حسابات الشراكة الأوروبية الاستراتيجية مع مصر

حسابات الشراكة الأوروبية الاستراتيجية مع مصر

21 مارس 2024
لاجئون على الحدود المصرية الليبية، مارس 2011 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين وقعا وثيقة لإطلاق مسار الشراكة الأوروبية الاستراتيجية مع مصر، تهدف لتعزيز التعاون في مجالات الهجرة، الاقتصاد، والأمن الإقليمي.
- الاتحاد الأوروبي يقدم لمصر دعماً مالياً يصل إلى 8 مليارات يورو حتى 2027، يشمل قروض، استثمارات، ومنح، مع تخصيص جزء لإدارة الهجرة وتعزيز الأمن الحدودي.
- الشراكة تعكس الأهمية الجيوسياسية لمصر في استقرار الشرق الأوسط ودورها كمصدر للغاز المسال لأوروبا، مع التأكيد على دورها في مواجهة الهجرة غير النظامية وتأثيرها على الأمن الأوروبي.

وقع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، الاثنين الماضي، على وثيقة الإعلان السياسي المُشترك لإطلاق مسار الشراكة الأوروبية الاستراتيجية مع مصر وزيادة التنسيق والتعاون بين الجانبين في مجالات عديدة تتعلق بالهجرة ودعم الاقتصاد المصري.

ورأى محللون أن الشراكة الأوروبية الاستراتيجية مع مصر تتعلق بأسباب أخرى "جيوسياسية"، نظراً إلى "الأهمية التي تمثلها مصر كدولة مركزية في المنطقة، والدور الذي تؤديه في مجالات منع الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، ومكافحة الإرهاب، إضافة إلى الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، من خلال السعي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة".

قروض بموجب اتفاق الشراكة الأوروبية الاستراتيجية مع مصر

وبموجب اتفاق الشراكة الأوروبية الاستراتيجية مع مصر سيضمن الاتحاد الأوروبي للقاهرة قروضاً بقيمة 5 مليارات يورو حتى العام 2027، واستثمارات بقيمة 1,8 مليار يورو في مجالات مختلفة، إضافة إلى تقديم منح بقيمة 600 مليون يورو، كما سيتم تخصيص 200 مليون يورو لإدارة مسألة الهجرة، ليصبح الإجمالي نحو 8 مليارات يورو.

مصدر مصري: الاتحاد الأوروبي يراهن على الدور المصري في الحفاظ على أمن الشرق الأوسط وإسرائيل

وقال مصدر مصري رفيع المستوى إن الاتحاد الأوروبي "يراهن على الدور المصري في الحفاظ على أمن الشرق الأوسط بصفة عامة وأمن إسرائيل بشكل خاص، وضمان عدم حدوث فراغ جيوسياسي تملأه روسيا والصين ودول الخليج، وذلك بالإضافة إلى الاعتماد على مصر كفاعل أساسي في مجال السيطرة على الهجرة" غير النظامية.

وأضاف المصدر أن "الحكومة المصرية، نجحت على وجه الخصوص، في إقناع الدول الغربية والولايات المتحدة، بأنها تأثرت بالوضع في غزة، مع دخول الحرب الإسرائيلية على القطاع شهرها السادس، وضرورة دعمها مالياً، تحسباً لأي موجات هجرة لسكان القطاع إلى الأراضي المصرية".

وبينما روجت وسائل إعلام مصرية رسمية لاتفاق الشراكة الأوروبية الاستراتيجية مع مصر باعتباره إنجازاً للحكومة المصرية، على الرغم من إخفاء تفاصيله، اعتبر مراقبون أن ما وصفوها بـ"المساندة المالية الأوروبية لمصر"، يمكن اعتبارها "إغراءات وحوافز لشراء المواقف في قضايا معينة، على رأسها مستقبل الوضع في الإقليم، سيما في قطاع غزة".

استقرار مصر ضمانة لأمن المنطقة وأوروبا

من ناحيته، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير حسين هريدي، لـ"العربي الجديد"، إن "استقرار مصر اقتصادياً وسياسياً، هو ضمانة لأمن واستقرار الشرق الأوسط والبحر المتوسط، وبالتبعيّة الأمن الأوروبي".
وأضاف أن الاتفاق المصري الأوروبي، "هو بالأساس لمحاربة الهجرة (غير النظامية) بعد زيادة عدد الشباب المصري الذي يخاطر بحياته في قوارب الموت متجهاً إلى اليونان وإيطاليا، وفي أحيان أخرى يحاول الوصول إلى أوروبا عبر الأراضي الليبية".

بدوره، قال الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عمار فايد، لـ"العربي الجديد": "لا أعتقد أن الاتفاق مرتبط بموقف معين تطلبه أوروبا من مصر بخصوص حرب غزة، لكنّه بالتأكيد ليس منفصلاً عنها".

وأضاف أن "الاتفاق يأتي في سياق خطوات أوروبية مماثلة مع دول أخرى في شمال أفريقيا للتصدي لمسألة الهجرة غير النظامية. طبعاً الاتفاق مع مصر كبير مقارنة بالاتفاق مع تونس أو موريتانيا، وهذا يرجع لأهمية مصر المتزايدة نتيجة تأثرها بالاضطرابات في السودان ومؤخراً غزة، وكلتا الأزمتين تهددان بموجات هجرة غير نظامية عبر مصر إلى أوروبا. فضلاً عن كون مصر نفسها نتيجة الأزمة الاقتصادية باتت مصدراً للهجرة غير النظامية، حيث يتصدر المصريون المهاجرين لدول مثل إيطاليا".

وتابع فايد: "من ثم فإن الاتفاق يستهدف دعم قدرات مصر الأمنية المتعلقة بضبط الحدود، كما يهدف للمساعدة مع صندوق النقد في دعم الإصلاحات الاقتصادية، على اعتبار أن هذا يحد من مخاطر تفاقم الأزمة الاقتصادية المحلية".

وقال: "بالإضافة لذلك، فلمصر أهمية أخرى للاتحاد تتعلق بمستقبل الطاقة، كونها أصبحت أحد مصادر واردات الغاز المسال الذي تعتمد عليه أوروبا كبديل عن الغاز الروسي".

لا استبعاد لأهداف أوروبية لمستقبل قطاع غزة

وعلى الرغم من ذلك، لم يستبعد فايد الأهداف الأوروبية المتعلقة بمستقبل قطاع غزة، قائلاً إن "حرب غزة، وتفاقم الأزمة الاقتصادية المحلية، سرّعا من خطوات التوصل للاتفاق، خاصة وأن احتمال أن تستقبل مصر نازحين من غزة ما يزال قائماً، إذا حدث هجوم على رفح، وبالتالي يريد الاتحاد تقديم الدعم لضمان أن مصر ستتحمل تواجدهم من الناحية الاقتصادية، فضلاً عن دعم قدرات ضبط الحدود لضمان أن النازحين لن يستخدموا مصر كنقطة عبور لأوروبا".

وفي السياق، قال الناشط السياسي والحقوقي رامي شعث، لـ"العربي الجديد"، إن "المساعدات المالية التي أعلن الاتحاد الأوروبي عن تقديمها لمصر، ليست الأولى ولا الوحيدة، فقد أعلنت الإمارات، قبل ذلك، عن 35 مليار دولار، إضافة إلى 10 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، وأخشى أن ذلك سيُدفع ثمنه من دم الفلسطينيين".

عمار فايد: الاتفاق يستهدف دعم قدرات مصر الأمنية المتعلقة بضبط الحدود

من ناحيته، قال الكاتب والمحلل في الشؤون الأوروبية والدولية حسام شاكر، لـ"العربي الجديد"، إن "اتفاق الشراكة الأوروبية الاستراتيجية مع مصر يمثل تتويجاً للعلاقات الاستراتيجية التي جمعت بين الأطراف الأوروبية وغير الأوروبية من جانب، والقاهرة من جانب آخر، في غضون السنوات العشر الماضية ".

وأضاف شاكر: "الجديد في هذا الاتفاق، مسألتان اثنتان، هما: ملف كبح الهجرة عبر المتوسط، وموقع مصر من تطورات القضية الفلسطينية والواقع الإقليمي المترتب على حرب غزة".

وبالنسبة إلى غزة، قال شاكر إن "دور مصر الإقليمي، تأكد بعد حرب غزة، في سلوكها خلال هذه الحرب، حيث أظهرت تعاوناً واضحاً مع الأطراف الغربية في بعض الجوانب، وعملياً لم تُفعل دور معبر رفح الذي كان يفترض به أن يكون ممراً للمساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر، والذي يواجه حرب تجويع".

وأضاف أن "مصر أيضاً من الناحية الواقعية، أقصت ذاتها اختيارياً عن أن تكون طرفاً فاعلاً في ترتيبات قطاع غزة، على الأقل عبر مساندة الشعب الفلسطيني، وهناك أدوار أوروبية تتقدم في الآونة الأخيرة على حساب الدور المصري".

وأوضح أن "الترتيبات التي جرت في قبرص من خلال الإعلان عن ممر مائي، وترتيبات معينة لرصيف بحري، هذه كلها تأتي على حساب الدور المصري في قطاع غزة، ودور معبر رفح، ونفوذ مصر التقليدي، من خلال استحضار أدوار أوروبية وأميركية ودولية إلى قطاع غزة، وتحييد الدور المصري".

وتابع: "على هذا الأساس نفهم أن مصر حصلت على تعويضات معينة عن هذا التعامل، أو السكوت أو التراخي في التعامل مع هذا التطور الجديد الذي يقضم عملياً من الدور المصري الذي تخلت عنه، وغضت الطرف عن وجود معادلة دولية يراد فرضها في التعامل مع قطاع غزة، بصفة تتجاوز حقيقة أن رئة القطاع كانت عملياً هي مصر".

وفي ملف الهجرة، أوضح شاكر أن "الاتحاد الأوروبي لديه سياسات وتوجهات معلنة فيما يتعلق بتحويل أعباء الهجرة -أي طالبي الهجرة واللجوء بشكل غير نظامي- إلى دول العبور، لتصبح حائط صد في مواجهة هذه التدفقات البشرية، وهذا يعني ترحيل الأزمات إلى هذه الدول، مقابل عطيات مالية، وترتيبات ثنائية، دائماً تأخذ شكل إغراءات".

وأشار إلى أن "مصر ودول الشمال الأفريقي عموماً العربية كانت تصدر تصريحات توحي بأنها لن تقوم بدور حرس الحدود الأوروبي، وكان يصدر هذا أحياناً عن بعض المسؤولين العرب في شمال أفريقيا".

وتابع: "من واقع الممارسة، فمن الواضح أن ثمة توجها لتفاهم مع الأوروبيين في هذا الملف، الذي يمثل أولوية أساسية بالنسبة للسياسات الأوروبية المشتركة، وهذا يعني أن القاهرة، ستقوم من الآن بدور جديد أكثر من أي وقت مضى، في منع وصول اللاجئين أو طالبي الهجرة غير النظامية عبر أراضيها نحو سواحل المتوسط الأوروبية، وهذا سيؤدي إلى ظاهرة تكديس البشر في البر المصري، ونشوء أزمات متفاقمة فيها، وبالتالي هي عملية ترحيل موضعي للأزمات، التي كان من المفترض أنها ستحدث في العمق الأوروبي، أو في أماكن التكدس في بعض الجزر والسواحل الأوروبية الجنوبية، لتصبح عملياً في بلدان العبور".

وفي المجالات الأخرى، قال شاكر: "كانت هناك علاقات متقدمة بين القاهرة والجانب الأوروبي، وتطورت في السنوات الأخيرة، تحديداً من خلال الحاجة الأوروبية لتعزيز موارد الطاقة من خلال مصادر متعددة، وبرز دور مصر في مسألة الغاز بشكل واضح، بدءاً من حرب أوكرانيا، لتأخذ بعداً استراتيجياً".