قضية الصحراء: رهان مغربي على زيادة الدعم الدولي لـ"الحكم الذاتي"

قضية الصحراء: رهان مغربي على زيادة الدعم الدولي لـ"الحكم الذاتي"

15 مايو 2022
وزي الخارجية الإسباني ونظيره المغربي في مراكش، 11 مايو (فاضل سنة/فرانس برس)
+ الخط -

في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى جولة إقليمية جديدة مرتقبة خلال الأسابيع المقبلة للمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، ستيفان دي ميستورا، لمحاولة الدفع بالعملية السياسية إلى الأمام، بدت الدبلوماسية المغربية في موقع قوة، بعدما أثمرت تحركاتها في الفترة الأخيرة، مزيداً من المواقف الدولية المؤيدة لوحدة المملكة الترابية ولمقترح الحكم الذاتي لحل النزاع.

دعم دولي متزايد لمبادرة المغرب حول الصحراء

وبدا أن الدبلوماسية المغربية تمكنت من كسب دعم سياسي جرّاء تأييد عربي وأفريقي ودولي للوحدة الترابية للمملكة. وبرز ذلك خصوصاً حينما أعلن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في 9 مايو/أيار الحالي، موقف بلاده الداعم للوحدة الترابية للمملكة المغربية، والتزامها بالحل الأممي لقضية الصحراء. وهو الموقف ذاته الذي عبّر عنه كل من العراق والبحرين واليمن وغينيا والنيجر وأفريقيا الوسطى ودول أوروبية.

من جهته، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، السفير تانجو بيلغيتش، الخميس الماضي، أن أنقرة "تدافع منذ البداية عن إيجاد حل سياسي لقضية الصحراء الغربية في إطار قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومن خلال الحوار بين الأطراف". وأضاف أن بلاده "تدعم وحدة أراضي وسيادة جميع دول المنطقة داخل حدودها المعترف بها دولياً".

أوروبياً، شكّل اعتبار هولندا في 11 مايو الحالي، أن مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب في عام 2007 "مساهمة جادة وذات مصداقية" في العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة لإيجاد حل لقضية الصحراء، خطوة أوروبية أخرى عزّزت الموقف المغربي وأكسبته زخماً".

قدّم المغرب مبادرته حول الحكم الذاتي في الصحراء في عام 2007

كما أكد وزير الشؤون الخارجية الصربي، نيكولا سيلاكوفيتش، بعد لقائه مع نظيره المغربي ناصر بوريطة على هامش الاجتماع الوزاري التاسع للتحالف الدولي ضد "داعش" الذي انعقد الأربعاء الماضي في مراكش المغربية، على موقف بلاده الذي يعتبر مخطط الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية حلّاً جاداً وموثوقاً لقضية الصحراء.

وأعرب وزير الشؤون الخارجية القبرصي، يوانيس كاسوليدس، خلال مؤتمر صحافي مماثل مع وزير الخارجية المغربي، عن دعم بلاده لمخطط الحكم الذاتي في الصحراء باعتباره حلّاً متوافقاً بشأنه لتسوية النزاع.

وخلال الأسابيع الماضية، عرفت قائمة الدول المؤيدة للمقترح المغربي بمنح الصحراء حكماً ذاتياً، توسعاً لافتاً بإعلان انضمام إسبانيا وألمانيا إلى الولايات المتحدة وفرنسا التي تعتبر المقترح المغربي "جدّياً وذا مصداقية".

رهان مغربي على الدبلوماسية الاقتصادية

وكانت سبقت هذا التوسع دعوة مغربية موجهة إلى الأوروبيين لـ"الخروج من منطقة الراحة الخاصة بها"، وتحذير من العاهل المغربي الملك محمد السادس، في خطاب للأمة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، من أن "المغرب لن يدخل معهم في أي نهج اقتصادي أو تجاري من شأنه استبعاد الصحراء المغربية".

ومساء الثلاثاء الماضي، قال وزير الخارجية المغربي، إن "الدول الراغبة في حل نزاع الصحراء مُطالبة بالانخراط في مبادرة الحكم الذاتي بوصفها الحل الوحيد والممكن لقضية الصحراء من أجل إنهاء معاناة محتجزي مخيمات تندوف".

واعتبر بوريطة خلال مؤتمر صحافي عقده مع وزير الخارجية الإسباني خوسي مانويل ألباريس، قبل انطلاق الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي ضد "داعش"، أن موقف إسبانيا المؤيد للحكم الذاتي في الصحراء يتماشى مع مواقف العديد من الدول الأوروبية والعربية الأفريقية بشأن القضية.

ولئن كانت الرباط قد اعتمدت خلال السنوات الأخيرة، في ظل التغيرات الجيو- استراتيجية وخريطة التحالفات الدولية، استراتيجية جديدة قوامها الدبلوماسية الاقتصادية والسياسية، وربط مبادرة الحكم الذاتي بسياق دولي ينادي بمشروع يكفل الأمن والاستقرار في المنطقة ويحفظ مصالح الدول الكبرى في أفريقيا، إلا أن رهانها على توالي الدعم السياسي لمقترح الحكم الذاتي لحسم النزاع لصالحها يثير تساؤلات مراقبين حول إمكانية تأثيره على آفاق ومسار حل النزاع ومستقبل الوضع القانوني والسياسي للإقليم.

وفي عام 2007، قدم المغرب مبادرته حول الحكم الذاتي في الصحراء باعتبارها "فرصة حقيقية من شأنها أن تساعد على انطلاق مفاوضات، بهدف التوصل إلى حل نهائي لهذا الخلاف (...) على أساس إجراءات توافقية، تنسجم مع الأهداف والمبادئ التي ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة".

وتنص المبادرة المغربية، التي قوبلت برفض جبهة "البوليساريو" والجزائر، على نقل جزء من اختصاصات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية إلى "جهة الحكم الذاتي للصحراء"، ليدبر سكانها "شؤونهم بأنفسهم بشكل ديمقراطي"، بينما تحتفظ الرباط باختصاصاتها المركزية "في ميادين السيادة، لا سيما الدفاع والعلاقات الخارجية"، وكذا ممارسة الملك لاختصاصاته الدينية والدستورية.

بوبكر أونغير: الإشادات الدولية المتتالية بالمبادرة مؤشر على قرب انفراج الملف

وبموجب المبادرة، تمارس جهة الحكم الذاتي اختصاصاتها التنفيذية من خلال "رئيس حكومة ينتخبه البرلمان، ويُنصّبه الملك". في حين يتكون البرلمان من أعضاء "منتخبين من مختلف القبائل الصحراوية".

كما تنص المبادرة على أن سكّان الجهة يتمتعون بكل الضمانات التي يكفلها دستور المغرب في مجال حقوق الإنسان، كما هو متعارف عليها دولياً. في مقابل كل هذا، فإن المغرب يلتزم بمراجعة دستوره وإدراج نظام الحكم الذاتي ضمن فصوله، وإصدار عفو شامل عن كل من صدرت في حقهم أحكام لها علاقة بموضوع الصراع.

استثمار مغربي بالمتغيرات العالمية

وبعد 15 عاماً على طرح هذه المبادرة من قبل الرباط، رأى القيادي السابق في جبهة "البوليساريو"، مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، أن توالي المواقف المؤيدة للحكم الذاتي في الآونة الأخيرة لم يأت من فراغ. ولفت إلى أن مجلس الأمن ما فتئ يشيد بالمبادرة المغربية ويعتبرها ذات مصداقية منذ طرحها، مع دعوته للأطراف إلى التحلي بروح الواقعية في البحث عن حل للنزاع.

واعتبر القيادي السابق في "البوليساريو"، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "مبادرة الحكم الذاتي هي المبادرة الوحيدة التي تنسجم مع ما يطالب به المجتمع الدولي ويراه سبيلاً للحل، في وقت أثبت فيه الطرف الآخر، بتشبثه بحلول غير قابلة للتطبيق، أنه لا يريد حلّاً".
وأوضح أن ذلك "التشبث لم يعطل مسلسل التسوية وحده، بل حتى مصالح الدول وشراكاتها مع المغرب الذي يعتبر شريكاً لا غنى عنه في محيطه الإقليمي والقاري والدولي".

ووفق القيادي السابق، فإن "تشديد المغرب، خصوصاً خلال السنتين الأخيرتين، على ضرورة خروج الجميع من المنطقة الرمادية وإعلان مواقفهم بصراحة، وكذلك اعتراف دول وازنة في العالم أو في المنطقة كالولايات المتحدة وإسبانيا، والذي حرّر الكثير من الدول المترددة، كان لهما الأثر الإيجابي على المغرب في ما يخص مطلبه في نزاع الصحراء".

وبالنسبة للباحث في الشؤون الصحراوية نوفل البعمري، فإن ملف الصحراء يتجه مع توالي الدعم الدولي، سواء للحكم الذاتي أو لمغربية الصحراء، نحو الحل السياسي. ويأتي ذلك بحسب رأيه، خصوصاً أن الاعترافات التي حظي بها في الأيام والأسابيع الاخيرة أتت من دول عربية وغربية لها وزنها وتأثيرها على الملف أممياً.
وبحسب الباحث المغربي، فإن تلك الاعترافات لا تدخل فقط في إطار العلاقات الدبلوماسية بين الدول، بل هي تدخل في إطار انحياز هذه الدول للاختيارات المغربية على مستوى الملف. ولفت في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن الملف يجب أن يتجه نحو الحل والطيّ النهائي على أرضية مبادرة الحكم الذاتي وباحترام كامل للسيادة المغربية على الأقاليم الصحراوية.

من جهته، اعتبر الباحث في العلاقات الدولية بوبكر أونغير، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الإشادات الدولية المتتالية بمبادرة الحكم الذاتي المغربية، مؤشر على قرب انفراج الملف في اتجاه حل واقعي موضوعي، يبدأ بداية ببدء المغرب تنزيل الجهوية الموسعة في أقاليمه الجنوبية في انتظار انعطافة جذرية في حل الملف في الفترة المقبلة.

وبحسب أونغير، فإن جميع المؤشرات السياسية والدبلوماسية الملموسة تؤكد أن الحل المغربي ماض في حصد تأييد عدد كبير من دول العالم في القارات الخمس بشكل متواتر وغير مسبوق، ما يدل على أن المجتمع الدولي سيستثمر المرحلة لطي صفحة نزاع سياسي طال أمده وتعرقل تداعياته استقرار وأمن المنطقة المغاربية وشمال أفريقيا عموماً.

وتوقع الباحث أن تبادر المجموعة الدولية والأمم المتحدة خلال الأيام المقبلة إلى تكثيف جهودها من أجل الضغط على جبهة "البوليساريو" الانفصالية والجزائر، لقبول مبادرة الحكم الذاتي، في ظل ظرف دولي وإقليمي صعب يعيشه العالم نتيجة الحرب الروسية - الأوكرانية وتداعياتها على الأصعدة الاقتصادية وتهديدها المباشر لأسواق النفط والغاز وكذلك استهدافها للأمن الغذائي الدولي.

ورأى أونغير أن المجتمع الدولي بات مقتنعاً بأن حل النزاع في الصحراء المغربية لا يمكن إلا أن يأخذ بعين الاعتبار الأدوار الجيو- استراتيجية الكبيرة التي يلعبها المغرب في عدد من الملفات الدولية الحارقة، كمحاربة الإرهاب والتطرف والتصدي للهجرة غير الشرعية والمساهمة النوعية في حل عدد من القضايا والنزاعات الإقليمية، كالملفين الليبي والمالي".