مخالفات انتخابات مصر: تحسّب لطعون على قائمة المخابرات

مخالفات انتخابات مصر: تحسّب لطعون على قائمة المخابرات

19 نوفمبر 2020
سقطت القائمة الموحّدة في دمياط (Getty)
+ الخط -

كشفت مصادر في مجلس الوزراء ووزارة العدل في مصر عن حالة استنفار في الدوائر القانونية للنظام الحاكم، تحسباً لإقامة طعون أمام المحكمة الدستورية العليا، ضد فوز القائمة الموحّدة الموالية للمخابرات والأمن الوطني، بقيادة حزب "مستقبل وطن" في دائرة شرق الدلتا والقناة وسيناء بانتخابات مجلس النواب الجارية حالياً. وينبع الاستنفار من خسارة القائمة في محافظة دمياط شمال شرقي دلتا النيل، بدائرتيها الأولى والثانية، بفارق أكثر من عشرين ألف صوت أمام قائمة "أبناء مصر" المشكّلة من شخصيات غير معروفة، معظمها كانت تطمح للترشح على القائمة الموحّدة، لكنها قوبلت بالرفض. ففي الدائرة الأولى فازت قائمة "أبناء مصر" بنحو 53 ألف صوت في مقابل 44 ألفاً للقائمة الموحدة، وفي الدائرة الثانية، الأكبر في عدد السكان، فازت "أبناء مصر" بأكثر من 75 ألف صوت في مقابل 66 ألفاً و322 صوتاً للقائمة الموحّدة. وعلى الرغم من الفوز بدمياط، إلا أن هذا لم يؤثر على النتيجة الإجمالية على مستوى دائرة القائمة ككل، فقد حققت القائمة الموحّدة فوزاً تقليدياً في كل الدوائر وبفوارق كبيرة، في محافظات الشرقية وبورسعيد والسويس وشمال وجنوب سيناء، وفي دائرتين من ثلاث بالإسماعيلية. وفسّرت مصادر سياسية خسارة القائمة الموحّدة بدمياط، بأنها نتيجة لتصويت عقابي من المواطنين غضباً من ضمّ نواب حاليين للقائمة، لم يقدموا خدمات تذكر للمواطنين خلال الفصل التشريعي السابق. وكذلك ضم مرشحين لا خبرة سياسية سابقة لهم، بل عُلم أنهم حصلوا على الترشح بفعل دفعهم أموالاً طائلة.


فسّرت مصادر سياسية خسارة القائمة الموحّدة بدمياط، بأنها نتيجة لتصويت عقابي من المواطنين 

ويعود سبب القلق القانوني من هذه الواقعة التي لم تكن تدور بحسبان القائمين على تنظيم الانتخابات، إلى أن المرشحين التابعين للقائمة الموحّدة والمصنفين كممثلين عن محافظة دمياط، عُدّوا خاسرين في انتخابات دائرتي المحافظة، وفي الوقت ذاته نجحوا وحصلوا على المقاعد النيابية بأصوات باقي المحافظات. ويمثل هذا الأمر في رأي بعض القانونيين مخالفة دستورية واضحة، ربما تلقي بظلالها على نظام الانتخاب بالقائمة المطلقة المغلقة.

ويتحجج القانونيون بالمادة 102 من الدستور الحالي، المعدّلة في عام 2019، وتنصّ على أن "يُراعى التمثيل العادل للسكان والمحافظات، ويجوز الأخذ بالنظام الانتخابي الفردي أو القائمة أو الجمع بأي نسبة بينهما". وبتطبيق هذا النص على الوضع الحالي لنتيجة الانتخابات، فإنها لم تحقق التمثيل العادل لسكان المحافظة التي خسرت فيها القائمة الموحّدة، وأهدرت أصوات نحو 130 ألف ناخب، يمثلون الأغلبية المطلقة ممن شاركوا في التصويت في تلك المحافظة تحديداً.

وكانت هذه المادة قد تسببت في تعقيد إجراءات تشكيل القوائم الموحّدة الأربع التابعة للنظام، في ظل التوسع في تحصيل الأموال عن الترشح على القائمة، تحت شعار التبرّع لصندوق "تحيا مصر" أو التبرّع للقائمة وحزب "مستقبل وطن". واستأثرت شخصيات معينة في دائرة السيسي بنسب معتبرة من المرشحين، كالضابط النافذ أحمد شعبان، مدير مكتب مدير المخابرات عباس كامل المقرّب من الضابط محمود السيسي، نجل الرئيس عبد الفتاح السيسي. ودفع شعبان بـ26 عنصراً من مجموعته المسماة "تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين" للترشح في القوائم الأربع.

وأدت هذه الظواهر إلى اضطرار إدارة القوائم إلى توزيع مرشحي القائمة على المحافظات. ومع أن القانون خصص عدداً من المرشحين في كل قائمة كممثلين لمحافظة معينة، إلا أن إدارة القوائم وزّعت بعض أعضاء تنسيقية شباب السيسي على محافظات ومناطق لا ينتمون إليها بالأساس، وبعضهم الآخر لا صلة لهم بها إلا بمحل الميلاد. وأثار هذا الأمر غضب المئات من راغبي الترشح الذين استبعدوا لإفساح المجال لقوائم النظام، مما دفع بعضهم للمنافسة على الفردي أو الانضمام لقوائم أخرى غير قادرة على الفوز. لكن حرص إدارة القوائم على توزيع المرشحين حسب المحافظات، حتى ولو لم ينتموا إليها، واختيار مرشحين من كل محافظة لتمثيلها في القائمة، يمثل دليلاً إضافياً على بطلان فوز مرشحي القائمة الموحّدة في المحافظة التي لم تعطهم أصواتها، لا سيما أن الدستور وقانون الانتخابات ينصان على التمثيل العادل للسكان والمحافظات.

ووفقاً للمصادر، فقد تواصل الأمن الوطني، خلال الأيام الماضية، قبل وعقب إعلان النتيجة رسمياً من قبل الهيئة الوطنية للانتخابات، مع شخصيات في إدارة قائمة "أبناء مصر" الفائزة في دمياط والخاسرة في دائرة شرق الدلتا، لإغرائهم ببعض الترضيات الإعلامية والسياسية في مقابل عدم تقديم طعون على النتيجة. لكنه يبدو أن هذه الجهود ليست كافية، مع تخوّف النظام من رفع دعاوى من المواطنين أنفسهم، الذين أُهدرت أصواتهم.

وذكرت المصادر أن وزارة العدل ترصد بشكل يومي جميع الدعاوى المرفوعة أمام مجلس الدولة بدمياط (محل الدائرتين التي خسرت فيهما القائمة الموحدة)، والزقازيق (المركز الرئيسي لدائرة قائمة شرق الدلتا) وكذلك القاهرة، خشية من رفع دعاوى. وصدرت تعليمات أيضاً لهيئة قضايا الدولة، التي تتولى الدفاع عن الحكومة، بتجهيز مطالبة عاجلة بإحالة جميع الدعاوى الخاصة بالانتخابات إلى المفوضين، باعتبار أن النتيجة الرسمية أعلنت ولم تعد هناك مصلحة عاجلة لإلغائها، وذلك لمنع القضاء الإداري من التصدي لها سريعاً، واحتمال إحالتها للمحكمة الدستورية العليا.

وعلى الرغم من السيطرة المطلقة للنظام على جميع الهيئات القضائية منذ إصدار السيسي قانون تعيين رؤساء الهيئات عام 2017، ثم تطبيق النظام ذاته على المحكمة الدستورية عقب تعديل الدستور العام الماضي، إلا أن دوائر النظام ينتابها القلق من خروج بعض دوائر المحاكم عن الإطار المرسوم لها، مما قد يتسبب في فتح ثغرة في السياج الذي شيده النظام لإغلاق المجال العام.

وذكرت المصادر أنه سبق لعدد من القانونيين المقرّبين من النظام، أن حذّروا من اتباع نظام القائمة المغلقة المطلقة، بسبب العيوب الدستورية الواضحة التي قد تلاحقه عاجلاً أم آجلاً، وما ترتّب عليه من خلل في ترسيم دوائر الانتخاب الفردي، بسبب تخصيص نصف مقاعد مجلس النواب للقائمة.


وُزّع بعض أعضاء تنسيقية شباب السيسي على محافظات ومناطق لا ينتمون إليها بالأساس

وخلال تكوين القوائم الموالية عجّت جميع الدوائر الانتخابية، من دون استثناء، بالأزمات نتيجة اختيار المخابرات والأمن الوطني للمرشحين بمعايير غير موضوعية، تأتي في مقدمتها سداد مبالغ ضخمة بحجة التبرّع للحزب والقائمة. ومن المعايير أيضاً، مدى قوة علاقة الشخص المتقدم بالأجهزة وقدرته على جمع تزكيات من شخصيات نافذة بالمخابرات والأمن الوطني والرقابة الإدارية، وكذلك مدى مساهمة المرشح في حملة زيادة عدد الأعضاء في حزب "مستقبل وطن" بنسبة 400 في المائة، وفي إعادة تشكيل مكاتب الحزب في جميع المحافظات. وما زالت تجري محاولات لحشد المواطنين لعضوية الحزب جماهيرياً، خصوصاً في قرى الصعيد والدلتا، وترغيب المواطنين بالمزايا السياسية والوظيفية، التي يمكن الحصول عليها من عضوية الحزب، كما كان الوضع في عهد الرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك.

وسبق أن ذكرت مصادر سياسية لـ"العربي الجديد" في نهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي، أن مبالغ الترشح في بعض الدوائر وصلت إلى 40 مليون جنيه (2.5 مليون دولار) بسبب حدة التنافس على الترشح بين العائلات والقبائل، تحديداً في الصعيد، إلى حد اكتتاب بعض العائلات لجمع الأموال اللازمة للترشح في محافظات مثل المنيا وسوهاج وقنا. أما المتوسط العام للمبالغ المسددة للمرشح الواحد في القوائم فبلغ 30 مليون جنيه (1.9 مليون دولار)، وفي الفردي بالصعيد حوالي 15 مليون جنيه (963 ألف دولار). ووصل في القاهرة والجيزة إلى 20 مليون جنيه (1.3 مليون دولار)، وفي الدلتا بلغ 10 ملايين جنيه (641 ألف دولار). لكن الوضع تفاقم عندما تم جمع مبالغ مالية أقل من مرشحين آخرين، في مقابل الاتفاق معهم على أن يخوضوا الانتخابات كمستقلين، وأن ينضموا إلى حزب "مستقبل وطن" في مرحلة الإعادة أو لدى فوزهم في حال خسارة مرشحي الحزب. وهو ما حدث في كل الدوائر من دون استثناء.

وأكدت المصادر أن الأمن الوطني بالمناطق الريفية والحضرية بالمحافظات والمخابرات في العاصمة والمدن الكبرى، اتفقا مع مرشحين أو ثلاثة في كل دائرة على الانضمام للحزب حال خسارة مرشحيه. سيناريو يعيد إلى الأذهان سياسة الترشيح التي اتبعها الحزب الوطني الحاكم في عهد مبارك في آخر انتخابات لمجلس الشعب (اسم البرلمان المصري أيام مبارك) في عام 2010، قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، عندما دفع بمرشحيه في مواجهة بعضهم البعض ومنع جميع المعارضين من خوض الانتخابات.