لبنان: قضية "توقيف" المطران الحاج تتفاقم سياسياً

لبنان: قضية "توقيف" المطران الحاج تتفاقم سياسياً

25 يوليو 2022
غصّ مقر البطريركية المارونية الأسبوع الماضي بوفود شعبية متضامنة (فتحي المصري/فرانس برس)
+ الخط -

شُغلت الساحة اللبنانية في الأيام القليلة الماضية بقضية المطران موسى الحاج، التي أرست مواجهة متعدّدة الجبهات، خصوصاً على ضفّتي رأس الكنيسة المارونية بكركي و"حزب الله". كما برزت مطالبات بإقالة القاضي فادي عقيقي، المعني بالتحقيق، الذي يُتَّهم من قبل الفريق المناهض لحزب الله بأنه ينفذ أجندة سياسية تستهدف البطريرك الماروني بشارة الراعي، وقد وصفه رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع اليوم بـ"الخائن".

ولدى عودته من الأراضي الفلسطينية المحتلة في 18 يوليو/تموز الحالي، أوقف مركز الناقورة الحدودي المطران الحاج، وهو رئيس أساقفة أبرشية حيفا، والنائب البطريركي على القدس والأراضي الفلسطينية وعمّان وأراضي المملكة الأردنية الهاشمية للطائفة المارونية، وعمد إلى مصادرة جواز سفره اللبناني، وهاتفه المحمول، ومساعدات مالية، وأدوية قبل أن يطلق سراحه.

وباعتبار أنها ليست المرّة الأولى التي يتنقل فيها المطران الحاج من الأراضي المحتلة وإليها، وينقل المساعدات، فقد أثار توقيفه الكثير من علامات الاستفهام والشكوك التي دفعت إلى وضع العملية في قالبٍ سياسيٍّ.

أثار توقيف المطران الكثير من علامات الاستفهام باعتبار أنها ليست المرّة الأولى التي يتنقل فيها من وإلى الأراضي المحتلة وينقل المساعدات

وخضع المطران الحاج للتحقيق لأكثر من 10 ساعات أمام مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة القاضي فادي عقيقي قبل إطلاق سراحه، بالتزامن مع استنكارات سياسية ودينية لما تعرّض له، واضعين ما حصل في إطار رسالة موجهة إلى البطريرك الراعي والفريق المسيحي الذي يصوّب تجاه حزب الله، خصوصاً أن القاضي عقيقي، التي تعلو الأصوات المطالبة اليوم بإقالته، مقرّبٌ من رئيس البرلمان نبيه بري، حليف الحزب، وكان ادعى على رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع بـ"أحداث الطيونة" (وقعت في 14 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأسفرت عن مقتل 7 من مناصري الحزب والحركة، خلال تظاهرة لإقالة المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، تطورت إلى اشتباكات عنيفة اتهم فيها الثنائي القوات بالتخطيط لها وافتعالها).

القضية إلى حلّ؟

في هذا الإطار، يشير مصدر في المحكمة العسكرية لـ"العربي الجديد"، إلى أن "التوقيف للتحقيق أتى بناءً على إشارة قضائية مسبقة، في ظل شكوك أثيرت حول المصادر التي ينقل المطران الأموال منها وإليها وأهدافها على صعيد التعامل مع العدو، والتي قد لا يكون المطران على علمٍ بتفاصيلها كونه ينفذ مهامه المنوطة به، وهو سبق أن سُئل عن هذه المسألة، ونفى معرفته بأكثر من اسم لبناني لهم شبهات تعامل مع العدو، تبعاً لذلك تمت مصادرة الأموال وترك المطران بعد التحقيق معه".

واكتفى مصدرٌ مقرّب من القاضي عقيقي بالقول لـ"العربي الجديد"، إن "القاضي قام بواجبه كاملاً، وهو صادر أموالاً بحوالي 460 ألف دولار أتت من أرض العدو ومن قبل عملاء، وتطبق عليها القوانين اللبنانية التي تقاطع العدو".

في المقابل، يصرّ المطران الحاج على أن الأموال التي بحوزته يعمد إلى تسليمها إلى المرضى والعائلات الفقيرة، من قبل لبنانيّين مقيمين في فلسطين المحتلة.

يشير مصدر في المحكمة العسكرية لـ"العربي الجديد"، إلى أن "التوقيف للتحقيق أتى بناءً على إشارة قضائية مسبقة، في ظل شكوك أثيرت حول المصادر التي ينقل المطران الأموال منها وإليها وأهدافها على صعيد التعامل مع العدو

وأكد الأمن العام اللبناني في بيانٍ له، أن التعامل مع المطران كما غيره، يتم وفقاً للأصول والمعايير القانونية والإنسانية، وما قام به العناصر في مركز الناقورة الحدودي هو اجراء قانوني تنفيذاً لإشارة القضاء من جهة، والتعليمات الخاصة بالعبور من وإلى الأراضي الفلسطينية المحتلة التي يخضع لها كل العابرين من دون استثناء، من جهة أخرى.

بدوره، يشير رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبدو أبو كسم لـ"العربي الجديد"، إلى أن هذه الأموال هي أمانات كانت بحوزة المطران لا تزال مصادرة بحجة أنها أُدخلت بطريقة غير شرعية، ومن بلد عدو، ولكن يجب إعادتها، وهذه ليست المرة الأولى التي يقوم فيها المطران بنقل الأمانات إلى لبنان، من هنا نتوقف عند توقيت العملية، والتي نرى أنها تأتي في إطار شدّ الحبال ونقل الرسائل السياسية.

ويقول أبو كسم إن القضية يجب أن تُحلّ، ونحن انتقلنا إلى مرحلة حل الموضوع، من دون أن يدخل في التفاصيل.

وغصّ مقرّ البطريركية الأسبوع الماضي بوفودٍ سياسية ودينية وحزبية ودبلوماسية وشعبية للتضامن مع بكركي بوجه ما اعتبروه "استهدافاً" تعرّضت له، وكان من بين زائري البطريرك الراعي حليف حزب الله، رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، الذي يحرص في هذا التوقيت بالذات على عدم تعكير علاقته بالبطريرك الماروني، على مسافة أشهر قليلة من انتخاب رئيس جديد للجمهورية يُعدّ فرنجية أبرز الطامحين للجلوس على كرسيّها.

وحرص فرنجية على تبرئة الحزب من العملية، باتهامه طابوراً خامساً يريد أن يستفيد من التشنج القائم بين الثنائي الشيعي (حركة أمل وحزب الله) وبكركي، في حين استقبل رئيس الجمهورية ميشال عون المطران الحاج، واستمع إلى ملابسات القضية، ودخل على خط معالجتها، في خطوة ترافقت مع دعم صهره رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل للمطران، وهي مشهدية وُضعت في إطار طبيعي لمرجعية الحاج الدينية، وللإفلات من تهمة الاستهداف.

وعبّر الراعي في عظة الأحد من الديمان (المقر الصيفي للبطريركية المارونية)، الذي غصّ بالحشود الشعبية الداعمة، عن رفضه لـ"هذه التصرفات البوليسيّة ذات الأبعاد السياسيّة التي لا يجهلها أحد"، مطالباً بأن "يُعاد إلى المطران موسى الحاج كلّ ما صودر منه"، واضعاً إياها في إطار "أمانات من لبنانيّين في فلسطين المحتلّة والأراضي المقدّسة إلى أهاليهم في لبنان من مختلف الطوائف".

وتوجه إلى من وصفهم بالمسيئين إلى كرامة اللبنانيين، بالقول "كفّوا عن قولكم إنّ المساعدات تأتي من العملاء، واذهبوا بالأحرى وابحثوا في مكان آخر عن العملاء، وأنتم تعلمون أين هم، ومن هم".

خضع المطران الحاج للتحقيق لأكثر من 10 ساعات أمام مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة القاضي فادي عقيقي قبل إطلاق سراحه، بالتزامن مع استنكارات سياسية ودينية لما تعرّض له

ووجه الراعي رسالة غير مباشرة لحزب الله بالتأكيد أن البطريركية المارونية صامدة على مواقفها لإنقاذ لبنان، بالاستناد إلى منطلقات الحياد الإيجابي الناشط، واللامركزية الموسعة، وعقد مؤتمر دولي خاص بلبنان، لبتّ المسائل المُسمّاة خلافية، ويعجز اللبنانيون عن حلها، غامزاً بذلك من قناة سلاح حزب الله.

وأتى الردّ على الراعي من قبل المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، الذي دعا إلى "عدم الانزلاق للعبة عواطف تمزق البلد، وتأخذه إلى المجهول"، مؤكداً أن "الجميع تحت القانون شيخ ومطران"، مضيفاً أنه "بغض النظر عن المعلومات الأمنية واللوائح الاسمية، المطلوب حماية لبنان وعدم الرأفة بالمواضيع الأمنية والمصالح الوطنية"، مشيراً إلى أم "معاداة إسرائيل مصلحة لبنانية وجودية".

من جهته، شدد رئيس كتلة حزب الله النيابية "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد، على "ضرورة أن يمتلك شركاؤنا مصداقية في سيرتهم ومواقفهم، فالتعامل مع العدو خيانة وطنية وجريمة، والمتعامل لا يمثل طائفة، ولكن ما بالنا إذا عوقب مرتكب بالعمالة فيصبح ممثلاً لكل الطائفة، وتنهض كل الطائفة من أجل أن تدافع عنه"، متسائلاً: "أي ازدواجية في هذا السلوك؟"، مستدركاً: "لكن بكل الأحوال، علينا أن نتعلم من الدروس، وأن نحفظ بلدنا ومواطنينا لأنه لن يبقَى لنا إلا شركاؤنا في الوطن، وإلا وطننا".

في المقابل، كان لافتاً موقف رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، الذي اعتبر أنه "أياً كانت الملابسات وراء توقيف المطران الحاج، إلا أنه من المفيد التنبيه بأن المعالجة الهادئة أفضل من هذا الضجيج، وأن احترام المؤسسات في هذا الظرف الصعب فوق كل اعتبار".

رسالة سياسية لبكركي

وقال رئيس "القوات" سمير جعجع، إن استدعاء المطران الحاج إلى التحقيق رسالة إلى البطريرك الراعي، انطلاقاً من مواقفه الوطنية، داعياً اليوم بعد اجتماع تكتله النيابي، "الجمهورية القوية"، المراجع القضائية إلى إعادة النظر بالمحكمة العسكرية، وكف يد القاضي فادي عقيقي لأنه مفوض قوى الممانعة وليس المحكمة العسكرية.

ووصف جعجع عقيقي بالخائن، آسفاً في الوقت نفسه لأن رئيس الجمهورية يقول إن ليس من صلاحياته ملاحقة القضاء، في حين أن الجميع تهرّب من المسؤولية في قضية المطران الحاج.

أما وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري، فقد التقى الراعي، واعتبر أن ما حصل يفتح الباب على ضرورة معالجة المشكلة الأصل، كاشفاً عن أنه بصدد إعادة تفعيل اللجنة الوزارية التي يرأسها، والتي تتعلق بمعالجة أوضاع "اللاجئين اللبنانيين إلى إسرائيل"، في خطوةٍ حركت رأيا عاما لبنانيا كبيرا ضدّه يعتبر هؤلاء عملاء وليسوا لاجئين.

في السياق، يقول الكاتب السياسي قاسم يوسف لـ"العربي الجديد"، إن المطران الحاج يتردّد بشكل دائم وبإذن رسمي من الدولة اللبنانية وبتغطية مباشرة عبر معبر الناقورة، وينقل بالتالي الأموال والمساعدات بغض النظر عن الموقف القانوني، وهو ما يطرح إشكالية توقيت الحدث اليوم.

ويضيف الكاتب السياسي اللبناني "لا يمكن وضع ما حصل مع المطران إلا في إطار إيصال رسالة سياسية لبكركي، ومحاولة تطويع البطريرك الماروني، خصوصاً أنها المؤسسة الوحيدة في لبنان إلى جانب "القوات"، التي ترفع حتى اليوم الخطاب السيادي نفسه المتعلق بحياد لبنان وسلاح حزب الله، من هنا تأتي في خضم التطورات العربية الإقليمية العالمية رسالة حزب الله بأن لبنان هو جزء من المحور الإيراني، ولن يقوم بأي عملية سلام مع العدو، ولن يكون ضمن أي محور عربي ينشأ في هذا الإطار، وسيتشدد بذلك باعتبار أن أي تواصل مع الإسرائيلي بات ممنوعاً حتى ما كان مسموحاً بالسابق، وبالتالي ما كان مسموحاً للمطران بالقيام به أصبح ممنوعاً، ويوضع في إطار عملية تطبيع غير مرئية مع الإسرائيلي".

المساهمون