توني بلير... سمسار إسرائيل للتهجير من غزة؟

توني بلير... سمسار إسرائيل للتهجير من غزة؟

08 يناير 2024
بلير في القدس المحتلة، 2017 (غالي تيبون/ فرانس برس)
+ الخط -

تتحدث تسريبات إسرائيلية عن دور سيؤديه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير في ما يعرف بـ"اليوم التالي" للحرب في قطاع غزة.

وكشفت القناة 12 في التلفزيون الإسرائيلي، في بداية شهر يناير/كانون الثاني الحالي، أن المسؤول البريطاني السابق أدى زيارة سرية إلى إسرائيل في نهاية العام الماضي، حيث عقد اجتماعات غير معلنة مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والوزير في مجلس الحرب بني غانتس.

وذكرت مصادر إعلامية إسرائيلية أن تل أبيب تعتزم الاستعانة ببلير للتوسط مع دول غربية، وإقناعها باستقبال لاجئين فلسطينيين من قطاع غزة بعد انتهاء الحرب. وخلال الاجتماعات التي عقدها بلير، طُرحت فكرة أن يكون وسيطاً بين إسرائيل ودول غربية بشأن مخطط إسرائيل لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.

نفي إجراء محادثات لبلير حول التهجير

بدوره، اعتبر "معهد توني بلير للتغيير العالمي"، وهو منظمة غير ربحية أسسها بلير عام 2016، أن تقرير "القناة 12" الإسرائيلية "كذبة". وأوضح المعهد في بيان، مساء الاثنين الماضي، أن التقرير "نشر من دون أي تواصل مع توني بلير أو فريقه. لم يُجرَ حديث من هذا القبيل.

ولا توني بلير أجرى مثل هذا الحديث"، مضيفاً أن "الفكرة خاطئة من حيث المبدأ. يجب أن يكون سكان غزة قادرين على البقاء والعيش في غزة".

كما سارعت وسائل إعلام إسرائيلية أخرى، مثل "جيروزاليم بوست"، إلى القول، في 1 يناير الحالي، إن الادعاءات المتعلقة بصلة بلير بتهجير الفلسطينيين غير صحيحة، مضيفة: "لم تحدث مثل هذه المناقشة أبداً، ولن يناقش بلير مثل هذا الاقتراح"، نقلاً عن مصدر مقرّب من بلير.

مشروع تهجير الفلسطينين لا يأتي من فراغ

لا دخان بلا نار، كما يقول المثل، ولأن الإعلام الإسرائيلي يخضع للرقابة في فترة الحرب، لا تُنشر أنباء من هذا القبيل قبل إجازتها رسمياً، وهذا هو السبب من وراء مسارعة وزارة الخارجية والرئاسة الفلسطينيتين إلى إصدار بيانَين شديدَي اللهجة، يهاجمان بلير، ويعتبرانه شخصاً غير مرحب به في الأراضي الفلسطينية.

تحدث بيان الخارجية الفلسطينية، في 1 يناير الحالي، عن متابعتها تقارير لوسائل إعلام إسرائيلية حول تولّي بلير رئاسة فريق للعمل على الإجلاء الطوعي للفلسطينيين من قطاع غزة، وإجرائه "لقاءات ومشاورات مع عدد من الدول، لفحص موقفها بشأن استقبال لاجئين فلسطينيين".

ورغم أنها حاولت اتباع طريق الحذر، مشيرة إلى "تقارير واردة"، لفتت إلى أنها "إن صحّت، فهي تُعد عملاً معادياً للشعب الفلسطيني وحقوقه في أرضه ووطنه، وانتهاكاً صارخاً للقانون الدولي".

في موازاة ذلك، لا يمكن للرئاسة الفلسطينية أن تتحدث من فراغ، إذ أعلنت في بيان، في اليوم نفسه، عن رفض "محاولات مشبوهة" لتكليف بلير "أو غيره بالعمل من أجل تهجير المواطنين" من القطاع.

وأضافت أنه يبدو أن بلير يستكمل إعلان بلفور الذي أصدرته حكومة بريطانيا بمشاركة أميركية، والذي أسس لمأساة الشعب الفلسطيني، وإشعال عشرات الحروب في المنطقة. وعلى هذا الأساس، قالت إن بلير "شخص غير مرغوب فيه في الأراضي الفلسطينية". ويمكن من هذا التقاط رسالة موجهة إلى بلير.

لا يمكن للسلطة الفلسطينية إصدار بيانَين، كلاهما ينبه إلى مخاطر، وفيهما قدر من التحذيرات، لولا توفر معلومات مؤكدة حول ترتيبات التهجير الذي اقتصر حتى حينه على التصريحات. وبدا من كلام السلطة أن بلير منخرط في المشروع، وإلا لما استخدمت بحقه لهجة غير دبلوماسية.

وعلى هذا الأساس، نبّه السفير الفلسطيني في لندن حسام زملط الحكومة البريطانية إلى "ضمان عدم مشاركة أي شخصية بريطانية بأي شكل من الأشكال في جرائم إسرائيل المستمرة ضد الإنسانية". وأضاف، على منصة "إكس" في 1 يناير الحالي، أن "أي شخص يفعل ذلك سيتحمل العواقب القانونية لمثل هذه الأعمال غير الأخلاقية والإجرامية ضد الشعب الفلسطيني".

وفي الأثناء، كان وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير قد رحّب، الأسبوع الماضي، بمسألة تهجير الفلسطينيين، واعتبرها "خطوة عادلة أخلاقياً يجب اتخاذها، أولاً وقبل كل شيء بالنسبة لسكان حدود غزة، ولجميع إسرائيل"، مضيفاً أن مثل هذه المبادرات هي "عنصر ضروري في الحل الحقيقي لليوم التالي".

علامات استفهام حول دور بلير في مشروع التهجير

ويمكن هنا تسجيل ملاحظتين مهمتين. الأولى هي، أن النفي لم يصدر عن بلير نفسه، وإنما عن مصدر مقرّب وعن "معهد توني بلير"، والثانية هي أن النفي لم يشمل نفياً لزيارة بلير إلى إسرائيل. وهذا يضع علامة استفهام كبيرة، ويفتح الباب أمام تأويلات كثيرة.

أوساط فلسطينية: تكتم بلير يأتي تجنباً لعواقب سياسية وأخلاقية

السبب وراء تكتم بلير، حسب أوساط فلسطينية في لندن، أنه لا يريد للعملية أن تصبح مكشوفة، لأن لها عواقب سياسية وأخلاقية كبيرة، وتجر عليه ردود فعل واسعة، ليس من قبل السلطة الفلسطينية وحدها، بل من الأمم المتحدة، وحتى من جانب أطراف دولية.

ومن الواضح أن حسابات إسرائيل تختلف عما يراه بلير للعملية، رغم أنهما يلتقيان على نفس الهدف. وفي حين أن المسؤولين الإسرائيليين يريدون لمسألة الوساطة أن تحصل في صورة علنية، يحاول بلير أن يبقيها طي الكتمان، على الأقل في المرحلة الأولى التي ستكون تحضيرية.

إسرائيل تطرح التهجير منذ بداية الحرب

ومن المعروف أن مشروع التهجير ليس وليد الأيام الأخيرة، بل جرى طرحه منذ بداية الحرب على غزة، وأثاره عدد من المسؤولين الإسرائيليين في تصريحات منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على غرار النائب من حزب "الليكود" داني دانون.

وكشف دانون في حينه أن "العالم يناقش هذا الأمر بالفعل"، وسمى وزير الهجرة الكندي مارك ميلر، وقال إنه تحدث عن هذه الأمور علناً، فيما نفى الأخير ذلك. أما المرشحة الجمهورية المحتملة للرئاسة الأميركية نيكي هيلي فلم تتردد في القول، أواخر ديمسبر/كانون الأول الماضي: "كما أقول دائما، على الفلسطينيين في غزة عبور حدود رفح إلى مصر، ومن هناك يتوجهون إلى الدول المؤيدة لحماس مثل قطر وإيران وتركيا".

ومن بعد ذلك، أثار عدد من مسؤولي إسرائيل فكرة تشكيل فريق في دولة الاحتلال يعتني بهذه القضية، ويتأكد من أن كل من يريد مغادرة غزة إلى دولة ثالثة، يمكنه ذلك. كما كشف نتنياهو، الشهر الماضي، رداً على دانون خلال اجتماع لكتلة الحزب، عن أن "مشكلتنا هي الدول المستعدة لاستيعاب اللاجئين، ونحن نعمل على حلها".

ويبدو أن الرسالة الإسرائيلية وصلت إلى صحافيين مؤيدين لإسرائيل في أوروبا، ولذلك أُثيرت على منابر وقنوات فرنسية مؤيدة لإسرائيل. وهناك من تحدث عن أرقام تصل إلى تهجير نحو 800 ألف فلسطيني من قطاع غزة.

وفي كل الأحوال، يُعد هذا المشروع بمثابة عملية التفاف على رفض مصر لعمليات التهجير الجماعي إلى سيناء، التي طرحها مسؤولون إسرائيليون في الأسابيع الأولى من الحرب.

عقبات بوجه مشروع التهجير

يبقى الدخول في هذا المشروع من عدمه مرتبطاً بنتائج المعركة، وحتى لو حسمت إسرائيل النتيجة لصالحها، فلا يبدو قابلاً للتطبيق بسهولة لأسباب كثيرة. فهناك محاذير ومخاطر وعقبات تحول دون تنفيذه وفق الصيغة التي ترى فيها إسرائيل مستقبل غزة.

تأشيرات العمل لن تمر كمشروع تهجير مقنّع

أحد أبرز العقبات هو الوعي الفلسطيني بمخاطر المشروع، سواء أكان قسرياً وعن طريق القوة، أم تقديم إغراءات مثل تأشيرة العمل، التي قد يُنظر إليها كحل بالنسبة لجزء من شباب غزة، ولكنها لن تمر كمشروع تهجير مقنّع.

هناك سبب آخر يقف في طريق المشروع، وهو يتعلق برفض ومقاومة أهداف إسرائيل المعلنة لما يعرف باليوم التالي في قطاع غزة، وهو القضاء على المقاومة وتهجير قسم من الشعب الفلسطيني وإعادة استيطان القطاع.

السبب الثالث يتعلق بالأرقام الكبيرة التي تطرح إسرائيل تهجيرها، وهذا أمر متعذر من الناحية العملية. ويمكن لبعض الدول أن تقبل مئات أو عدة آلاف، ويستحيل قبول مئات الآلاف.

أما السبب الرابع فهو يعتمد على تأمين موقف دولي لتغطية التهجير بوصفه انتهاكاً خطيراً للقانون الإنساني الدولي، وهو ما يعارضه الاتحاد الأوروبي. وقد رد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل على الدعوات التي أطلقها مسؤولون إسرائيليون، وأعرب، الأربعاء الماضي، عن إدانة المفوضية الأوروبية لتصريحات الوزير بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، اللذين أعلنا الاثنين الماضي دعمهما لـ"التهجير الطوعي للفلسطينيين" من القطاع.

ولقيت هذه التصريحات ردود فعل منددة من دول أوروبية عدة مثل فرنسا، التي أصدرت وزارة خارجيتها إدانة للتصريحات، التي اعتُبرت أنها غير "مسؤولة وتؤجج التوتر". وكذلك الأمر بالنسبة لعدد من الدول العربية.