جماعات "التفوق الأبيض" الأوروبية منقسمة بين روسيا وأوكرانيا

جماعات "التفوق الأبيض" الأوروبية منقسمة بين روسيا وأوكرانيا

11 مارس 2022
تؤمن جماعات الفاشية والنازية باستخدام العنف لتحقيق أهدافها- هلسنكي 2018 (Getty)
+ الخط -

خلف حالة التضامن الأوروبي مع أوكرانيا، يسود سجال وقلق من تنامي استغلال جماعات الفاشية والنازية الجديدة الغربية، خصوصاً في "مجموعة دول الشمال" (فنلندا والسويد والنرويج وأيسلندا والدنمارك)، للحرب من أجل مزيد من اكتساب خبرات قتالية، وجذب المزيد من المتطوعين في صفوفها. ورغم ذلك تشير بعض المصادر الخاصة بـ"العربي الجديد" إلى انقسامات في صفوفهم حول الجانب الذي يقاتلون معه.

دان يورنسون: علاقة نازيي الشمال ببعض الأطراف الروسية لم يعد من الممكن إخفاؤها

والحديث هنا يدور عن جماعات الفاشية والنازية، التي تؤمن باستخدام العنف لتحقيق أهدافها. ففي "مجموعة دول الشمال"، يذكر الباحث في الحركات الفاشية، دان يورنسون، الموجود في كوبنهاغن، لـ"العربي الجديد"، أن "علاقة نازيي الشمال ببعض الأطراف الروسية لم يعد من الممكن إخفاؤها".

ويؤكد أن "النقاشات الداخلية في صفوف تلك الجماعات تكشف أيضاً انقساماتها بين الطرفين الروسي والأوكراني". ويوضح أن "أوكرانيا، مثل روسيا، شكلت منذ 2014 حالة جاذبة للمتطرفين، وهو ما حاولت كييف تجنب الحديث عنه خلال السنوات الماضية".

ومع تزايد دعوات التطوع وحمل السلاح من الأوروبيين، فإن كواليس الأجهزة الاستخبارية والأمنية تتابع انعكاسات الآثار المستقبلية لسفر مجموعات النازية الجديدة للقتال إلى جانب طرفي الصراع.

فاشيو اسكندنافيا... بين القيصرية وآزوف

منذ أن غزت روسيا شبه جزيرة القرم، في عام 2014، برز تحت سطح الأحداث عمق علاقة أطراف نازية اسكندنافية، خصوصاً من "جبهة مقاومة الشمال"، المصنفة في السويد وغيرها على أنها "نازية جديدة"، مع أطراف شبيهة في روسيا.

الأفكار التي تمزج بين الروس البيض والأوروبيين، تحت مسمى "أوراسيا"، وجدت تنسيقاً أكثر خلال السنوات الماضية، وخصوصاً مع "حركة روسيا القيصرية" بزعامة ستانيسلاف فوروبييف.

يؤمن المعسكران بنظرية "تفوق العرق الأبيض"، وبأن أوروبا تتعرّض لما يسمونه "مؤامرة يهودية" لاستبدال سكانها. هذا إلى جانب شرعنة العنف باسم "الدفاع عن بقاء أوروبا البيضاء".

بالنسبة للأجهزة الأمنية، ومراكز أبحاث تتبع أنشطة النازيين الجدد في الشمال الأوروبي، فإن المسألة باتت تأخذ أشكالاً من التمويل والتدريب على السلاح وتحديد الأهداف.

وبدأت بين عامي 2015 و2016 أجهزة استخبارات السويد والدنمارك والنرويج وفنلندا، وإلى حد ما ألمانيا، تتابع أنشطة فوروبييف، واثنين من مساعديه الروس؛ دينيز غارييف ونيكولاي تروخشتالوف، في تنسيق وتجنيد مقاتلين يؤمنون بأهداف "القيصرية الروسية" والتفوق العرقي الأبيض.

سان بطرسبرغ الروسية وضعت تحت مجهر الأجهزة الأمنية، على الأقل منذ 2017، ليس بسبب ربطها بما يسمى "الجيش السيبراني الروسي"، بل لأن "حركة روسيا القيصرية"، وغيرها من جماعات التشدد، تحولت إلى مستقبل للشباب الاسكندنافي من ذات المعسكر.


أنشطة النازيين الجدد في الشمال الأوروبي باتت تأخذ أشكالاً من التمويل والتدريب على السلاح

وركّزت مراكز "مكافحة التطرف"، التي أنشأتها مخابرات الدنمارك والسويد بالأصل لتتبع ميول التطرف عند الشبان من أصول مسلمة، على تزايد حركة الذهاب والإياب نحو سان بطرسبرغ، بعد أن قدرت وجود مراكز تدريب، وزيادة استخدام الغابات السويدية للتدرب على اللياقة والقتال. في المقابل، ردد النازيون الجدد في السويد، الذين يستقبلون زملاءهم من دول الجوار، أنها "معسكرات كشفية (كشافة) شبابية".

"كتيبة آزوف" تشبه "الحشد الشعبي" 

وعلى الجانب الأوكراني اجتذبت "كتيبة آزوف"، التي ألحقت رسمياً بالقوات المسلحة الأوكرانية، على طريقة "الحشد الشعبي" في العراق، متطرفي اسكندنافيا وغيرهم من الأوروبيين، منذ 2014.

ورغم أن الجانب الرسمي في كييف نفى أي تدفق نازي، إلا أن "كتيبة آزوف" بأفكارها الفاشية أشعلت الأضواء الحمراء، منذ سنوات، عند استخبارات دول الشمال. وما أقلق الأجهزة الأمنية أن "قدامى المحاربين" كانوا هدفاً لـ"جبهة مقاومة الشمال" ولـ"حزب السويديين" نازي الميول. 

وسلّطت استخبارات السويد (سابو) الأنظار على اسم ميكائيل سكيلت (37 سنة)، الذي عُهد إليه تجنيد من يرغب في القتال إلى جانب مقاتلي آزوف. وخطورة سكيلت جاءت بسبب خدمته في قوات النخبة السويدية لسبعة أعوام، مع تقدير أمني بأنه جنّد نحو 300 شاب للتدرب على القتال.

الحرب فرصة لـ"الإرهاب الأبيض"

السباق الروسي - الأوكراني على متطرفي الشمال الاسكندنافي خلق ما يشبه انقساماً بين الجماعات العنفية. فمؤيدو "جبهة مقاومة الشمال" وعموم الحركات الفاشية الشمالية وجدوا أنفسهم منقسمين بين الروس والأوكرانيين.

ورغم ذلك فإن مخاوف الأجهزة الأمنية، بما في ذلك الاستخبارات العسكرية (المنوط بها العمل الخارجي)، لا تنخفض نتيجة بروز الانقسام، بل تتزايد الخشية من أن تتحول الأفكار النازية الجديدة إلى ما هو أبعد من فضاءات حرية التعبير، وخصوصاً ما تشكله الحرب من فرص لتعزيز الاصطفافات وشرعنة السلاح والعنف.

فبعد مذبحة "أوتويا" وتفجيرات أوسلو، على يد الإرهابي أندرس بريفيك قبل 10 سنوات، أصبح "مانيفست" التطرف متشابهاً حول "حماية البيض"، ولو بقتل البيض أنفسهم.

وخلال السنوات الأخيرة، أصبح مصطلح "الإرهاب الأبيض" يقتحم ساحات غربية كثيرة، من بينها الأميركية، بعد هجوم على كنيس يهودي في بيتسبرغ والهجوم على متجر في إل باسو بحجة "مواجهة الغزو اللاتيني لتكساس"، والنيوزيلندية بعد هجوم مسجدي كرايست تشيرش، والكندية بعد هجوم مسجد كيبيك واستهداف عائلة مسلمة بالدهس، وإطلاق نار في ألمانيا بعد موجة لجوء 2015.

في المقابل، تبقى دول شمال أوروبا الاسكندنافية مترددة في حظر الجماعات النازية ووضعها على قوائم الإرهاب، أسوة بتلك الإسلامية الموصوفة بالتطرف.


جذبت "كتيبة آزوف" الأوكرانية متطرفي اسكندنافيا وغيرهم من الأوروبيين

خلال الغزو الروسي لأوكرانيا، تزايدت في أوساط المتابعين للجماعات المتطرفة البيضاء المخاوف من استغلال الحرب لتعزيز صفوفها ومكانتها بين الشباب.

وتلعب الأجواء شبه المشجعة لانضمام الأوروبيين إلى ما يسمى "الفيلق الدولي" للقتال ضد الروس دوراً في زيادة منسوب القلق من التبعات داخل المجتمعات التي ينتشر فيها الفاشيون.

وبحسب ما تذكر، لـ"العربي الجديد"، الباحثة والناشطة في حركة مكافحة الفاشية "أنتيفا" في مدينة آرهوس الدنماركية، أنيتا كريستوفرسن، فقد لوحظت "زيادة في دعائية مقاتلين ملثمين ينسبون إلى آزوف الأوكرانية.

ففي شريط فيديو ظهر مقاتلوها يغمسون الذخيرة بشحم الخنزير، متوعدين مسلمي الشيشان الذين أرسلهم (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين للقتال في أوكرانيا".

وترى الباحثة، التي تتابع أنشطة الحركة النازية، أن في ذلك "محاولة لخلق أجواء عدائية للمسلمين، دون استبعاد الدعاية الروسية في تشجيعها لذلك، من أجل حشد تأييد لرواية الكرملين".

علاقة روسيا وأوكرانيا تربك النازيين الجدد

على المقلب الآخر، يلاحظ دان يورنسون أن انقساماً يصيب النازيين الجدد الآن، "فالعلاقة بالطرفين الروسي والأوكراني باتت مربكة أكثر لمعسكرهم، حتى إنه يمكن أن نرى تبادل إطلاق نار على طرفي القتال".

ويشدد في السياق على أن المؤيدين للروس في معسكر التطرف الأبيض الغربي يذهبون بعيداً في "استخدام الرموز النازية والنوردية (الأساطير الاسكندنافية) القديمة لتأكيد أن حرف z على المركبات الروسية كناية عن رمز خطاف الذئب، وهو رمز وثني شمالي يشبه حرف z المستخدم من قبل المتطرفين والنازيين الشماليين".

واستغل الكرملين وجود "كتيبة آزوف" المتشددة للإيحاء للشعب الروسي بأنه يقاتل "ضد حكومة النازيين" في كييف. ويرى يورنسون أن هذا الأمر يعمّق انقسام الحركة النازية، إذ "كيف تقاتل إلى جانب من يدعي القتال ضدك؟ وكيف تقاتل مع بلد رئيسه يهودي؟ وذلك يشكّل إلى جانب غيره معضلة حقيقية لذلك المعسكر، رغم أن الإعلام الغربي أخيراً بدأ يسلط الأضواء على الميول النازية عند مرتزقة فاغنر".

ويؤكد رئيس تحرير موقع "إكسبو" في السويد، المتخصص بمتابعة الجماعات الفاشية والعنصرية، دانيال بول، معضلة النازيين الجدد الأوروبيين.

ويقول إن "خطاب محاربة تسلط الأقلية اليهودية، الذي تتبناه حركة التطرف الروسية لا يتسق مع الواقع الروسي، ويقابله أيضاً أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يهودي، ما يضعهم في ورطة القتال إلى جانب آزوف".