دراما تهديدات مؤتمر هرتسليا: الجديد والمكرر في التحذيرات الإسرائيلية

دراما تهديدات مؤتمر هرتسليا: الجديد والمكرر في التحذيرات الإسرائيلية لإيران

26 مايو 2023
هليفي من أبرز أصحاب التصريحات الحربية (جيل كوهين ــ ماغن/فرانس برس)
+ الخط -

من سمع التصريحات المتتالية الصادرة عن عدد من كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين الإسرائيليين، خلال "مؤتمر هرتسليا" الذي عُقد في 22 و23 مايو/ أيار الحالي، لمناقشة المخاطر التي تواجهها إسرائيل، وردود الفعل التي أعقبته، يظن أن الحرب على الأبواب، وأن طبولها تُقرع في تل أبيب وتُسمع في طهران ودمشق وفي أوساط "حزب الله".

لكن الواقع أن التصريحات "الجديدة" بشأن قطع إيران شوطاً كبيراً باتجاه امتلاكها سلاحاً نووياً، وتهديد تل أبيب بضرب طهران ومفاعلها النووي، أو حتى "حزب الله" على الجبهة الشمالية، لم تأتِ بجديد، من حيث الرسائل التي حملتها، على الرغم من كل الجلبة التي أحدثتها.

وبمراجعة بسيطة يُلاحظ أن معظم هذه التصريحات هي نفسها منذ سنوات، لكنها جاءت هذه المرة تزامناً مع الأزمة الإسرائيلية الداخلية، والخلافات بين الائتلاف الحاكم والمعارضة بشأن سياسات حكومة بنيامين نتنياهو ومساعيها لتقويض الجهاز القضائي، علاوة على الاحتجاجات المناهضة لها وكل ما يترتب عنها، بما في ذلك خلاف الحكومة الإسرائيلية مع الولايات المتحدة.

الدراما التي رافقت التصريحات والتحذيرات في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ولدى البعثات الدبلوماسية، هي أكبر من حجمها الحقيقي. وفي الواقع، ما منحها زخماً إعلامياً، أنها تواترت وجاءت تباعاً، من قبل شخصيات أمنية وعسكرية وازنة، منها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال هرتسي هليفي، ومستشار الأمن الوطني الإسرائيلي تساحي هنغبي، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أهارون حليوة، ووزير الأمن يوآف غالانت وغيرهم. بالمقابل، ليس غريباً خروج مثل هذه التصريحات، في مؤتمر يُنظم أساساً لمناقشة الهواجس الإسرائيلية، الأمنية والعسكرية، والمخاطر المحيطة بإسرائيل ومناعتها الداخلية.

وباستثناء بعض التفاصيل، فإن عناوين وتصريحات مشابهة حملها "مؤتمر هرتسليا" عام 2014، الذي كان المشهد فيه هو نفسه تقريباً. حينها أيضاً كان النووي الإيراني حاضراً بقوة، وبدت الحرب على بُعد خطوة، مع التحذيرات بأن امتلاك سلاح نووي قد يتطلّب تدخّلاً عسكرياً إسرائيلياً، بمشاركة الولايات المتحدة أو حتى من دونها.

وعلى الرغم من الأجواء "الحربية" التي بثها "مؤتمر هرتسليا"، لكن الحرب ليست على الأبواب. وفرضت الجلبة التي أحدثتها، على الجيش الإسرائيلي تقديم إحاطة في الساعات التي تلت المؤتمر وهزاته الارتدادية، للتوضيح أنه على الرغم من الوضع الإقليمي المقلق، لكن التصريحات الأخيرة لا تنمّ عن وجود حرب على الأبواب على الجبهة الشمالية، أو توجيه ضربة عسكرية لإيران في الفترة القريبة.

كان طبيعياً عندما تخرج هذه التصريحات عن كبار المسؤولين في غضون ساعات قليلة، أن تسبب جلبة كبيرة ودفع وزارات الخارجية الأميركية والأوروبية إلى طلب توضيحات من سفاراتها وبعثاتها الدبلوماسية في تل أبيب، في محاولة لفهم حالة "الاستنفار" في الأوساط الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.

أعلن الجيش الإسرائيلي أنه لا يوجد ضربة لإيران قريباً

بل حتى الأسواق شهدت ردة فعل أضعفت العملة الاسرائيلية (الشيكل) أمام الدولار واليورو لأقل سعر صرف له منذ ثلاث سنوات، متأثرة بالخطابات حول إيران و"حزب الله"، ولكن أيضاً بإقرار الموازنة العامة في إسرائيل، التي لاقت انتقادات واسعة وتحذيرات من سياسيين في المعارضة ومن خبراء اقتصاديين.

رسائل داخلية وخارجية

حملت التصريحات عبر "مؤتمر هرتسليا" وخارجه، رسائل داخلية للإسرائيليين أنفسهم لتوحيد صفوفهم والاستعداد لجميع السيناريوهات. كذلك حملت رسائل خارجية لإيران وحلفائها، وكذلك للدول الأوروبية والولايات المتحدة والعالم لممارسة المزيد من الضغط على إيران، في ظل رفض إسرائيل لأي اتفاق قد يجري التوصل إليه بين إيران والولايات المتحدة ودول أخرى، لرفع العقوبات الاقتصادية عن إيران التي أعاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب فرضها بعد انسحابه من الاتفاق في مايو/ أيار 2018، مقابل فرض قيود على برنامج طهران النووي.

رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، أهارون حليوة، حذر في كلمة له خلال المؤتمر، من أن الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، على وشك ارتكاب خطأ قد يقود المنطقة إلى حرب. وربما استند حليوة في ذلك إلى عملية مجيدو في مارس/ آذار الماضي التي أدت إلى إصابة شخص إثر انفجار عبوة ناسفة، وحمّلت إسرائيل مسؤوليتها لـ"حزب الله"، متحدثة عن تسلل شخص من لبنان، علاوة على تصريحات الأمين العام لـ"حزب الله" في خطاباته الأخيرة والمناورة العسكرية التي أجراها الحزب يوم الأحد الماضي في الجنوب اللبناني.

وربما كانت الاستخبارات الإسرائيلية تمتلك معلومات عن نيّة "حزب الله" التخطيط لهجوم، ومحاولة تسلل وأسر إسرائيليين، أو عملية في البحر أو البر أو غيرها، وهذه جميعها سيناريوهات كانت دائماً مطروحة إسرائيلياً. وتظن إسرائيل أن ما تغير فعلياً، هو الفهم الخاطئ من قبل إيران و"حزب الله"، بأن المجتمع الإسرائيلي متفكك وضعيف بسبب الخلافات، وأن ثمة فرصة للانقضاض على إسرائيل لتسوية حسابات مفتوحة مع إسرائيل.

ردع علني

تندرج معظم هذه التصريحات بهدف الردع العلني لطهران و"حزب الله"، بالإضافة إلى الرسائل الإسرائيلية التي تصل إلى إيران عبر دول أخرى، بوسائل مباشرة والتفافية يقول حالها: "لدينا معلوماتنا الاستخباراتية ونعلم ماذا تحيكون".

كذلك تخاطب التصريحات الشارع الإسرائيلي في محاولة للملمته وتوحيد صفوفه. وتخاطب أقطاب الحكومة والمعارضة، للكف عن المناكفات في إطار النقاشات الداخلية، والالتفات بدلاً من ذلك إلى رص الصفوف الداخلية، وأن المواجهة الأخيرة مع قطاع غزة ما هي الا نزهة قياساً بما يمكن أن يحدث في حالة الحرب مع إيران، وأن عليهم الاستعداد لجميع السيناريوهات، ولحالة أصعب وأقوى.

واقعية العمل العسكري

حاول المسؤولون الإسرائيليون إيصال رسالة واضحة لإيران بأن عيونهم لا تنام، وأن جميع تحركاتها تحت المجهر، وذراع إسرائيل الطويلة قادرة على الوصول إلى كل مكان، بما في ذلك المنشأة الجديدة التي تعمل إيران على بنائها، تحت الأرض، في جبال زاغروس لتحل محل مركز مكشوف لتصنيع أجهزة الطرد المركزي في منشأة نطنز النووية القريبة التي تعرضت لانفجار وحريق في يوليو/ تموز 2020، بحسب ما ذكرت وكالة "أسوشييتد برس" يوم الاثنين الماضي، فيما نفت إيران صحة المعلومات.

ومع الأخذ بالاعتبار تعرّض مواقع ومنشآت إيرانية للهجوم، فضلاً عن اغتيال عدد من العلماء الإيرانيين على مرّ السنوات الماضية، في عمليات نُسبت إلى إسرائيل، فإن توجيه إسرائيل ضربة مباغتة لإيران أمر وارد، لكن واقعية حدوثه محدودة جداً، بل قد يكون ضرباً من الجنون. وعليه، ستفضّل إسرائيل حتماً العمليات السرية التي تُنفذ وتُنسب إليها، على غرار ما حدث في السابق.

ويعزز هذا الاحتمال تصريحات هليفي، في "مؤتمر هرتسليا" الأخير، بأن "الجيش يمتلك قدرات على العمل في جبهاتٍ بعيدة"، بعد حديث عن تقدمّ أكثر من أي وقت مضى في مجال تخصيب اليورانيوم الإيراني. وفي ذات الوقت، لم يخفِ هليفي إمكانية شنّ عملية للتصدي لهذا التهديد، على حد وصفه.

وينسجم ذلك مع تصريحات رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي، خلال المؤتمر نفسه، بأن "ما تقوم به إيران يحد من القدرة على استهدافها، لكن لا يوجد مكان لا يمكننا الوصول إليه"، وأن "إسرائيل ستتصرف إن أتاحت الولايات المتحدة لإيران الوصول إلى نقطة اللاعودة".

هنغبي نفسه، قبل تولي منصبه الحالي، سبق أن توقّع في تصريحات، أدلى بها في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، خلال مقابلة مع القناة 12 الإسرائيلية، أن نتنياهو سيهاجم إيران في ولايته الحالية. وقال: "بتقديري نتنياهو سيعمل في ولايته الحالية على إبادة النووي الإيراني. بتقديري لن يكون لديه خيار آخر. إن لم يفعل ذلك، فإن إسرائيل ستواجه خطراً وجودياً".

وبعيداً عن التصريحات، سبق أن تدرّب الجيش الإسرائيلي، في مايو 2022، على الخطة الكاملة للهجوم على إيران، في الوقت الذي أعربت فيه إسرائيل مراراً عن امتعاضها من الجهود الدولية لكبح جماح النووي الإيراني.

وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى بناء إيران منشآت سرية علاوة على المنشآت الثماني المعروفة لها. وتدرك إسرائيل أن ثمة موقعين أساسيين سيؤدي ضربهما إلى عرقلة تطوير السلاح النووي بشكل كبير، هما منشأة تخصيب اليورانيوم في نطنز، ومنشأة فوردو.

تهدف معظم التصريحات إلى توحيد صفوف الشارع الإسرائيلي

وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن التصريحات الإسرائيلية لن تخرج إلى حيز التنفيذ، على الأقل ليس في المنظور القريب، لأسباب عدة، من بينها حاجة إسرائيل لتعزيز مناعتها الداخلية قبل كل شيء، ولأن شنّ الحرب ضرب من الجنون على أقل تقدير، فضلاً عن حاجتها إلى موافقة واشنطن، حتى لو كرر المسؤولون فيها أن إسرائيل دولة مستقلة وقراراتها من عقلها ويمكنها الاكتفاء بإبلاغ الولايات المتحدة قبل الإقدام على أي عمل عسكري، إن قررت الأخيرة عدم الانضمام إليه.

تغيّرات إقليمية

يتأثر القلق الإسرائيلي في الملف الإيراني بأمور عدة، من بينها توطيد طهران علاقتها بالدول العربية في الآونة الأخيرة، خصوصاً الرياض، وتحسين وضعها، في الوقت الذي تحاول فيه إسرائيل إبرام المزيد من اتفاقيات التطبيع مع دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، على غرار ما يُسمى "اتفاقيات إبراهام" التي وقّعتها مع كل من الإمارات والبحرين.

وربما عوّلت إسرائيل على أن تعزيز اختراقها للعالم العربي من شأنه المساهمة في إضعاف إيران وعزلها. كذلك ترى تراجعاً للدور الأميركي في المنطقة، فضلاً عن العلاقات المتوترة بين واشنطن وتل أبيب، بشكل خاص منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية الحالية، على خلفية مواقفها والقوانين التي تقودها بخلاف رغبة الولايات المتحدة، الأمر الذي حال حتى اليوم دون تلقي بنيامين نتنياهو دعوة لزيارة البيت الأبيض.

نتنياهو يبحث عن لقاء مع بايدن

في غضون ذلك، قد يهدأ لهيب التصريحات، مع وصول هنغبي، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، إلى واشنطن الأسبوع المقبل، بحسب ما نقله موقع "والاه" الإسرائيلي عن أربعة مسؤولين إسرائيليين وأميركيين لم يسمهم، لبحث ملف النووي الإيراني ومساعي التطبيع مع دول عربية.

أيضاً، قد يهدأ نتنياهو في حال تلقيه دعوة لزيارة البيت الأبيض، في ظل خلافاته مع إدارة بايدن. ونقل موقع "أكسيوس" الذي تحدث أيضاً عن الزيارة المرتقبة، عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن نتنياهو ومستشاريه يأملون أن يؤدي تعليق التعديلات القضائية، إضافة إلى المفاوضات القائمة مع المعارضة بشأن هذه التعديلات، إلى توجيه بايدن دعوة لرئيس الحكومة الإسرائيلي لزيارة واشنطن. لكن مسؤولين أميركيين قالوا لـ"أكسيوس" إن البيت الأبيض لا يزال يريد معرفة إلى أين ستصل هذه المفاوضات قبل أن يقرر ما إذا كان سيدعو نتنياهو للقاء بايدن.

حرب سيبرانية

عود على بدء، من المرجح تبخّر الخطابات الجديدة القديمة في الأيام القريبة، بشأن الحروب، حتى تعود إلى الواجهة من جديد في مناسبات أخرى أو لدى حدوث تطورات جديدة. مع هذا يجب الالتفات إلى "الحرب السيبرانية" الدائرة بين الدولتين، في ظل اتهام تل أبيب لطهران بالوقوف خلف هجمات القرصنة التي تتعرض لها مؤسسات ومواقع إسرائيلية بين الفينة والأخرى. وتخشى إسرائيل من تطور القدرات الإيرانية في هذا الجانب، على غرار الولايات المتحدة والصين وروسيا، وربما أيضاً إسرائيل نفسها.