تونس: معارضة قيس سعيّد جريمة

تونس: معارضة قيس سعيّد جريمة

24 ديسمبر 2021
اتُهم المرزوقي بـ"الاعتداء على أمن الدولة الخارجي" (إيمانويل دوناند/فرانس برس)
+ الخط -

فيما يسترجع التونسيون هذه الأيام ذكرى ثورتهم على الاستبداد والحكم الفردي، والتي اندلعت قبل 11 عاماً، يصرّ الرئيس التونسي قيس سعيّد على إعادة البلاد إلى ما قبل هذا التاريخ، ونسف كل منجز ديمقراطي تحقق بفعل هذه الثورة.

فيوماً بعد آخر، يذهب سعيّد بعيداً في ترسيخ انقلابه على المكتسبات الديمقراطية وعلى النظام السياسي والدستور، وفي إحكام قبضته على جميع مؤسسات الدولة وتطويعها خدمة لمشروعه السياسي، حتى وصل به الأمر إلى توظيف القضاء لمحاكمة من يعارضه أو يتجرأ على انتقاده، معيداً البلاد مجدداً إلى مربع القمع والترهيب والديكتاتورية، كما يرى كثيرون في إجراءات سعيّد المتواصلة منذ 25 يوليو/تموز الماضي.

وليس الحكم الأخير بالسجن أربع سنوات بحق الرئيس التونسي الأسبق، المنصف المرزوقي، سوى دليل جديد على مدى تقهقر منظومة الحقوق والحريات التي جاءت بها الثورة ويضمنها الدستور الذي يريد سعيّد نسفه.

المرزوقي: على الشارع أن يتحد حتى نضمن التغيير من داخل الشرعية

وإن كانت قضية المرزوقي أثارت ضجة وجدلاً وتنديداً سياسياً وحقوقياً واسعاً في تونس، لحيثية الرجل وانتقاده الحاد منذ البداية لقرارات سعيّد، فإن محاكمة المواطنين لمجرد انتقادهم الرئيس الحالي وتفرده بالبلاد، تتوسّع بالفعل. وهو ما أشارت إليه منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية في تقرير لها أمس الخميس.

وقالت المنظمة إنّ السلطات التونسية تحاكم المواطنين في المحاكم العسكرية والمدنية، وتسجنهم، بسبب انتقادات عامة للرئيس قيس سعيد ومسؤولين آخرين، ومن بين هؤلاء أعضاء في البرلمان، ومعلّقون على مواقع التواصل الاجتماعي. ولفتت إلى أن "النيابة العمومية تستخدم قوانين قمعية سُنّت قبل الثورة التونسية لملاحقة منتقدي سعيّد ممن يصفون توليه لسلطات استثنائية منذ 25 يوليو الماضي بالانقلاب".

وكانت المحكمة الابتدائية في تونس، أصدرت أول من أمس الأربعاء، حكماً ابتدائياً غيابياً في حق المرزوقي (موجود خارج تونس)، يقضي بسجنه "مدة أربع سنوات، مع الإذن بالنفاذ العاجل".

وأفاد بلاغ لمكتب الاتصال بالمحكمة، بأن الحكم جاء لإدانته بتهمة "الاعتداء على أمن الدولة الخارجي، بتعمد تونسي (المرزوقي) ربط اتصالات مع أعوان دولة أجنبية الغرض منها، أو كانت نتائجها، الإضرار بحالة البلاد التونسية من الناحية الدبلوماسية".

المرزوقي: سيرحل الديكتاتور

وفي رده على القرار، قال المرزوقي في منشور له على "فيسبوك"، إن "الحكم صادر عن قاضٍ بائس بأوامر من رئيس غير شرعي". وأضاف "حوكمت أكثر من مرة في عهد (الحبيب) بورقيبة، وحوكمت أكثر من مرة في عهد (زين العابدين) بن علي، والآن يصدر ضدي حكم في عهد قيس سعيّد".

وتابع: "رحل بورقيبة وبن علي وانتصرت القضايا التي حوكمت من أجلها، وبنفس الكيفية المهينة سيرحل هذا الديكتاتور المتربّص وستنتصر القضايا التي أحاكم من أجلها".

وفي تصريحات لاحقة لـ"التلفزيون العربي"، قال المرزوقي إن "سعيّد لم يعد رئيساً شرعياً منذ انقلابه على الشرعية، وهو يعتبر القضاء مجرد وظيفة على الرغم من أنه أستاذ قانون". وأضاف أنه "على الشارع أن يتحد حتى نضمن التغيير من داخل الشرعية".

وكانت محكمة الاستئناف في تونس، قد فتحت بتاريخ 15 أكتوبر/تشرين الأول الماضي تحقيقاً في تصريحات للمرزوقي، يوم 12 أكتوبر الماضي لقناة "فرانس 24" الفرنسية، قال فيها إنه "يفتخر بسعيه لدى المسؤولين الفرنسيين لإفشال عقد القمة الفرنكوفونية في تونس باعتبار أنّ تنظيمها في بلد يشهد انقلاباً تأييد للديكتاتورية والاستبداد".

وإثر ذلك، طالب سعيّد وزيرة العدل (ليلى جفال) بـ"أن تفتح تحقيقاً قضائياً في هذه المسألة، لأنه لا مجال للتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي".

محاكمة سياسية

من جهته، قال المتحدث الرسمي باسم حزب "حراك تونس الإرادة" (الحزب الذي أسسه المرزوقي)، عمر السيفاوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عقب الحكم على المرزوقي بالسجن أربع سنوات، إنه إذا "صح خبر الحكم الغيابي الصادر على الدكتور المرزوقي بهذه السرعة في ظرف شهر أو شهر ونصف، فإن هذا يعني أننا في غابة ولسنا في دولة".

وأكد السيفاوي أنه "لا المرزوقي ولا محاميته على علم بهذا الإجراء". وأشار إلى أنه "لم تتوفر المعايير الأساسية للمحاكمة". وأضاف أنه "إذا صح الخبر، فهذا يعني أن الحكم صدر في قصر الرئاسة قي قرطاج".

هيومن رايتس ووتش: ارتفاع كبير في محاكمات التعبير

تواتر محاكمة معارضي قيس سعيّد

وتواترت في الفترة الأخيرة، المحاكمات التي استهدفت معارضين لسعيّد، وشملت نواباً ومدونين وحقوقيين، طاولت بعضهم محاكمات عسكرية، وإجراءات منع من السفر وتضييقات لا حصر لها.

فمثلاً، أُوقف الإعلامي بقناة "الزيتونة"، عامر عياد، في 3 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد حلقة من برنامجه "حصاد 24"، بتهمة "التآمر المقصود به تبديل هيئة الدولة"، وذلك بسبب قصيدة قرأها في برنامجه وانتقد من خلالها قرارات الرئيس.

وفي 7 أكتوبر، اعتقلت الشرطة الناشط سليم الجبالي، بسبب تدوينات نشرها بين 25 يوليو و6 أكتوبر، وصف فيها الرئيس بـ"الانقلابي". كما وجهت النيابة العامة بالمحكمة العسكرية الدائمة في تونس، تهماً لرئيس "حركة أمل وعمل"، وعضو البرلمان ياسين العياري بسبب تعليقات نشرها على فيسبوك في يوليو، وزُعم أن فيها إساءة للرئيس وتحقيراً للجيش.

وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أمس الخميس، إن السلطات التونسية تحاكم المواطنين في المحاكم العسكرية والمدنية، وتسجنهم، بسبب انتقادات عامة لسعيّد ومسؤولين آخرين.

وأوضحت أنه من بين خمس قضايا متعلقة بحرية التعبير راجعتها أخيراً، هناك شخص يقضي حالياً عقوبة في السجن بتهمة الإساءة للرئيس، من بين تهم أخرى، وثلاثة آخرون قيد المحاكمة بتهمة التشهير بالجيش والإساءة للرئيس، وشخص خامس قيد التحقيق الجنائي باتهامات مماثلة.

وفي المحاكم المدنية، شملت التُهم "من يرتكب أمراً موحشا ضد رئيس الدولة"، ومن يرتكب "اعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة أو حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضاً بالسلاح". أما في المحاكم العسكرية، فشملت التهم "تحقير الجيش".

في السياق، قال القيادي في "التيار الديمقراطي"، نبيل حجي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "من المؤسف بعد ثورة الحرية والكرامة محاكمة معارضين لسعيّد في المحاكم العسكرية"، مشيراً إلى أن "عدد المحاكمات العسكرية للمدنيين، خاصة بعد 25 يوليو في ارتفاع، بل إن هذا العدد يضاهي، وفي فترة وجيزة، إجمالي المحاكمات التي حصلت طيلة السنوات الماضية من عمر الثورة".

وأوضح حجي أنه "سياسياً، لا يعد هذا الأمر انتصاراً لسعيّد بتصفية معارضيه والتضييق عليهم، بل هو تكريس لديكتاتورية تقمع المعارضين وتضرب حرية التعبير، وبالتالي فسعيّد ومن حيث لا يدري، هو يضر نفسه ويسيء لصورته، وهو ليس بصدد تطبيق القانون".

من جهته، قال النائب يسري الدالي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن نواباً قرروا أمس الدخول في إضراب عن الطعام احتجاجاً على التضييق على حرية الإعلام والحريات الشخصية، وعلى المحاكمات العسكرية للنواب سيف الدين مخلوف ونضال السعودي ومحمد العفاس وماهر زيد وأحمد بن عياد".

وقال المرزوقي في هذا الإطار، إنه سيشارك في "الإضراب عن الطعام الذي يخوضه نواب وسياسيون تونسيون، ولو بصفة رمزية".

تنديد واسع لمحاكمة معارضين لسعيّد وللحكم بحق المرزوقي

من جهتها، اعتبرت عضو "محامون لحماية الحقوق والحريات"، المحامية إسلام حمزة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "استهداف معارضي الرئيس أصبح ممنهجاً، فمحاكمة المرزوقي هي محاكمة لرمز من رموز تونس، وهذه المحاكمة كانت سريعة على الرغم من أن مختلف الملفات تستغرق وقتاً طويلاً لتعيين جلسات لها".

وأكدت أن "أي مواطن بسيط يستنتج أن هذا الحكم وغيره، يندرج في إطار محاكمات سياسية، وفي إطار التنكيل بكل المعارضين السياسيين، وهذه فضيحة".

وأوضحت حمزة أن هناك أيضاً "محاكمات طاولت المدنيين بسبب مجرد تدوينات"، مشيرةً إلى أنها رافعت "في قضيتين واحدة عن مهندس وأخرى عن طبيب، فقط لانتقادهما الوضع السياسي".

إدانات حزبية وحقوقية

وأثار الحكم الصادر أخيراً في حق المرزوقي وتوسّع استهداف معارضي سعيّد، موجة استنكار وتضامن من قبل عدد من الأحزاب السياسية والحقوقيين والنشطاء التونسيين.

ونددت الأحزاب الاجتماعية (التيار الديمقراطي والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، والحزب الجمهوري) في بيان مشترك أمس الخميس، بـ"تواصل الانتهاك الممنهج للحقوق والحريات عبر تواصل محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية والضغط على القضاء في محاولة لتسخيره للتنكيل بالخصوم السياسيين والتضييق عليهم".

وشجبت هذه الأحزاب "الحكم بحق المرزوقي بتوجيه مباشر من رئيس السلطة القائمة، وفي سابقة خطيرة يتوجب الوقوف في وجها قبل استفحالها".

بدوره، عبر "ائتلاف الكرامة" في بيان عن "تنديده الشديد بهذه المهزلة القضائية التي لم يعرف القضاء التونسي مثيلاً لها في تاريخه"، مستنكراً "التوظيف الفاضح للقضاء لتصفية الخصوم السياسيين للرئيس المنقلب". في حين اعتبر المتحدث باسم "التيار الديمقراطي" محمد العربي الجلاصي، أن الحكم "ليس فقط وصمة عار على السلطة القائمة، بل هو إعلان بداية نهايتها، قوس وسيغلق".