا الشأن، كما أنه لا يوجد على مستوى الالتزامات القانونية ما يفرض على النواب فتح مداومات.

لقاءات مباشرة أو افتراضية مع الجزائريين

وعمد بعض النواب إلى استخدام المقرات الفرعية لأحزابهم كمكاتب للتواصل مع المواطنين. أما نواب الجالية في المهجر، فإن الظروف لا تسمح لهم بفتح مداومات عينية، لكنهم يعملون على مداومات افتراضية، ويخصّص بعضهم مواعيد محددة للقاءات افتراضية أو مباشرة مع أفراد الجالية للاستماع إلى مشاكلهم.

في المقابل، يكتفي نواب آخرون يمثلون الجالية بالمداخلات في البرلمان، ويعتبرون أن مشكلات الجالية مسألة تخص السفارات والقنصليات، على غرار نواب الجالية في تونس والمنطقة العربية.

وأشارت بعض المعطيات التي جمعتها "العربي الجديد" إلى أن أقل من 100 نائب في البرلمان، من مجموع 407 نواب، ما يعني أقل من 25 في المائة، لديهم مداومات نيابية في ولاياتهم، فيما يعمل عدد أقل من النواب من داخل مقرات أحزابهم لاستقبال المواطنين، أو يعوضون ذلك بزيارات ميدانية إلى الأحياء الشعبية.

وفي السادس من مارس/آذار الماضي، وجهت قيادة حزب "جبهة التحرير الوطني" الذي يحوز على الأغلبية في البرلمان، تعليمات إلى مسؤولي الحزب في الولايات، بالسماح للنواب باستغلال مكاتب في مقرات الحزب في الولايات، لاستخدامها كمداومات. وشدّدت قيادة الحزب على "تمكين نواب الحزب في البرلمان بغرفتيه من فتح مداومة على مستوى مقر كل محافظة مع ضمان تجهيزها وتأطيرها من طرف النواب".

بخلاف الولايات التي فتحت فيها مداومة برلمانية واحدة على الأقل، بقيت ولاية الجلفة وسط البلاد، وهي من أكثر الولايات التي تعاني مشكلات متعددة، من دون مبادرة أي من نوابها الـ13، والذين ينتمون إلى حزب "جبهة التحرير الوطني"، إلى فتح مداومات لهم.

وأكد النائب عن الولاية أحمد ربحي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "قيادة الحزب سبق أن وجهت قبل فترة قصيرة، تعليمات للنواب بضرورة فتح مداومات في ولايتهم".

ولفت إلى أنه فضّل الاستمرار في استخدام مكتبه السابق كمحضر قضائي ورئيس الغرفة الجهوية لموثقي الغرب الجزائري، قائلاً "لدي سكريتاريا هناك، لاستقبال مراسلات المواطنين وضمان ديمومة التواصل مع المواطنين، إضافة إلى التواصل عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني".

أقل من 100 نائب في البرلمان، من مجموع 407 نواب، لديهم مكاتب نيابية في ولاياتهم

وبرأي الكثير من المواطنين والنشطاء في المجتمع المدني أن المداومات النيابية تبقى مسألة مهمة في ضمان استمرارية التواصل بين المواطنين والجمعيات ولجان الأحياء مع المؤسسة التشريعية ومع النواب، سواء لطرح مشكلاتهم أو لتقديم مقترحات ومبادرات. لكن أغلب النواب ومباشرة بعد انتخابهم، لا يولون أهمية لذلك.

ولا يذكر بلال لحول، الذي يقيم بولاية تيبازة قرب العاصمة الجزائرية، أن ولايته شهدت فتح مداومة برلمانية. وقال لـ"العربي الجديد" إن "هذا الوعد يتكرر مع كل انتخابات لكنه وعد تذروه الرياح، بعد كل انتخاب للنواب". وأوضح أنه "على الرغم من اتساع الولاية ومعاناة سكان بعض المناطق وحاجتهم الى فضاءات تمثيلية لطرح مشاكلهم، إلا أن لا نائب من نواب الولاية الستة بادر إلى فتح مقر له في الولاية".

بدوره، أشار محمدي مالك، وهو موظف إدارة من ولاية الجلفة وسط الجزائر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "العديد من نواب الولاية كانوا قدموا وعوداً بفتح مكاتب ومداومات تسمح للمواطنين بطرح انشغالاتهم المتعددة وما أكثرها في ولاية كالجلفة، التي تعد من أكثر الولايات تهميشاً بدليل إعلان الحكومة قبل أسبوع تخصيص برنامج تنموي خاص، لكن بعد نحو عامين من الانتخابات لم يفتح أي من النواب مكتب مداومة، لقد تهربوا من وعودهم".

وأضاف: "بعض النواب يبررون التنصل من وعودهم بكون دورهم تشريعياً، وأن هناك وسائط أخرى للتواصل ليس بالضرورة في مداومة، إضافة إلى أن بعضهم يعتبرون أن حل المشكلات المحلية مسألة تخص المسؤولين والمجالس المحلية ".

من جهته، قال الناشط المدني بلال بن سعيد شيبة، لـ"العربي الجديد"، إنه "بعد عامين من انتخابهم، نلحظ أن هناك الكثير من التهرب النيابي، إذ لم تفتح غالبية النواب مداومات، بل إن بعضهم ليس لهم أي حضور في ولايتهم، ويكتفون بالحضور في المناسبات وفي المداخلات بالبرلمان، وهذا أمر غير كافٍ، لأن القاعدة الشعبية التي انتخبت هؤلاء النواب هي التي تستحق أن يكونوا أكثر قرباً منها وبشكل منظم". وأضاف أنه يتطلع إلى أن يصبح ضمن التشريعات الملزمة، إلزام النواب بفتح مداومات لهم في ولاياتهم.

المساهمون