كلفة الحرب في أفغانستان وسيناريوهات المستقبل في ظل تقدم "طالبان"

كلفة الحرب في أفغانستان وسيناريوهات المستقبل في ظل تقدم "طالبان"

07 اغسطس 2021
تشارك مليشيات في صفوف قوات الحكومة في محاربة "طالبان" (هوشنغ هاشمي/فرانس برس)
+ الخط -

باتت الولايات المتحدة على وشك سحب آخر جنودها من أفغانستان وإنهاء حرب استمرّت عشرين عاماً، التي أطلقت بعد اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001، فيما اشتدت الحرب بين "طالبان" والقوات الحكومية الأفغانية خلال الأشهر القليلة الماضية. وتحاول "طالبان" الآن السيطرة على عواصم الأقاليم، بعد أن استولت على مناطق إدارية أصغر.

وكانت العمليات الأميركية محصورة أساساً بالحدّ الأدنى منذ توقيع اتفاق مع حركة "طالبان" في فبراير/شباط 2020 ينصّ على رحيلهم مقابل بدء مفاوضات سلام بين الحركة والحكومة، وهي محادثات لا تزال في طريق مسدود. وعند مغادرتهم نهائياً، سيُبقي الأميركيون فقط بعض الجنود في المكان لحماية سفارتهم.

وفي ما يأتي بعض السيناريوهات المحتملة لمستقبل أفغانستان:

- الانسحاب الأميركي هل سينهي الحرب؟

إذا كان هذا الانسحاب الذي يفترض أن يُنجز بحلول 11 سبتمبر، سينهي أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة، فإن النزاع سيتواصل على الأرض الأفغانية. ولا شيء يوحي بنهايته قريباً.

ويبدو أن حركة "طالبان" تراهن على انتصار عسكري يتيح لها إطاحة الرئيس أشرف غني، وهي سيطرت في الساعات الأخيرة على أول عاصمة إقليمية في البلاد. وقال المتحدث باسم "طالبان"، ذبيح الله مجاهد، في تغريدة له على "تويتر" أمس الجمعة، إن إقليم أروزجان أصبح أول إقليم يسقط في يد الحركة، مؤكداً أن مسلحي الحركة أصبحوا يسيطرون على جميع المقار الحكومية داخل مدينة زرنج مركز الإقليم، بما فيها مقر الحكومة الإقليمية والمقر الأمني ومركز الاستخبارات.

ويقول الخبير الأمني الأفغاني باري آريز، في تصريح سابق لوكالة "فرانس برس": "في الوقت الراهن ستتكثف المعارك، وستواجه القوات الأفغانية صعوبات في تصديها عسكرياً وحدها".

وبحسب تحليلات صدرت أخيراً عن أجهزة الاستخبارات الأميركية، فإن "طالبان" يمكن أن تسيطر على البلاد في الأشهر الستة إلى 12 بعد الانسحاب.

وتؤكد كلّ من حركة "طالبان" والحكومة يومياً أنهما ألحقتا خسائر فادحة بالطرف الآخر، لكن من المتعذر التحقق من تأكيداتها بشكل مستقل.

- هل سيتمكن الجيش الأفغاني من حفظ الأمن؟

يبقى هذا الأمر غير معروف، ومن غير المستبعد احتمال اندلاع حرب أهلية. لطالما كان سلاح الجو الأميركي عاملاً حاسماً في النزاع حتى الآن عبر تقديم دعم حيوي للقوات الحكومية حين كانت تواجه مخاطر.

في دليل على القلق السائد، أطلقت الحكومة نداءً لتعبئة مليشيات لمحاربة "طالبان"، ويتخوف بعض المحللين من أن يؤدي ذلك الى تأجيج الوضع بشكل إضافي.

وقال خبير أمني أجنبي رفض الكشف عن اسمه إنه "يجب تنفيذ هذه الاستراتيجية بشكل جيد، وأن تنظم ويجري التحكم بها جيداً، وإلا فإنها قد تأتي بنتائج عكسية".

ومع العودة التدريجية لأمراء الحرب السابقين إلى الساحة، فإن الخطر كبير بأن تغرق البلاد في حرب أهلية وأن تظهر فصائل جديدة مسلحة للاستيلاء على السلطة.

- هل سيكون هناك تسوية سياسية؟

يرغب الرئيس أشرف غني في وقف لإطلاق النار مع "طالبان" بهدف تنظيم انتخابات تنبثق منها "حكومة سلام". رفض الدعوات إلى تشكيل حكومة انتقالية غير منتخبة تشمل "طالبان". لكن الولايات المتحدة تؤيد مثل حكومة الوحدة هذه وتضغط لكي تتوصل حركة "طالبان" والحكومة إلى اتفاق في الدوحة، حيث لا تزال المفاوضات التي بدأت في سبتمبر/أيلول، في طريق مسدود.

ورغم أنها لم تعطِ توضيحات حول نياتها، إلا أن حركة "طالبان" تعتزم أن تقيم مجدداً "إمارة إسلامية" تحفظ حقوق المواطنين بموجب "الشريعة الإسلامية".

وسبق أن أكدت الحركة أنها ستلقي أسلحتها عندما تُشكَّل حكومة تفاوضية مقبولة لجميع أطراف الصراع في كابول، وتذهب حكومة (الرئيس أشرف) غني، مطالبة بإقالة الرئيس أشرف غني كشرط لوقف إطلاق النار.

وأعلن زعيم الحركة هبة الله أخوند زاده، الشهر الماضي، أنه "يؤيد بشدة" تسوية سياسية للنزاع في أفغانستان، "على الرغم من التقدم والانتصارات العسكرية" التي سجلتها الحركة في الفترة الأخيرة.

وجرت أربع انتخابات رئاسية في أفغانستان منذ إطاحة نظام "طالبان" في 2001، واعتمد ملايين الأفغان هذا النظام الديمقراطي والتعددي، رغم أن عمليات الاقتراع غالباً ما تشوبها أعمال تزوير.

ومع العودة الوشيكة، كما يبدو لـ"طالبان" الى السلطة، يتخوف المراقبون من تراجع المسار الديمقراطي. وقال المحلل السياسي راميش صالحي: "في الوقت الراهن، تبدو حركة "طالبان" على قناعة بأنه يمكنها تولي السلطة بالقوة". وأضاف: "هذه معركة ستحدد ما إذا كانت الديموقراطية تنتصر على القوى الأيديولوجية".

- ما مصير الأفغانيات؟

هناك مخاوف قوية من أن تفقد المرأة الحقوق التي اكتسبتها منذ مطلع القرن. حين كانت "طالبان" في السلطة، منعت النساء من العمل ورجمت اللواتي اتُّهمنَ بجرائم مثل الزنا.

بعد سقوط نظام "طالبان"، دخلت العديد من الأفغانيات معترك السياسة أو أصبحن صحافيات أو ناشطات أو قاضيات.

وفي هذا السياق، تؤكد الحركة أنها ستحترم حقوق المرأة وفقاً للشريعة الإسلامية، لكن المدافعين عن حقوق الإنسان يشيرون إلى أنّ الشريعة تُفسَّر بطرق متعددة في العالم الإسلامي.

وقالت الناشطة هوساي أندار: "هناك شعور عام بانعدام الأمن في صفوف النساء اللواتي يعتقدن أن المتطرفين سيودعونهنّ مجددا داخل المنازل". وأضافت: "لكنهن لن يستسلمن هذه المرة، ستكون هناك مقاومة".

- ما هي الآفاق الاقتصادية؟

أفغانستان واحدة من أفقر دول العالم. هي مديونة بشدة وتعتمد على المساعدات الخارجية. ورغم امتلاكها احتياطيات معدنية كبيرة، يرغب جيرانها مثل الصين أو الهند في الاستفادة منها، إلا أن الوضع الأمني لم يتح تطوير نشاط التعدين بشكل كافٍ.

ويأتي قسم كبير من الثروة الوطنية من تهريب المخدرات، وخاصة الهيرويين الذي تُعدّ أفغانستان إلى حدّ بعيد أكبر منتج له في العالم.

في نوفمبر/تشرين الثاني، قطع المانحون الدوليون تعهدات حتى عام 2024، لكن أفغانستان تخشى أن يستغلوا رحيل القوات الأجنبية للتراجع عن وعودهم.

ويقول صالحي إن "الاقتصاد يشهد أساساً تراجعاً كبيراً، ومعدل البطالة الكارثي أساساً، سينفجر".

وتتخذ المعارك في أفغانستان مساراً تصعيدياً مع قرع حركة "طالبان" أبواب العاصمة كابول، عبر هجوم استهدف منزل وزير الدفاع بسم الله خان محمدي، مساء الثلاثاء الماضي. وشكّل الهجوم رسالة من الحركة مفادها أن المعارك لن تتوقف، وأنها ستواصل هجماتها حتى فرض شروطها على السلطات. في المقابل، واصلت القوات الحكومية هجماتها المضادة، مستعينة بسلاح الجو، لوقف تقدم "طالبان" إلى داخل مدن رئيسية عدة.

وتطرح هذه التطورات تساؤلات كثيرة عن جدوى الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وقدرة القوات الحكومية الأفغانية على الصمود بمفردها أمام "طالبان"، في ظلّ استراتيجية أميركية غير واضحة المعالم، لم تضع في الحسبان حجم ضعف قدرات الجيش الأفغاني أمام الحركة المتمرّسة في حروب العصابات منذ تسعينيات القرن الماضي، ولا كيفية مساعدة هذا الجيش بعد الانسحاب.

ويعتبر الرئيس الأفغاني أشرف غني أن قرار واشنطن "المفاجئ" سحب قواتها هو الذي سبّب تدهور الوضع الأمني في بلاده، مشيراً إلى أنه حذّر الأميركيين من أن الانسحاب سيحمل "عواقب".

لكن هذه الحرب كبّدت الأميركيين والأفغان خسائر مادية وبشرية فادحة، كما تظهر البيانات الآتية:

Image
تكلفة الحرب على أفغانستان

(فرانس برس، العربي الجديد)

المساهمون