بوركينا فاسو تضيق بالقوات الفرنسية: صفعة جديدة لباريس في أفريقيا

بوركينا فاسو تضيق بالقوات الفرنسية: صفعة جديدة لباريس في أفريقيا

25 يناير 2023
جندي فرنسي شمال بوركينا فاسو، 2019 (ميشال كاتاني/فرانس برس)
+ الخط -

رغم تأكيد الحكومة في بوركينا فاسو، الدولة الواقعة في منطقة الساحل الأفريقي (غرب أفريقيا)، أول من أمس الإثنين، أنها طلبت من القوات الفرنسية الموجودة في البلاد، الانسحاب، إلا أن باريس تصّر على سماع الطلب من الرئيس الانتقالي للبلاد إبراهيم تراوري، مباشرة، في محاولة لكسب الوقت مع توالي الضربات الموجعة لفرنسا في أفريقيا، وارتفاع المشاعر المعادية لها، وهو ما تستغله السلطات المحلية لكسب الرأي العام.

فرنسا - بوركينا فاسو: تراجع مستمر للعلاقات

ولا يعدو الإعلان الجديد الصادر من واغادوغو سوى استكمال لتراجع العلاقات المستمر بين بوركينا فاسو وفرنسا، منذ وصول تراوري إلى السلطة في 30 سبتمبر/أيلول الماضي، بانقلاب ثانٍ في هذا البلد بعد الانقلاب الأول الذي أطاح روش مارك كريستيان تابوري في يناير/كانون الثاني 2022. وتأتي الصفعة لفرنسا في بوركينا فاسو، والضربة الرمزية الكبيرة لهيبتها المتلاشية في المنطقة، في وقت تسعى روسيا للتمدد في منطقة الساحل، ما دفع الولايات المتحدة أيضاً إلى دقّ ناقوس الخطر.

وتتسارع التحولات في الساحل الأفريقي الذي يئن تحت وطأة التمدد "الجهادي"، لغير صالح الدول الغربية، لا سيما فرنسا، التي ترى مستعمرات سابقة لها تطالب برحيلها على وجه السرعة، في تتويج لمسار سياسي وعسكري فرنسي خاطئ في هذه الدول، أضيف إليه طرح روسيا نفسها بديلا مقبولا لمحاربة الإرهاب، وهو ما يتلقفه قادة دول أفريقية، لتثبيت شعبيتهم بشدّ العصب "السيادي".

وتنشر فرنسا في بوركينا فاسو حوالي 400 عنصر من قواتها الخاصة منذ 2009 في إطار مهمة "سابر"، المستقلة عن قوات "برخان" الفرنسية في مالي، التي أعلنت فرنسا أخيراً انتهاءها، مع تصاعد وتيرة العدائية بينها وبين السلطات الانتقالية في مالي. والمعلومات المتوفرة عن "سابر" تشير إلى أنها مؤلفة من عناصر عسكريين فائقي التدريب، ومهمتها استخبارية، ولا تشارك في تدريب القوات المحلية. وذكرت "إذاعة فرنسا الدولية" أن هذه القوات كان لها الفضل بالتخلص من عدنان أبو الوليد الصحراوي، زعيم تنظيم "داعش" في الصحراء الكبرى (قتل بضربة فرنسية في سبتمبر 2021)، وعبد الملك دروكديل، زعيم تنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي"، المقتول بضربة فرنسية في يونيو/حزيران 2020.

تعمل القوات الفرنسية "سابر" في بوركينا فاسو منذ 2009

لكن هاتين الضربتين، لم تتمكنا من رفع شعبية الوجود الفرنسي في الساحل الأفريقي، وهو وجود أصبحت تحمّله شعوب دول المثلث الساحلي (مالي، بوركينا فاسو، النيجر)، مسؤولية تمدد الجماعات "الجهادية"، التي تقول فرنسا إن وجودها في هذه المناطق هو للقضاء عليها. وفي بوركينا فاسو، أصبحت الجماعات المتطرفة تسيطر على 40 في المائة من أراضي البلاد، وتعمل في الأرياف على تأليب الرأي العام على السلطات، بحجة تواطؤ وتعامل الأخيرة مع الفرنسيين، وتغذية شعور معاداة القوة الاستعمارية السابقة، من منطلق "ديني".

طلب للمغادرة... وآخر للتوضيح

وكانت وكالة الأنباء الرسمية في بوركينا فاسو قد كشفت السبت الماضي، عن طلب السلطات من القوات الفرنسية مغادرة البلاد في غضون شهر. وذكرت وكالة "فرانس برس" الأحد الماضي، أنها اطلعت على نسخة من رسالة أرسلتها الخارجية في بوركينا فاسو إلى باريس، بتاريخ الأربعاء الماضي (19 يناير/كانون الثاني)، وتطلب منها "إنهاء وإغلاق الاتفاق بكامله" (اتفاق الوجود الفرنسي). وأكدت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية آن كلير لوجاندر، أن الطلب قد تمّ تلقيه فعلاً من واغادوغو. لكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قال الأحد إنه ينتظر "إيضاحات" من تراوري متحدثاً عن "غموض كبير". ولمّح إلى الوجود الروسي المتزايد في المنطقة، قائلاً "هناك تخصص للبعض في المنطقة ممن شاركوا في ما نعيشه في أوكرانيا، وأعني أصدقاءنا الروس، يجب الحذر الشديد".

يبدو أن فرنسا تحاول إطالة الوقت قبل الإعلان عن انسحابها

وجاء رد الحكومة الانتقالية في بوركينا فاسو الإثنين، ليؤكد طلب المغادرة. وقال المتحدث باسمها جان إيمانويل ويدراوغو: "نحن ننهي الاتفاق، لكنها ليست نهاية العلاقة الدبلوماسية بين بوركينا فاسو وفرنسا". واعتبر أن "إنهاء الوجود العسكري الفرنسي طبيعي وقد لحظته شروط الاتفاق، ولا نرى في الوقت الحاضر، طريقة أخرى لجعل الطلب أكثر وضوحاً".

ويبدو أن فرنسا تحاول إطالة الوقت قبل الإعلان عن انسحابها (المنصوص في الاتفاق بأن يكون في غضون شهر بعد طلب بوركينا فاسو)، في ظلّ تعويلها ربما على ما يرد في تقارير عن خلافات داخل السلطة الانتقالية في بوركينا فاسو حول الوجود الفرنسي، وأن الرئيس الانتقالي يواجه صعوبة في إقناع الطغمة العسكرية الحاكمة بقراره طرد القوات الفرنسية. ونقل عن تراوري قوله أمام طلاب في جامعة "جوزيف كي زيربو"، بالعاصمة، في 18 يناير الحالي، إنه "ربما خلال الساعات المقبلة، فإن عدداً من المعلومات ستسمعون بها حول إعادة تقييم علاقاتنا مع بعض الدول، لأنه ينبغي علينا مراجعة بعض النصوص، نريد أن نكون سياديين".

وكانت فرنسا قد فاقمت الشعور المعادي لها في بوركينا فاسو بعد سلسلة مواقف وأحداث. وأقرت الخارجية الفرنسية أن الطغمة الحاكمة في بوركينا فاسو طلبت منها استبدال السفير الفرنسي لوك هالاد، بعدما أدلى بتصريحات إعلامية حول تراجع الوضع الأمني في بوركينا فاسو. كما أعلنت بوركينا فاسو قبل شهر القبض على مواطنين فرنسيين اثنين بتهمة التجسس وترحيلهما. وفي 3 ديسمبر/كانون الأول الماضي، علّقت السلطات بث "إذاعة فرنسا الدولية" في البلاد بعد احتجاج على برنامج اعتبرته "يغذي الإرهاب".

وتسعى السلطات الانتقالية في بوركينا فاسو إلى بناء قوات محلية من أبناء المدن والقرى، للعمل كقوات مساندة للجيش لدحر المتطرفين، وتحاول السلطات إبعاد أي إشارات قد تؤدي لاحقاً إلى حرب أهلية بين المكونات الدينية والقبلية في البلاد. وثار غضب المواطنين في بوركينا فاسو أخيراً بعد قيام مجموعة متطرفة الأسبوع الماضي بخطف أكثر من 50 سيّدة وفتاة بمنطقة أربيندا شمال البلاد، من دون تحريك القوات الفرنسية ساكناً لإنقاذهن، علماً أن المنطقة، بنظر الأهالي، أكثر سهولة للوصول إليها من أخرى تدخلت فيها القوات الفرنسية بعد تعرض مصالحها للخطر. وأدى ذلك إلى عودة التظاهرات الشعبية في العاصمة المطالبة بالخروج الفرنسي، والتي ارتفعت وتيرتها خلال الأشهر الماضية.

(العربي الجديد، فرانس برس)