نشاط روسي وأميركي متصاعد في ليبيا: ما وراء الكواليس

نشاط روسي وأميركي متصاعد في ليبيا: ما وراء الكواليس

20 ابريل 2024
صالح تسلم دعوة من السفير الروسي لزيارة موسكو (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- ليبيا تشهد تصاعدًا في النشاط العسكري والسياسي الأمريكي والروسي، مع وصول معدات عسكرية روسية إلى ميناء طبرق ولقاءات دبلوماسية روسية مع قادة ليبيين لمناقشة تشكيل حكومة موحدة.
- الولايات المتحدة تعزز وجودها العسكري في غرب ليبيا عبر تعاقد شركة أمنتوم لتدريب الشرطة ومجموعات مسلحة، ضمن خطة لتغيير السلطة التنفيذية الليبية.
- التنافس الروسي-الأمريكي يبرز في ليبيا مع تحركات تهدف لتشكيل المشهد الحكومي المقبل، وسط جهود دولية وإقليمية لتوحيد السلطة التنفيذية وتشكيل حكومة موحدة.

تتصاعد في ليبيا ملامح النشاط الأميركي والروسي العسكري والسياسي، في الوقت الذي يعيش فيه الوضع السياسي غموضا في مستقبله القريب، خاصة بعد الفراغ الذي باتت تعيشه البعثة الأممية التي تشرف على قيادة العملية السياسية. ونشرت وسائل إعلام ليبية عبر منصاتها، الأسبوع الماضي، فيديوهات تظهر وصول معدات عسكرية روسية إلى ميناء طبرق، أقصى شرقي البلاد، فيما تناقلت وسائل إعلام أخرى أنباء عن تشديدات أمنية وعسكرية منذ أيام حول الميناء وعلى طول بعض الطرقات المتصلة به لحماية وتسهيل نقل تلك المعدات.

وفي السياق، التقى السفير الروسي لدى ليبيا حيدر أغانين، الخميس الماضي، اللواء خالد حفتر، رئيس أركان الوحدات الأمنية في قيادة مليشيات حفتر، قبل أن يلتقي خيري التميمي، مدير المكتب الخاص لحفتر، وفق المكتب الإعلامي لقيادة حفتر، من دون أن تنشر أي تفاصيل أخرى. كما التقى السفير الروسي، أمس الجمعة، رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، لمناقشة مستجدات الأوضاع السياسية بعد استقالة رئيس البعثة الأممية السابق عبد الله باتيلي، بحسب مكتب صالح الإعلامي الذي نقل عنه تأكيده للسفير الروسي ضرورة تشكيل حكومة موحدة في ليبيا.

وفيما أشار مكتب صالح الإعلامي إلى أن صالح تسلم دعوة من السفير الروسي لزيارة موسكو، أفاد مصدر برلماني مقرب من مكتب صالح السياسي بأن اللقاء بين السفير الروسي وصالح تضمن أيضاً نقاشا حول التصورات المطروحة بشأن تشكيل حكومة موحدة. وفيما أشار المصدر البرلماني، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن الأوساط الليبية تشهد تحضيرات لتغيير وشيك في السلطة التنفيذية التي تعاني انقساما منذ مدة، أفاد بأن عددا من الأسماء المطروحة تقع ضمن التغيير الوشيك لكن أبرزها محافظ البنك المركزي الحالي الصديق الكبير، ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط الحالي فرحات بن قدارة. وبحسب المصدر، فإن جميع التصورات لا تزال قيد التشاور بين مختلف الأطراف الإقليمية والدولية عبر سفرائها في ليبيا بشأن التغيير الحكومي في إطار المساعي لتوحيد السلطة التنفيذية، موضحا أن المناخ العام يشير إلى أن كل المساعي بشأن السلطة التنفيذية، بما فيها الأسماء المطروحة، تدور كلها في فلك خطة أميركية باتت تتعزز وتظهر مؤشراتها من خلال اتصالات دبلوماسية كثيفة بعقيلة صالح وخليفة حفتر.

ووفق معلومات المصدر نفسه، فإن إعادة ربط العلاقة بين الصديق الكبير بمعسكر شرق البلاد، بمن فيه عقيلة صالح، التي ظهرت مؤخرا في شكل قرارات اقترحها الكبير حول السياسات النقدية وصادق عليها عقيلة صالح، كانت ورائها مساع أميركية، مشيراً إلى أن حفتر هو من دفع باسم رئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة.

وتأتي كل هذه الأنشطة العسكرية والدبلوماسية غير المعلنة في وقت يعيش فيه منصب البعثة الأممية شغورا منذ إعلان عبد الله باتيلي استقالته الثلاثاء الماضي، في الوقت الذي يُعتقد فيه أن نائبته ستيفاني خوري، الدبلوماسية الأميركية التي عُيّنت في مارس/آذار الماضي في منصبها، ستتسلم مهامه. وإثر إعلان باتيلي استقالته، عقدت خوري أول لقاء لها بشكل معلن، الأربعاء الماضي، بالمندوب الليبي لدى الأمم المتحدة الطاهر السني، لمناقشة "التحديات التي تواجه العملية السياسية"، وآفاق تعاون البعثة مع جميع الأطراف الليبية، بحسب السني عبر حسابه على منصة غكس.

وخلال آخر إحاطة قدمها باتيلي الثلاثاء الماضي، تبادل مندوبا موسكو وواشنطن لدى الأمم المتحدة الاتهامات بانتهاك سيادة ليبيا والتدخل في شؤونها. وفيما اتهم المندوب الأميركي روبرت وود موسكو بالسعي لتعزيز وجودها العسكري في ليبيا، اتهم بالمقابل المندوب الروسي فاسيلي نيبنزيا الولايات المتحدة بتدخلها في الشأن الليبي والعمل على تدريب عناصر مسلحة ليبية، كاشفا عن وجود "شركة أميركية على ارتباط بوزارة الدفاع الأميركية تعزّز وجودها في ليبيا وتدرب المجموعات المسلحة".

وكانت مصادر ليبية متطابقة كشفت لـ"العربي الجديد"، في تصريحات سابقة، عن تعاقد شركة أمنتوم الأميركية، التي تعمل مقاولا لوزارة الدفاع الأميركية في العديد من الدول، مع وزارة الدفاع في حكومة الدبيبة لتدريب الشرطة، وتأهيل عدد من المجموعات المسلحة في غرب البلاد ضمن قوة نظامية مشتركة، في إطار العمل على تنفيذ خطة أميركية للوجود في مواقع عسكرية في غرب البلاد، تزامن العمل بها مع تصريحات لوزير الداخلية في حكومة الدبيبة عماد الطرابلسي عن وجود خطة لحكومته لإخلاء طرابلس من المجموعات المسلحة وبدء نشر الشرطة والوحدات الأمنية التابعة لوزارته.

وكل تلك الأنشطة السياسية والعسكرية التي تحدث بشكل غير معلن، ومتضادة في اتجاهاتها الروسية والأميركية رغم كثافتها، إلا أنها تجري في مراحل أولى لوجود الدولتين، ولم تصل إلى مرحلة متقدمة يمكن أن تُفهم منها المواجهة، بدليل أن ما يجري غير معلن، فتدفق الأسلحة الروسية عبر بوابة حفتر الغرض منه، فيما يبدو، التدريب والتأهيل كما هو الحال في غرب البلاد على يد الأميركان لإعداد الحلفاء المحليين"، وفقا للباحث في الشأن السياسي عادل شنينه.

ويشير شنينه في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى التشابك الروسي الأميركي داخل "مكونات طرفي النزاع، فكما أن موسكو موجودة سياسيا وبقوة عبر سفارتها في طرابلس، فإن مسؤولي السفارة الأميركية كذلك يلتقون قادة الشرق، وكل منهما يسعى لتشكيل المشهد الحكومي المقبل بما يخدم مصالحه وضرورة أن يكون له موقع فيه، والمختلف فقط هو أن واشنطن تموضعت في المكان الصحيح، وهو العاصمة التي لا يمكن تشكيل أي وجه سياسي إلا فيها، فهي من تسير الاتجاهات لقضم الجزء الأكبر من حصة المشهد المقبل".

وفي رأي آخر، يشير الأكاديمي وأستاذ العلاقات الدولية رمضان النفاتي إلى أهمية الملف الليبي في خريطة التوتر الإقليمي الحالي، موضحا، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "حالة الفراغ والصراع السياسي تؤهل ليبيا لأن تكون وجهة للجميع للمواجهة وتصفية الخصومات وخدمة المصالح، وموقعها الجغرافي وورقة الطاقة والنفط وغيرها من العوامل تؤهلها لذلك، ولذا لا أستبعد دفع موسكو حفتر لتنفيذ هجوم جديد على طرابلس مثلا كوكيل عنها للتشويش على الخطة الأميركية، أو استخدام عقيلة صالح وصلاحياته البرلمانية لإفساد التصورات المطروحة بشأن توحيد الحكومتين في إطار يخدم المصلحة الأميركية". ويضيف النفاتي: "المعطيات والتحركات كلها تشير إلى أمر وشيك قد لا يمكن التنبؤ بتفاصيله، لكن شكله العام يشير إلى اتجاه لاختيار الساحة الليبية كمنطقة ساخنة جديدة لاستثمارها في ملفات أخرى في العمق الأفريقي وفي شرق المتوسط وأوكرانيا وغيرها".

في غضون ذلك، كشف مصدران عسكريان على صلة بمعسكر اللواء المتقاعد خليفة حفتر أن معدات عسكرية روسية وصلت على ثلاث دفعات منذ مطلع مارس الماضي إلى منتصف إبريل/نيسان الجاري. وفي التفاصيل، وصفت معلومات المصدرين اللذين تحدثا لـ"العربي الجديد" أن تلك معدات ذات طابع قتالي، وعلى الرغم من عدم توفر الكثير من المعلومات حولها بسبب التشديدات والتكتم من جانب معسكر حفتر، إلا أنهما أفادا بأنها كميات من بنادق الكلاشنكوف المتطورة في مهام الاقتحام، وعربات قتالية للمشاة، ومدافع ثنائية الفوهة. وقال أحد المصادر "المعلومات شحيحة للغاية، لكن الشكل العام المُشاهد لتلك المعدات أثناء نقلها مكننا من التعرف على طبيعتها". وعن مصير تلك المعدات، توافقت معلومات المصدرين على أنه جرى نقل المعدات إلى قاعدة الخروبة، شرقي البلاد، ثم قاعدة الجفرة وسط جنوبي البلاد، بإشراف مليشيات يقودها خالد نجل خليفة حفتر لتأمين نقلها ووصولها.