ثالوث السيطرة الديمقراطية في الولايات المتحدة: ماذا يعني؟

ثالوث السيطرة الديمقراطية في الولايات المتحدة: ماذا يعني؟

08 يناير 2021
عرقل ميتش ماكونيل الكثير من مشاريع قوانين الديمقراطيين (درو أنغرر/Getty)
+ الخط -

حقّق الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، حتى الآن، وقبل موعد تنصيبه في 20 يناير/ كانون الثاني الحالي، أكثر بكثير، مما كان قد اشتهاه، حين قرر منافسة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، على الرئاسة. حينها، كان مجرد إخراج ترامب، الشعبوي، والمقوض للديمقراطية الأميركية وتحالفاتها التاريخية، والذي انقلب على معظم قرارات سلفه باراك أوباما، من البيت الأبيض، أقصى ما ينشده الحزب الديمقراطي. ولم تكن مرارة الحزب تكمن فقط في وجود ترامب، بل في مجلس شيوخ يسيطر عليه الجمهوريون، الذين تواطأوا مع نزعات الرئيس وأجندته اليمينية المتطرفة. اليوم، بات بإمكان بايدن، ليس فقط تسجيل تمكنه من إزاحة ترامب، واختراق ولايات صلبة للجمهوريين، واحتفاظ حزبه بمجلس النواب، بل إن ولاية جورجيا منحت حزبه أيضاً السيطرة على "الشيوخ"، بتعادل بين الحزبين، سيكون فيه صوت نائبة بايدن، كامالا هاريس، مرجحاً للحزب الأزرق. مع العلم أن أصوات الحزبين تعادلت داخل المجلس آخر مرة عام 2010، ثم عادت للديمقراطيين في 2012، ليخسروا الغالبية منذ 2014.

تعني سيطرة الديمقراطيين تمرير أجندة داخلية متقدمة، ولا سيما مع استمرار وباء كورونا

ويعني التحول الجديد بعد ظهور نتائج ولاية جورجيا، أن بايدن قد تمكن من وضع جميع الكرات، الرئاسية والتنفيذية والتشريعية، في ملعبه، ليصبح الثلاثي، بايدن ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي وزعيم الأكثرية في الشيوخ تشاك شومر، المحرك الأساسي لأجندة الرئيس السياسية والاقتصادية، وأولوياتها. وسيكون التنسيق بينهم عنوان المرحلة المقبلة، أقله حتى 2022، موعد انتخابات الكونغرس النصفية.

هذا الوضع التفاؤلي قد يصب سريعاً في أمرين ملحّين بالنسبة إلى بايدن. أولاً، يعني ذلك تمكنه من تمرير أسماء مرشحيه للمناصب الوزارية، وتعييناته للوكالات الفيدرالية. وثانياً، تمرير أجندة داخلية متقدمة، ولا سيما مع استمرار وباء كورونا. وكان لافتاً، أن أول ما أشارت إليه وسائل الإعلام الأميركية، بعد تحول دفّة مجلس الشيوخ إلى المقلب الديمقراطي، هو أن بايدن سيتمكن من تنفيذ وعده الانتخابي برفع الحدّ الأدنى لأجر ساعة العمل إلى 15 دولاراً. كذلك سيحظى المستأجرون الأميركيون بإجراءات إعانة إضافية. وفي بيان أول من أمس، أشارت بيلوسي إلى ضرورة تمرير "قانون جون لويس لحقوق الناخبين" سريعاً، الذي كان صعباً تمريره لوقت طويل مع زعيم الأكثرية الجمهورية السابقة ميتش ماكونيل. ومن المتوقع أيضاً أن يواصل الديمقراطيون سعيهم لفرض جولة جديدة من المساعدات التحفيزية لمواجهة كورونا. ووعدت بيلوسي بأنه "مع حزب ديمقراطي موحد، سنحقق تقدماً رائعاً".
وليست عبارة "حزب ديمقراطي موحد"، عابرة، فشياطين الانتصار الذي تحقق تكمن في تفاصيله. بالنسبة إلى بايدن، والدائرة الوسطية في الحزب، فإن عليهم أن يعملوا وسط هامش مهم من المناورة، أولاً مع الجمهوريين "الوسطيين"، كميت رومني وسوزان كولينز، لتمرير مشاريع قوانين في "الشيوخ" بأغلبية بسيطة، ولكن أيضاً مع التقدميين في مجلس النواب، حيث يتمتع الديمقراطيون بأغلبية ضئيلة، وحيث بات حزبهم منقسماً، وسط تصاعد قوة الجناح اليساري. ولطالما اعتمد مجلس الشيوخ المنقسم نصفين على سياسة "تصالحية" للوصول إلى حلول وسط. ويشرح موقع مجلس الشيوخ، أنه "في حالات قليلة، فإن الدستور يفرض تصويت ثلثي أعضاء المجلس، بما في ذلك على طرد سيناتور، إسقاط فيتو رئاسي، تبني تعديل دستوري، إدانة مسؤول ملاحق بالعزل (حالة طلب العزل لدونالد ترامب)، والموافقة على تعديل معاهدة"، أما أكثر الباقي فيحتاج إلى الغالبية البسيطة، أي 50 زائد واحداً.

قد يحتاج بايدن إلى الاتكال على القرارات التنفيذية، ولا سيما لجهة السياسة الخارجية 

ووفق مراقبين، فإن بايدن قد يحتاج للسير على خطى سلفيه خصوصاً، ترامب وأوباما، الاتكال على القرارات التنفيذية، ولا سيما لجهة السياسة الخارجية، كالعودة مثلاً إلى الاتفاق النووي الإيراني والمعاهدات الدولية، مثل اتفاقية المناخ، وهي مسائل ينقسم حولها مجلس الشيوخ بشدة، علماً أن الاتفاق النووي مثلاً، أو خروج ترامب من منظمات دولية، كانت قرارات تنفيذية، لم يصدّق عليها الكونغرس. أما المخاطرة في ذلك، فهي أن يعود أي رئيس مقبل عن قرارات سلفه، مع ما يعززه من تراجع لصدقية واشنطن دولياً. وقد تجد الصين نفسها في مواجهة أشرس مع الولايات المتحدة، إذ إن الحزبين متفقان على اتباع نهج أكثر صرامة مع بكين، بخلاف اختلافهما حول مسائل خارجية أخرى.
ويشرح توم دونيلون، المستشار السابق لأوباما، لـ"فورين بوليسي"، أن مجلس الشيوخ يؤدي دوراً أساسياً في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، لجهة التصديق على التعيينات المرتبطة بها. ويوضح أن "سيطرة أحد الحزبين على الكونغرس مهمة أكثر على الصعيد الداخلي، إذ إن الدستور منح الرئيس القدرة على التحرك بهامش أوسع منفرداً، حين يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية والأمن القومي". أما بالنسبة إلى المعاهدات الدولية، فيرى أنه "مع شدة الانقسام في واشنطن، فإن أكثر المعاهدات يجري العمل عليها بصيغة الأوامر التنفيذية". ومع إمكانية استمرار تصلب ميتش ماكونيل، فإن "هناك مسائل يمكن الوصول بها إلى اتفاق، منها وجود إمكانية حقيقية للتعاون على أجندة استثمارية لزيادة التنافس مع الصين"، مرجحاً أيضاً أن يتفق الحزبان حول التحالفات مع أوروبا ومنظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو"، فيما الاختلاف كبير حول إيران.

المساهمون