مجلس الأمن القومي الإيراني يصطف مع البرلمان بشأن "الخطوات النووية"

مجلس الأمن القومي الإيراني يصطف مع البرلمان في الخلافات بشأن "الخطوات النووية"

05 ديسمبر 2020
مجلس الأمن القومي يوضح موقفه من الخلافات (فرانس برس)
+ الخط -

بعد أيام من الخلافات الحادة بين الحكومة والبرلمان في إيران، على خلفية إقرار النواب البرلمانيين مشروع قرار ينهي عملياً الالتزام بالاتفاق النووي المبرم مع المجموعة الدولية عام 2015، أصدرت الأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، السبت، بياناً، تضمن نقاطاً تؤكد وقوف المجلس إلى جانب البرلمان في الخلافات الدائرة بشأن هذا المشروع.

والمشروع الذي أقرّه مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) يوم الإثنين الماضي، بعنوان "الإجراء الاستراتيجي لإلغاء العقوبات"، وتحول إلى قانون بعد مصادقة مجلس صيانة الدستور عليه، الأربعاء، يلزم الحكومة الإيرانية بخطوات نووية، أبرزها إنهاء العمل وفق البرتوكول الإضافي الذي تعهدت بموجبه طهران "طوعاً" لإخضاع منشآتها النووية لـ"رقابة صارمة".

غير أنّ البرلمان منح شركاء الاتفاق (مجموعة 1+4) مهلة شهرين قبل دخول سريان القانون لتمكين إيران من الحصول على منافعها الاقتصادية من الاتفاق النووي، تشمل علاقات تجارية عادية مع العالم، منها علاقات مصرفية وإمكانية تصديرها النفط ومنتوجاته والحصول على عوائدها بالنقد الأجنبي، الأمر الذي يعني إلغاء العقوبات الأميركية المفروضة على إيران بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018.

إلا أنّ الحكومة والخارجية الإيرانيتين أكدتا رفضهما للمشروع المقر في البرلمان، واعتبره الرئيس الإيراني حسن روحاني "ضاراً"، كما قال المتحدث باسم الحكومة علي ربيعي إنّ البرلمان لا يحق له البت في هذه القضايا، معتبراً أنها من صلاحية المجلس الأعلى للأمن القومي، ومشيراً إلى أنّ هذا المشروع لن يؤدي إلى إلغاء العقوبات.

غير أنّ الأمانة العامة لمجلس الأمن القومي الإيراني من خلال بيانها الصادر، السبت، قد أوضحت بشكل أو آخر الموقف من هذه الخلافات، مقدمة سرداً عن تبادل الرسائل مع البرلمان بشأن المشروع، لتؤكد أنها بعد تلقيها هذا المشروع من البرلمان "قد أبدت ترحيبها بالفكرة من الأساس". وأشارت إلى أنّ الأمانة العامة "كانت لديها ملاحظات حول بعض جوانب الموضوع وأقرّتها بعد استكمال المراحل القانونية وأرسلتها كقرار" إلى البرلمان.

وأكد البيان أنّ قرار الأمانة العامة كان قد دعا البرلمان الإيراني إلى التعاون مع الأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي ووزارة الخارجية في إعداد مشروع "الإجراء الاستراتيجي لإلغاء العقوبات"، مشيراً إلى أنّ البرلمان "قد أخذ باهتمام معظم الملاحظات". 

 

واصطفت الأمانة العامة لمجلس الأمن القومي مع البرلمان الإيراني الذي يسيطر عليه المحافظون، من خلال التأكيد في بيانه أنّ "مختلف مراحل إعداد المشروع حتى إقراره نهائياً كانت وفق المقررات المتعارف عليها في البرلمان ولم تتدخل الأمانة العامة لمجلس الأمن القومي في الأمر". وأوضح البيان أن البرلمان "لم يكن مضطراً لأخذ موافقة هذه الأمانة وبقية أجهزة الدولة إلا في إطار الدستور والشريعة وهو ما أشرف عليه مجلس صيانة الدستور".

كما أنّ الأمانة العامة لمجلس الأمن القومي الإيراني قد فصّلت بشكل أوضح موقفها في الخلافات الدائرة بشأن هذا المشروع بين الحكومة والبرلمان من خلال القول إنّ "القانون المذكور لا يحدث مشكلة خاصة تضر بالمصالح القومية"، مشددة على أنّ "ما يتعارض مع المصالح الوطنية ويدعو لقلق هو السجال الذي يضر بوجهة ومكانة المؤسسات القانونية للدولة ويلحق إضراراً بالوحدة والتلاحم الوطني".

وأكد "الأمن القومي" أنّ "التصريحات والسلوك الذي شاهدناه خلال الأيام الأخيرة ضحت بالمصالح والمنافع الوطنية لأغراض ومنافع فئوية وحزبية"، قائلاً إنها "لن تعود بأي منفعة للدولة وترسل رسائل خاطئة للأعداء".

ووجه بيان الأمن القومي الإيراني انتقادات لمحمود واعظي رئيس مكتب الرئيس الإيراني حسن روحاني، من دون تسميته، حيث قال إنّ "الأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي واعية في الظروف الراهنة بشأن توجهات بعض الأطراف لمواصلة الضجة وتوسيع نطاقها والإضرار بمكانة وأداء الأمانة العامة للمجلس".

وفي ختام بيانها، دعت الأمانة العامة لمجلس الأمن القومي "جميع الأطراف إلى ضرورة إنهاء السجال"، محذّرة من أنها "لن تسمح بالتلاعب بالمصالح الوطنية".

وكان واعظي، قد قال الأربعاء، وفقاً لما أوردت وكالة "تسنيم"، إنّ "رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي هو السيد رئيس الجمهورية والبرلمان لم ينقسم أبداً مع هذا المجلس، هم يقولون إنهم نسقوا مع الأمانة العامة المجلس، لكنها لا تحظى بموقع لوحدها". وجاءت تصريحات رئيس مكتب روحاني رداً على تصريحات المتحدث باسم رئاسة البرلمان الإيراني محسن حسين فرهنغي، قال فيها إنّ "وجهة نظر الحكومة غير مهمة ونحن تشاورنا مع الأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي". 

 

يشار إلى أنّ المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني هو أعلى جهاز في الدولة لاتخاذ القرارات بشأن السياسة الخارجية والسياسات الدفاعية والأمنية. وتكون هذه القرارات سارية مفعول بعد مصادقة المرشد الإيراني الأعلى.

ويتكون المجلس الذي يترأسه رئيس الجمهورية بموجب المادة الـ176 في الدستور الإيراني، من رؤساء السلطات الثلاث ورئيس الأركان العامة للقوات المسلحة ووزراء الخارجية والأمن ورئيس منظمة التخطيط والموازنات، ومندوبين للمرشد الأعلى وقادة الجيش والحرس.

دلالات الخطوة
تشير المصادقة الفورية لمجلس صيانة الدستور "المحافظ" على مشروع قرار البرلمان وكذلك موقف الأمانة العامة لمجلس الأمن القومي الإيراني، على أنّ الخطوة التي أقدم عليها البرلمانيون الإيرانيون ليست مجرد إبداء موقفهم من الاتفاق النووي، بل تتجاوز ذلك، وأنّ هناك نوعاً من الإجماع بين المؤسسات السيادية في البلاد على الأمر، ما عدا الحكومة المدعومة من الإصلاحيين والتيار "الاعتدالي" الذي ينتمي إليه روحاني.

ويقول مراقبون إيرانيون إنّ هذه الخطوة مدفوعة باعتبارات عدة، منها سحب ورقة التفاوض من الحكومة الإيرانية الراهنة، لما له من تأثيرات محتملة على المعادلات الانتخابية في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، المزمع إجراؤها خلال يونيو/ حزيران المقبل.

وهناك رأي يقول إنّ الأمر له أهداف أخرى أيضاً تتمثل في الضغط على الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن والأطراف الأوروبية لتقديم تنازلات لإيران فيما يرتبط بموضوع العقوبات وتمكينها من جني ثمار الاتفاق النووي.

وهنا يبدو أن ثمة خلافات بين الحكومة الإيرانية ومؤسسات سيادية أخرى حول طريقة إدارة المرحلة الراهنة، وفيما ترى الحكومة في فوز بايدن "فرصة لا ينبغي إهدارها"، راغبة في الدخول في مفاوضات معه خلال الفترة القليلة المتبقية لولاية روحاني، حتى يونيو/ حزيران المقبل، يعتقد المحافظون والمؤسسات الخاضعة لسيطرتهم أن الطريق الأفضل لـ"إجبار" الولايات المتحدة وأوروبا هو ورقة إعادة البرنامج النووي الإيراني إلى ما كان عليه قبل عام 2015، أي قبل التوقيع على الاتفاق النووي. لكن الإصلاحيين وأنصار الحكومة ينتقدون هذا التوجه، ويرون أنه قد تترتب عليه عواقب وخيمة، ويؤدي إلى خلق إجماع عالمي ضد إيران.

تفاصيل القانون
ويتكون المشروع البرلماني الذي تحوّل إلى قانون يدخل سريانه بعد تسلم بايدن السلطة بأسبوع، من تسعة بنود، تلزم الحكومة الإيرانية باتخاذ إجراءات نووية، من شأنها أن تلغي التعهدات الإيرانية المنصوص عليها في الاتفاق النووي المبرم بين طهران والمجموعة الدولية عام 2015، ليعيد ذلك البرنامج النووي الإيراني إلى مرحلة ما قبل التوصل إلى هذا الاتفاق. ويتجاوز المشروع الخطوات الخمس التي اتخذتها طهران لوقف تعهدات نووية، خلال العامين الماضين رداً على الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وما تبعه من العقوبات الأميركية "التاريخية" و"مماطلات" الأطراف الأوروبية في تنفيذ "تعهداتها الـ11" لتمكين إيران من جني ثمار الاتفاق النووي الاقتصادية. 

 

وأهم ما تتضمنه بنود القانون هو رفع نسبة التخصيب إلى 20%، بعد شهرين من إقرار القانون، والمطابة بزيادة النسبة إلى أكثر من 20% إذا استدعت الضرورة، و"إنتاج 500 كيلوغرام من اليورانيوم شهرياً، و"تركيب ألف جهاز جديد للطرد المركزي في منشأة "نطنز" وسط إيران، خلال ثلاثة أشهر بعد إقرار القانون، فضلاً عن "تدشين مصنع إنتاج اليورانيوم المعدني في إصفهان"، و"إحياء قلب مفاعل أراك للماء الثقيل، والذي تم تعطيله بالإسمنت بموجب الاتفاق النووي".

أما البند الأهم فهو البند السادس الذي يلزم الحكومة الإيرانية بإيقاف أنشطة التفتيش للوكالة الدولية للطاقة الذرية خارج البروتوكول الإضافي. 

كما ينص القانون على عقوبات بموجب قانون العقوبات الإسلامية ضد من يخالف القانون وتنفيذه، تتراوح بين عقوبات بالسجن وغرامات مالية.

المساهمون