مالي والبعثة الأممية: نفور متزايد

مالي والبعثة الأممية: نفور متزايد

07 فبراير 2023
جندي من القوات الأممية في تمبكتو، ديسمبر 2021 (فلوران فيرن/فرانس برس)
+ الخط -

على غرار ما فعلته في يناير/كانون الثاني 2022، حين طردت السفير الفرنسي جويل ميير من باماكو رداً على تصريحات لوزير الخارجية الفرنسي آنذاك جان إيف لودريان انتقد فيها السلطات العسكرية في مالي، تقترب مالي، التي تستعيض عن الدعم الغربي بقوات مرتزقة "فاغنر" الروسية، أكثر فأكثر من إنهاء علاقتها مع البعثة الأممية في البلاد، وهو ما يوحي به تصاعد التوتر بين الطرفين، ومؤشرات عدة منها ازدياد الضغط الدولي على باماكو بالملف الحقوقي.

الحكومة المالية تطرد مسؤولاً أممياً

وأمهل المجلس العسكري في مالي، أول من أمس الأحد، مسؤولاً أممياً في البلاد، 48 ساعة للمغادرة. وبينما أصبحت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما)، والمتواجدة في البلاد منذ عام 2013، وقوامها حوالي 13 ألف عنصر، تشعر بأنها "غير مرحب بها" في هذا البلد الواقع في منطقة الساحل الأفريقي، تتجه مالي إلى المزيد من العزلة الدولية، مع إمكانية مغادرة قوات "مينوسما" بسبب القيود المفروضة على عملها، ومن ضمنه مراقبة الوضع الحقوقي، ولكن أيضاً مع تناقص عديدها بعد قرار عدد من الدول المشاركة فيها سحب مشاركتها في البعثة.

وأعلنت الحكومة العسكرية في مالي طرد رئيس قسم حقوق الإنسان في بعثة "مينوسما"، غيوم نغيفا - أتوندوكو أندالي (من الكونغو الديمقراطية)، بعد اعتباره شخصاً غير مرغوب فيه. واتهم المجلس العسكري الحاكم حالياً في مالي (بعد انقلابَيْن عسكريين أولهما في صيف 2020 وأطاح الرئيس الراحل إبراهيم بوبكر كيتا)، بـ"أفعال مزعزعة للاستقرار وتخريبية"، وذلك رداً على إلقاء ناشطة حقوقية مالية كلمة أمام مجلس الأمن الدولي في يناير الماضي، ندّدت فيها بالوضع الأمني والحقوقي في مالي تحت حكم العسكر، واتهمت قوات مرتزقة "فاغنر" الداعمة للعسكر بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.

تشكّك البعثة الأممية في مالي بإمكانية بقائها

وقال بيان العسكر إنه "خلال جلسات مختلفة لمجلس الأمن بشأن مالي، انطوت تصرفات السيّد أندالي على اختيار جهات انتحلت لنفسها لقب ممثل المجتمع المدني المالي، متجاهلة السلطات والمؤسسات الوطنية". وتحدث البيان عن "تحيّز أندالي الذي كان أكثر وضوحاً خلال المراجعة الأخيرة لمجلس الأمن حول مالي" (في 27 يناير)، في إشارة إلى المداخلة التي قدّمتها أميناتا شيخ ديكو، ممثلة للمجتمع المدني المالي، أمام المجلس.

وكانت ديكو، وهي نائبة رئيس مرصد "كيسال" لتوثيق الانتهاكات الحقوقية في وسط مالي ومساعدة الضحايا، قد سلّطت الضوء في مداخلتها أمام مجلس الأمن على الانتهاكات التي ارتكبها "الإرهابيون" في مالي، وتورط "شركاء عسكريين روس" في "انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي".

مالي... حقوق الإنسان في المجهر الأممي

وليست مداخلة ديكو وحدها ما أثارت حفيظة السلطة العسكرية في مالي من المنظمة الأممية، إذ إن خبراء أمميين كانوا دعوا في 31 يناير الماضي أيضاً إلى إجراء تحقيق مستقل في جرائم الحرب المحتملة والجرائم ضد الإنسانية من قبل القوات المالية وعناصر "فاغنر" في مالي. وردّت الحكومة المالية السبت الماضي، على دعوة الخبراء ببيان رفضت فيه "المزاعم" الأممية وأكدت التزامها احترام حقوق الإنسان وفقاً للقانونين الدولي والوطني.

ويأتي إجراء طرد المسؤول الأممي في سياق التصعيد المتواصل الذي تنتهجه السلطات المالية العسكرية ضد كل أشكال التدخل الدولي في مالي المعمول به منذ عقد، ومنذ التدخل الفرنسي العسكري في مالي (عمليتا سرفال وبرخان) لمحاربة التمرد المسلح في شمال البلاد، وتقدم المقاتلين الإسلاميين في أزواد إلى الجنوب.

تتذرع السلطات الحاكمة بحماية أمنها القومي لتبرير إجراءات الطرد

وأدى هذا التصعيد واستدعاء السلطات العسكرية مرتزقة "فاغنر" لدعمها في عملياتها العسكرية ضد المسلحين المتطرفين الذين كثفوا قتالهم وتوسعوا في مناطق نفوذهم، إلى إعلان فرنسا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إنهاء مهمة "برخان" في مالي، وهي تدرس اليوم استراتيجيتها الأفريقية الجديدة، في ظلّ التراجع الدراماتيكي الذي أصاب علاقاتها أخيراً مع دول منطقة الساحل وعدد آخر من الدول الأفريقية التي كانت الدولة المستعمرة السابقة تتمتع فيها بنفوذ تاريخي.

وينسحب التوتر على علاقة الطغمة العسكرية في مالي بالبعثة الأممية. ويعتبر التوتر بين الطرفين متبادلاً، وفي سبتمبر/أيلول الماضي، خرجت تظاهرة حاشدة في العاصمة المالية تندد بعمل البعثة في مالي وتطالب برحيلها. وحمل المتظاهرون في الأعلام الروسية، مؤكدين أن القوات الأممية لم تفعل شيئاً لبلادهم، ومتهمين إياها بأنها "مجموعة من المرتزقة".

وفي يناير الماضي، أصدر رئيس السلطة الانتقالية في مالي الكولونيل أسيمي غويتا، عفواً عن 49 جندياً من ساحل العاج، اعتقلوا في مالي العام الماضي، وأدينوا بتهمة التآمر على الدولة، فيما أكد المعتقلون أنهم من قوات البعثة الأممية. وأعلنت ساحل العاج في نوفمبر الماضي، أنها ستسحب قواتها العاملة في مالي بإطار "مينوسما" تدريجياً، جرّاء ذلك. كما أعلنت بريطانيا وألمانيا عزمهما على سحب جنودهما من البعثة بحلول الصيف المقبل، بالإضافة إلى إعلان السلفادور والسويد وبنين ومصر عزمها المغادرة.

وقبل المسؤول الحقوقي الأممي، كانت سلطات مالي العسكرية قد طردت في يونيو/حزيران الماضي المتحدث السابق باسم البعثة أوليفييه سالغادو، على خلفية أزمة جنود ساحل العاج.

من جهتها، تشكك البعثة الأممية في مالي، التي تمّ التجديد لمهمتها عاماً إضافياً في يوليو/تموز الماضي، بإمكانية بقائها في هذا البلد، على اعتبار أن ظروف استدامة هذا الوجود أصبحت غير موجودة. وجاء التجديد في مجلس الأمن الدولي مع امتناع الصين وروسيا عن التصويت لصالحه، بعدما تضمّن تشديداً على أهمية عمل البعثة في مجال مراقبة الوضع الحقوقي في مالي، وهي نقطة منحت مساحة إضافية في قرار التجديد الأخير.

وبحسب مسودة تقرير أممي سرّب للإعلام الشهر الماضي، فإن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس رأى أن "مينوسما هي قوة لحفظ السلام في بلد لا يوجد فيه سلام"، مشيراً في الوثيقة التي قدّمت إلى مجلس الأمن إلى أن البعثة أصبحت تفتقر إلى الدعم الذي كانت تقدمها لها عملية "برخان" الفرنسية، ما جعل البعثة "غير قادرة على تلبية تطلعات الشعب المالي والمجتمع الدولي".

(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)