كواليس إرجاء التعديل الوزاري المصري

كواليس إرجاء التعديل الوزاري المصري: اعتراضات السيسي وحساسيات الأجهزة

01 اغسطس 2021
فوجئ البرلمان المصري بتأجيل جلسة التعديل الحكومي (فرانس برس)
+ الخط -

كشفت مصادر حكومية مصرية، أن رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي تسبّب في تأخير التعديل الوزاري، الذي كان مقرراً الأسبوع الماضي، لاعتراضه على عدد من الأسماء التي رشحتها المخابرات العامة من الوزراء المغادرين والمرشحين الجدد للحقائب. وأضافت أن السيسي وجّه بدراسة حول إعادة تقسيم بعض الحقائب واسترجاع بعض الوزارات التي سبق دمجها، أو إسناد الإشراف عليها لرئيس الحكومة مصطفى مدبولي، وعلى رأسها وزارة الاستثمار.
وأشارت المصادر إلى أن العرض قبل النهائي لأسماء الوزراء المغادرين والجدد تم رفعه إلى السيسي يوم الأحد الماضي لدراسته، بعدما كان قد وافق مبدئياً على إبعاد بعض الوزراء وقبل اعتذار وزراء آخرين يرغبون في التقاعد أو الابتعاد عن العمل الحكومي. لكن المخابرات فوجئت مساء الأحد الماضي باعتراضات عديدة من الرئاسة على الأسماء المستبعدة والمقترحة، بما في ذلك بعض الوزراء الذين أُبلغوا بالفعل بإبعادهم.

منح السيسي هذه المرة صلاحيات أوسع للمخابرات العامة لاختيار الوزراء

وذكرت المصادر أن النظام اتبع منهجاً جديداً في المشاورات الأخيرة للتعديل، فبعدما كان معتاداً ألّا يتم إبلاغ رئيس الحكومة ونواب البرلمان إلا بعد التوافق الكامل على الشخصيات المختارة بين جميع أجهزة النظام، ثم عقد لقاءات بينهم وبين رئيس الحكومة لتسجيل الملاحظات الأخيرة، منح السيسي هذه المرة صلاحيات أوسع للمخابرات العامة للاختيار والتفاهم مع رئيس الحكومة على الحقائب والمرشحين مع عرض القائمة النهائية عليه قبل إحالتها رسمياً إلى البرلمان.

وأوضحت المصادر أن هذه الطريقة الجديدة غير المعتادة تسبّبت في إثارة بعض الحساسيات بين المخابرات العامة والرقابة الإدارية والأمن الوطني، باعتبار أن الجهازيَن الأخيريَن مكلفان بإعداد التقارير عن الوزراء، لجهة الكفاءة والأداء والسيرة والاتصالات والعلاقات الداخلية. ولفتت إلى أن هذه الحساسيات تسبّبت في تسريب بعض المعلومات عن التعديل قبل إتمامه، إلى نواب حزب "مستقبل وطن" الموالين للأمن الوطني وبعض الإعلاميين القريبين من الجهاز نفسه. وهو ما أثار غضب الرئاسة والمخابرات، لا سيما بعد تداول بعض المعلومات غير الدقيقة عن وزراء يحظون بثقة السيسي بالفعل، وترغب بعض الأجهزة في إبعادهم أو إثارة الشكوك حولهم، أو مرشحين لم يكونوا قد حُسم ترشيحهم لتولي الوزارة.

واستطردت المصادر بأن الرئاسة غضبت خصوصاً من انتشار أنباء عن اعتذار ثلاثة مسؤولين عن استكمال مهامهم، وهم وزراء الخارجية سامح شكري والكهرباء محمد شاكر والاتصالات عمرو طلعت، نظراً لغضب السيسي الشديد من فكرة اعتذار أي مسؤول، وسابقة رفضه اعتذار شاكر تحديداً مرتين عن استمراره في الوزارة. ويعتبر السيسي أن هذه المسؤولية تكليف لا يجوز التراجع عنه إلا بقرار منفرد منه وليس برؤية الوزير أو ظروفه الشخصية.

وارتباطاً بالوزراء الثلاثة تحديداً، أشارت المصادر إلى أنه لم يتم الاستقرار على خلفائهم. لكن تأجيل التعديل مع استبعاد دعوة البرلمان قطع إجازته خصيصاً لإقرار تعديل خلال فترة الصيف، في ظل قرب عقد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك منتصف شهر سبتمبر/أيلول المقبل، وتفكير السيسي بشدة في السفر للمشاركة فيها هذا العام، كلها ظروف ترجح إطالة عهد وزارة سامح شكري، على الرغم من كل الملاحظات التي سجلتها عليه المخابرات العامة، والتي أُبلغت له بصورة رسمية خلال الأسابيع القليلة الماضية.

كما أن السيسي غير متحمس للاستغناء عن خدمات محمد شاكر قبل إيجاد بديل كفء له، يكون على دراية بمختلف المشاريع التي تتشارك فيها الدولة في قطاع الكهرباء والطاقة مع المستثمرين الأساسيين من ألمانيا وروسيا والولايات المتحدة. والأمر نفسه تقريباً يتكرر مع وزير الاتصالات الذي من المقرر أن يقدّم للرئاسة خلال العام الحالي نواة متماسكة لمشروع الربط الرقمي بين جميع أجهزة الدولة، وبدء استخدام الذكاء الاصطناعي في الحوكمة الإدارية. وهو مشروع يهتم به السيسي شخصياً، في إطار تنفيذ خطته لخفض أعداد موظفي الجهاز الإداري وإحكام السيطرة على البيانات الشخصية للمواطنين والشركات والأنشطة.

أما التغييرات التي وجّه السيسي بإجرائها على هيكل الحكومة، فأبرزها، وإن كان لا يزال تحت الدراسة، هو عودة وزارة الاستثمار بعد إشراف رئيس الوزراء عليها لنحو عامين، وذلك لخلق آلية متابعة أكثر دقة للعلاقات مع المستثمرين العرب والأجانب، والمشاكل التي تطرأ معهم وتحركاتهم داخلياً وخارجياً إزاءها. وبحسب المصادر فهذا التصور مرتبط بشكاوى قدّمها بعض رجال الأعمال للرئاسة خلال الأشهر القليلة الماضية، وتفيد بافتقار هذا الملف للمرونة والتفرغ من قبل وزير مدرك جيداً لأبعاد عملهم. ورجحت المصادر إسناد هذه الحقيبة في حال الاستقرار على عودتها إلى مسؤول بارز في وزارة المالية، بترشيح خاص من رئيس الوزراء ووزير المالية محمد معيط، على أن يرتبط تسيير الملف بأعمال المالية وعلى ضوء احتياجاتها المتغيرة، فضلاً عن الإشراف المشترك على لجان تسوية المنازعات.

وتتجه الأمور إلى العكس بالنسبة لوزارة قطاع الأعمال العام، الذي يرى البعض في الرئاسة ودائرة السيسي أن اختصاصاتها ما زالت غير منتجة، في ظل تداخلها مع اختصاصات وزارات أخرى كالتخطيط والاستثمار والصناعة، وضعف مردود جميع الوزراء الذين أداروها بسبب الخلافات مع مسؤولي الشركات القابضة، وصعوبة تنفيذ المهام المسندة إليهم لتحديث هذا القطاع وتغيير سياساته الجامدة.

غضب السيسي من انتشار أنباء عن اعتذار ثلاثة مسؤولين عن استكمال مهامهم

ودُعي مجلس النواب للانعقاد استثنائياً الأسبوع الماضي مع عدم فضّ الدورة البرلمانية الأولى من الفصل التشريعي الحالي، وأُبلغ النواب بالفعل بقرب إجراء تعديل وزاري والاستعداد لضرورة حضور جلسة التصديق عليه. لكن جدول أعمال المجلس خلا من أي موضوع عاجل أو حساس، واكتفى رئيسه حنفي جبالي بمناقشة عدد من الطلبات والشكاوى وتعديلات القوانين المؤجلة غير المستعجلة، في انتظار ورود خطاب التعديل الحكومي في أي لحظة رسمياً من مجلس النواب. في المقابل، حشد حزب "مستقبل وطن" الموالي للسلطة، صاحب الأغلبية، وكذلك "تنسيقية شباب الأحزاب" التابعة للمخابرات العامة، جميع النواب من مختلف المحافظات مع التأكيد على عدم التغيب خلال الجلسات، تحسباً لورود التعديل الحكومي في أي لحظة، وبالتالي الموافقة السريعة عليه.

لكن صحفاً تابعة للمخابرات فاجأت الجميع يوم الإثنين الماضي بنشر نبأ ينفي إجراء أي تعديل وزاري خلال الفترة المقبلة، وقال آنذاك مصدر حكومي مطلع لـ"العربي الجديد" إن "التعديل أصبح عرضة للإرجاء حتى إشعار آخر، حيث لم يتم التوافق على بدلاء عدد من الوزارات المهمة".

وتنص المادة 129 من لائحة مجلس النواب على التصويت على التعديل الوزاري "جملةً واحدة"، فيما تنص المادة 147 من الدستور على أن "لرئيس الجمهورية إعفاء الحكومة من أداء عملها بشرط موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب، أو إجراء تعديل وزاري بعد التشاور مع رئيس الوزراء، وموافقة المجلس بالأغلبية المطلقة للحاضرين؛ وبما لا يقل عن ثلث أعضاء المجلس"، مما يعني أنها أغلبية خاصة تتطلب حضور أكبر قدر من نواب الأغلبية.