حرب غزة تخيّم على الانتخابات المحلية في الداخل الفلسطيني المحتل

حرب غزة تخيّم على الانتخابات المحلية في الداخل الفلسطيني المحتل

27 فبراير 2024
من تحرك ضد الجريمة في الداخل الفلسطيني، حيفا أغسطس 2023 (مصطفى الخروف/الأناضول)
+ الخط -

تخيّم أجواء الحرب في غزة على انتخابات السلطات المحلية، التي تُجرى اليوم الثلاثاء في إسرائيل والمناطق العربية في الداخل الفلسطيني. وأدت الحرب إلى غياب زخم الحملات الانتخابية المعتادة في البلدات العربية، التي تمر في واحدة من أخطر مراحلها، على مستوى تقليص ميزانياتها واستشراء العنف والجريمة، وتطرف الحكومة، وازدياد التطرف على المستوى الإسرائيلي العام وعوامل أخرى، ما دفع الكثيرين للعزوف عن ترشيح أنفسهم.

وفي المدن المختلطة، التي يجتمع فيها ممثلو المجتمع العربي في بلدية واحدة مع الإسرائيليين، مثل يافا وحيفا وعكا واللد والرملة، تتخوّف جهات عربية من خطر إفراز الانتخابات ممثلين رؤساء وأعضاء إسرائيليين متطرفين، على شاكلة الحكومة الحالية، ما قد يؤثر على الحياة داخل تلك البلدات ويشكل خطراً على سكانها العرب، أو على أقل تقدير تمييزاً غير مسبوق ضدهم، عدا عن مظاهر الاستفزاز وغيرها. وآثرت قوائم عربية في هذه البلدات توحيد صفوفها في محاولة لإيصال أكبر عدد من الممثلين إلى البلدية ومواجهة التحديات مجتمعين.
وعلى الرغم من المنحى العائلي للانتخابات المحلية في معظم أنحاء المجتمع العربي، يُخشى من تراجع نسب التصويت بسبب تأثر الناس بالحرب، التي خلّفت نوعاً من عدم الاكتراث بأي شيء آخر.

انتخابات حاسمة في الداخل الفلسطيني

يعرب رئيس بلدية عرابة البطوف عمر نصار، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن اعتقاده "أن هذه الانتخابات حاسمة والأكثر أهمية في تاريخ المجتمع العربي لسببين، أولهما استفحال الجريمة في مجتمعنا، وهذا يلقي بثقله على عمل السلطات المحلية وإدارتها وموظفيها وخدماتها للمواطنين". وأضاف: "تنتظر السلطات المحلية فترة عصيبة وتحديات كبيرة".

أما السبب الثاني، يقول نصار، فهو "سياسة الحكومة الإسرائيلية والمؤسسة الرسمية في إسرائيل، وهي سياسة غير مسبوقة في تطرفها". ويضيف: "السياسة الرسمية المتعاقبة ظلمتنا وحرمت مجتمعنا من كل أشكال التطور في البنى التحتية ومسطحات البناء والتعليم والرفاه والاقتصاد، وكل مجالات الحياة، بحيث حرمتنا من كل شيء، والآن الحكومة الحالية تريد أن تُجهز علينا من خلال حرماننا من الميزانيات الضئيلة والشحيحة أصلاً".

نصار: السياسة الرسمية المتعاقبة ظلمتنا وحرمت مجتمعنا من كل أشكال التطور

وبدأت الحكومة الإسرائيلية الحالية بوضع اليد على مقدّرات المجتمع العربي وميزانياته، من خلال قرارات مثل شطب 15 في المائة من ميزانياته، بالإضافة إلى 5 في المائة التي ستقلّص بشكل عرضي من كل الوزارات. كما أن هناك ميزانيات ألغيت تماماً.

ويرى نصار أن هذا "يضعنا أمام تحدٍ كبير، ففي ظل حاجة مجتمعنا لمزيد من البرامج والخطط والميزانيات، تلغي الحكومة الميزانيات الشحيحة المخصصة لهذا الغرض"، مضيفاً: "نحن نطالب دائماً بأن تكون هناك خطط ومشاريع لتطوير مجتمعنا ضمن الميزانية العامة للدولة، وأن تشتمل على بنود في كل الوزارات لا يمكن إلغاؤها متى شاءت الحكومة". ويتابع: "عقبة أخرى نواجهها أن هناك ميزانيات لا نستطيع استغلالها لأن الوزارات تضع عراقيل كثيرة، وهذا تحدٍ آخر سنواجهه في الفترات المقبلة أيضاً".

حرب غزة والتحريض

تعرّض العديد من رؤساء السلطات المحلية العربية في الفترة الحالية التي بدأت منذ عام 2018، إلى تحريض وملاحقات أحياناً بسبب إبداء مواقف وطنية، وذلك في إطار التضييق المتزايد على حرية التعبير في المجتمع العربي، ومن شأن هذا التأثير أكثر على برامج السلطات المستقبلية.

يقول نصار في هذا الجانب: "لدي تجربة في هذا الموضوع. تعرضتُ لمضايقات وملاحقات، وطالبتْ جهات إسرائيلية متطرفة منها استيطانية، بإخضاعي للتحقيق وإقالتي من رئاسة البلدية ومنعي من الترشح، وهناك رؤساء بلديات يواجهون مثل هذه الملاحقات بسبب مواقف سياسية". ويضيف: "لقد لاحقوني بسبب تنظيم مهرجان تراثي فني، بعدما رأينا أن الاستثمار في هذه الجوانب من شأنه الحد من العنف والجريمة، وأرادوا محاكمتنا على خلفية المضامين الوطنية التي عُرضت في المهرجان". ويؤكد أن "هناك محاولات دائمة لتدجين المجتمع العربي، والآن يريدون تدجين منتخبي الجمهور وهذا أمر خطير، وإذا نجحت هذه الخطة فعلى الدنيا السلام بالنسبة لمجتمعنا ومستقبله وقضاياه المفصلية والمهمة".

تراجع المرشحين

حول محاولات جهات إجرامية فرض نفسها على السلطات المحلية، فيما تغضّ الحكومة بصرها عن الموضوع، يقول نصار إن "هناك ظاهرة في مجتمعنا العربي في الداخل وهي قلة المرشحين في العديد من البلدات. أيضاً عدد من الرؤساء آثروا عدم ترشيح أنفسهم مرة أخرى".

ويعرب عن خشيته من "أن يكون هذا الخروج من الحياة العامة مرتبطاً بواقع الجريمة والضغوط والابتزازات في سلطاتنا المحلية"، مضيفاً: "يجب ألا نُهزم أمام هذه الضغوط، هذا صعب وخطير ويلقي بظلاله على الحياة العامة داخل كل بلدة، وعلى حياة رئيس السلطة المحلية والموظفين أحياناً، وهذا يخلق جواً عاماً متوتراً وينذر بالكثير من المخاطر على مجتمعنا وأجوائه وعلاقاته ونسيجه الاجتماعي". ويشدد على أن "هناك مسؤولية على الحكومة، فقضية محاربة الجريمة هي من مسؤولية المؤسسة الرسمية، والدولة إذا قررت واقتنعت بأنها يجب أن تحارب وتقتلع الجريمة، فستقوم بذلك مثلما فعلت في المجتمع اليهودي".

أزمات متتالية

من جهته، يقول رئيس اللجنة القُطرية لرؤساء السطات المحلية العربية، رئيس مجلس عارة ـ عرعرة المحلي مضر يونس، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الدورة الأخيرة شهدت العديد من الأزمات، ابتداءً من جائحة كورونا وصولاً اليوم إلى الحرب، وبينهما تبدلت عدة حكومات، وهذا أثّر بعدم توفّر الميزانيات اللازمة وبالتالي على عمل السلطات المحلية".

ويضيف: "هناك تصاعد في العنف والجريمة، أثّر بشكل عام على السلطات المحلية، وسط جو عام لم يكن سهلاً. ومع انطلاق الحكومة الحالية تغيّرت السياسات ككل وقررت إلغاء ميزانيات التطوير. ولا أستبعد أيضاً أن تكون هناك محاولة من قبل منظمات الإجرام لفرض نفسها على السلطات العربية".

يونس: قلقنا سيكون أكبر بعد الحرب، لأننا نرى أن التوجه في الشارع الإسرائيلي يزداد نحو اليمين والمواقف المتشددة

ويعتبر يونس أن "كل ما سبق يندرج في إطار السياسة العامة للدولة ضد الجماهير العربية والتي ستتفاقم"، متابعاً: "قلقنا سيكون أكبر بعد الحرب، لأننا نرى أن التوجه في الشارع الإسرائيلي يزداد نحو اليمين والمواقف المتشددة في السلطات المحلية وعلى المستوى العام. وحتى من كان بإمكاننا نوعاً ما تسميتهم باليسار أو الوسط، صعب جداً قول ذلك عن معظمهم اليوم، وهؤلاء قد يستمرون بإفراز حكومة متطرفة وسياسة متطرفة وممثلين متطرفين في السلطات المحلية، وكل هذا يؤثر على مجتمعنا". ويضيف: "لا يُنظر إلينا كمواطنين لنا حقوق، وإنما تحاول المؤسسة الرسمية مساومتنا بربط الميزانيات بسلوكيات معيّنة من قبل مجتمعنا وسلطاتنا".

يونس قرر عدم الترشح مرة أخرى، وبالتالي لن يبقى رئيساً للجنة القُطرية التي خاض عبرها من خلال الرؤساء نضالاً مشتركاً ضد الجريمة وللمطالبة بميزانيات وغيرها، ويرى أنه "يجب الحفاظ على اللجنة القُطرية وقوتها. فالرؤساء منتخبون بشكل مباشر من الجمهور، وهذا أكبر تمثيل واقعي للمجتمع العربي، وكلما كان الموقف أكثر ترابطاً في اللجنة القُطرية، إضافة إلى خوض نضالات مشتركة، فهذه أدوات مهمة لمحاربة السياسات التي تحاول الحكومة فرضها علينا. يجب أن تكون قوية للتعامل مع قضايانا الجماعية كمجموعة وليس كأفراد".

ويختتم بالقول: "لا شك أن الوضع مقلق والجو العام بسبب الحرب وغيرها يقود لعزوف عن الانتخابات، لكن هذا أمر لا بد منه. أيضاً الكثير من الأشخاص المناسبين للترشح عزفوا عن دخول الانتخابات للسلطات المحلية سواء للرئاسة أو العضوية، وهذا أمر مقلق".