خلفيات وأسباب زلزال الاستقالات الجماعية من حركة "النهضة" في تونس

خلفيات وأسباب زلزال الاستقالات الجماعية من حركة "النهضة" في تونس

25 سبتمبر 2021
الاستقالات من حركة "النهضة" بسبب الفشل في مجابهة الانقلاب (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -

تهدد استقالة أكثر من مائة قيادي وازن في حركة "النهضة" التونسية، صباح اليوم السبت، بهز تماسك الحزب الأول برلمانيا وقيادته، بعدما اختار المستقيلون الانسحاب بسبب ما اعتبروه "استحالة الإصلاح من داخل الحركة"، التي فشلت في مجابهة انقلاب 25 يوليو/ تموز الماضي، بقيادة رئيس الجمهورية، قيس سعيّد.
وتفاجأ المتابعون بخبر استقالة 113 قياديا بارزا في "النهضة" في بيان نشر اليوم السبت عقب اجتماع لمجلس شورتها.
وأكد المستقيلون من عضوية الحركة احتجاجاهم على الإخفاق في الإصلاح من داخل الحزب رغم محاولات متواصلة منذ أكثر من سنتين.
وضمت قائمة المستقلين وزراء سابقين ونوابا وقيادات وازنة في مجلس الشورى وهياكل جهوية للحزب، غالبيتهم من مجموعة المائة التي كانت أعلنت معارضتها منذ نحو سنتين لقرار تأجيل المؤتمر الحادي عشر، ونوايا التمديد لرئيس الحركة راشد الغنوشي لولاية جديدة.
وعجل الخلاف داخل مجلس الشورى الذي انعقد أمس برئاسة الغنوشي من استقالة القيادات الغاضبة، التي قدمت عريضة من خمسين نائبا لسحب الثقة من رئيس مجلس الشورى، عبد الكريم الهاروني، ولتعيين قيادات جديدة لمجابهة تطورات الوضع الانقلابي الذي تعيشه البلاد، بحسب ما أكده قيادي بارز لـ"العربي الجديد"، اشترط عدم ذكر اسمه.
وزاد الاحتقان بسبب رفض أي محاولات لتعديل القيادة الحالية للحركة ليتعزز الغضب بسبب ما اعتبروه التفافا على مطالب المنسحبين من خلال تعيين الغنوشي مكتبا تنفيذيا جديدا يضم الوجوه نفسها التي تسببت في الأزمة لقيادة المرحلة، وفق المصدر ذاته، بعد أن كانوا يطالبون بتغيير القيادة وتراجع الشخصيات التي قادت المرحلة السابقة، وفسخ المجال أمام قيادات جديدة أكثر مقبولية في الساحة.
ومن بين الأسماء التي وقعت بيان الاستقالة من الحزب، كل من وزير الفلاحة الأسبق والذي شغل رئاسة حركة "النهضة" في أوج أزمة خلافها مع النظام السابق في التسعينات، محمد بن سالم، ووزير الصحة الأسبق، عبد اللطيف المكي، والوزير الأسبق لحقوق الإنسان والعدالة الانتقالية والنائب بمجلس الشعب، سمير ديلو، وعددا هاما من النواب على غرار جميلة الكسيكسي ونسيبة بن علي ومعز بالحاج رحومة.
وحمّل بيان المستقيلين، المسؤولية، لـ"الخيارات السياسية الخاطئة لقيادة حركة النهضة"، ما أدى إلى "عزلتها وعدم نجاحها في الانخراط الفاعل في أي جبهة مشتركة لمقاومة الخطر الاستبدادي الداهم الذي تمثله قرارات 22 سبتمبر (أيلول) 2021".
وبعد "إجراءات استثنائية" اتخذها في 25 يوليو/ تموز الماضي وجمد بموجبها عمل البرلمان وعطل الحكومة، علق رئيس الجمهورية التونسية الأربعاء الماضي العمل جزئيا بالدستور، ما أثار رفضا واسعا وغضبا لدى عدد من الفاعلين السياسيين الذين تحدثوا عن تشكل ملامح مشروع سعيّد السياسي.

وكانت الرئاسة التونسية قد أعلنت أن سعيّد قرر تولي إعداد مشاريع التعديلات المتعلقة بالإصلاحات السياسية بالاستعانة بلجنة يتم تنظيمها بأمر رئاسي، ومواصلة تعليق جميع اختصاصات مجلس نواب الشعب، ومواصلة رفع الحصانة البرلمانية عن جميع أعضائه، ووضع حد لكافة المنح والامتيازات المسندة لرئيس مجلس نواب الشعب وأعضائه.
في الأثناء اعترف المستقيلون في بيانهم "بالفشل في إصلاح الحزب من الداخل"، محملين "القيادة الحالية المسؤولية الكاملة في ما وصلت إليه النهضة من العزلة في الساحة الوطنية، وفيما انتهى إليه الوضع العام بالبلاد، ما فسح المجال للانقلاب على الدستور وعلى المؤسسات المنبثقة عنه".
وأكد القيادي في النهضة سمير ديلو لـ"العربي الجديد" أن "القرار جاء بعد مشاورات كثيرة ومحاولات للإصلاح من داخل الحركة، ولكن جميع المحاولات باءت بالفشل ولم تبقى هناك أي فرصة للإصلاح من الداخل".
وفسر ديلو ذلك قائلا إن "هذا القرار مرتبط كذلك بخيارات رئيس الحركة راشد الغنوشي الذي يرفض الإصلاح، حيث لاحظنا أخيرا كيف أقدم على تطهير المكتب التنفيذي الجديد من الإصلاحيين"، مضيفا "حركة النهضة وصلت إلى حالة من العزلة بعد 25 جويلية (يوليو)".
وقال إن "القيادة الحالية لم تبق صديقا للتواصل معه وللتنسيق معه للتصدي للانقلاب"، مرجحا ظهور استقالات أخرى بسبب انسداد أفق الحوار داخل الحركة.
وعرفت حركة "النهضة" نزيفا من الاستقالات منذ سنتين بسبب رفض طلبات التغيير والإصلاح من داخلها، حيث سبق أن استقال كل من القيادي البارز عبد الحميد الجلاصي في مارس/ أذار 2020، الذي يعد من بين المؤسسين في الاتجاه الإسلامي (حركة النهضة سابقا)، إلى جانب استقالة الوزير السابق والمستشار السياسي السابق للغنوشي، لطفي زيتون ومدير مكتب الغنوشي زبير الشهودي.
وضاقت قيادات "النهضة" ذرعا بسبب عدم قدرتها على التغيير من داخل الحزب واستمرار تأجيل المؤتمر الذي سيفرز قيادة جديدة وسينهي ولاية الغنوشي بعد استنفاذ دورتين في رئاستها.
وبين القيادي محمد بن سالم في تصريح لـ"العربي الجديد" أن أسباب الاستقالة تعود بالأساس إلى "اليأس من الإصلاح من الداخل.. فمنذ سنوات، وتقريبا منذ المؤتمر العاشر للحزب، حاولت هذه المجموعة الإصلاح من الداخل".
وأضاف بن سالم أن "مجموعة المستقيلين اختارت التحرر من الانتماء لحزب النهضة حتى تساهم في الدفاع عن الديمقراطية في البلاد، لأنه بعد 25 يوليو/ تموز أصبحت النهضة غير قادرة على التنسيق مع بقية القوى بسبب قيادتها".
وبيّن بن سالم أن "النهضة ساهمت بقسط في هذه الأزمة ولم تكن الوحيدة المسؤولة"، مشيرا إلى أنه "كان من المفروض على من أوصل البلاد وساهم في ذلك وأوصل الحركة إلى هذا المستوى من اللا شعبية أن يتراجع وأن يفوض المسؤوليات لقيادة وشخصيات تحظى بالمقبولية المجتمعية حتى يقوموا بتحالفات للدفاع عن الديمقراطية".
وتابع بن سالم "للأسف قد فشلنا في هذا أيضا والجماعة مازالت متمسكة بالقيادة رغَم ما وصلته البلاد، ولم يبق هناك خيار إلا أن نتحرر من القيود ونساهم في الدفاع عن الديمقراطية والحرية"، مضيفا أنه "من الغير المستبعد تماما الذهاب نحو تكوين حزب أو هيكل سياسي جديد".

ودون الوزير السابق عبد اللطيف المكي على صفحته بـ"فيسبوك" قائلا "أشعر بالحزن العميق وأشعر بألم الانفصال، ألم شديد.. لكن لم يبق لي خيار بعد طول المحاولة خاصة في الأشهر الأخيرة. أتحمل مسؤولية قراري الذي اتخذته من أجل بلدي. تجمعنا مواقع العطاء والنضال فلابد من مواجهة الانقلاب من أجل تونس".


واعتبر المحلل السياسي عبد المنعم المؤدب في تعليق لـ"العربي الجديد" أن "الاستقالة غير مفاجئة لقيادة النهضة التي اجتمعت في مجلس الشورى أمس وتم إبلاغها تهديداتهم بالاستقالة في أكثر من مناسبة"، إلا أنه أضاف بأنها "تعتبر بمثابة الزلزال الذي هز الحزب الأول والأكثر تنظيما في البلاد".
وتابع المؤدب قائلا "بعيدا عن توقيت الاستقالة وتداعياتها على وحدة صف النهضة وتماسكها مستقبلا وخصوصا في هذه اللحظات التي تعيش فيها أسوء مراحلها، فإن انقسام الحزب مرتبط بما عاشته البلاد منذ 25 يوليو/ تموز".
وبين أن "ما تعيشه النهضة مشابه لما تعيشه بقية الأحزاب من انقسامات وانشقاقات تعمقت أكثر بتراجع ثقة التونسيين في الأحزاب التي استهدفها الرئيس بشكل واضح من خلال عزلها وتهميشها عن أي حوار أو مبادرة".
وأردف "غير أن هذه الضربة القاصمة التي قسمت وحدة حزب النهضة المتماسك تنظيميا وعقائديا سيزيد من انحساره وعزلته وسيقلص من شعبيته أكثر بانسلاخ قيادات اعتبارية به، منهم مؤسسون في الحزب وأعمدة وقامات مؤثرة ذات شعبية واسعة".

وعلقت القيادية بـ"النهضة"، سناء المرسني، على الاستقالات بالقول "حركة النهضة ليست جماعة أو طائفة كما يروج له دائما، وهي حزب سياسي مدني تصير فيه نقاشات حادة واختلافات جوهرية في التقديرات السياسية وفي كيفية إدارة الحزب، وطبيعي أن تحصل فيه استقالات ومراجعات، ولكن من غير الطبيعي أن نقبل بتخوين أو تجريم من استقالوا، وهم سيبقون دائما وأبدا منتمين لمشروع حركة النهضة وهو أكبر (المشروع) من الأشخاص جميعهم".
وأوضحت في تدوينة على حسابها بـ"فيسبوك" أن ذلك لا يعني أن "من لم يستقل من النهضة لا رأي عنده ولا موقف، مطلقا ففي داخل النهضة أغلبية صامتة و جيل جديد مؤمن بالإصلاح والتغيير من الداخل، وسيفعل ما لم تفعله القيادة الحالية ولا حتى القيادات المستقيلة في جعل حركة النهضة حزبا يستجيب فعلا لما أراده التونسيون يوم وثقوا في النهضة في 2011 وفي 2014 وفي 2019".


وأضافت "المعركة اليوم ليست داخل النهضة، المعركة هي معركة حماية الديمقراطية والدولة من خطر العودة لمربع الاستبداد، واليوم لا راية تعلو فوق راية الوطن".

المساهمون