توجس في غزة من توقيت التسهيلات الإسرائيلية

توجس في غزة من توقيت التسهيلات الإسرائيلية

02 سبتمبر 2021
لم تهدأ التوترات على حدود القطاع مع قوات الاحتلال (Getty)
+ الخط -

تثير الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة تجاه قطاع غزة، والتي تعرف باسم "التسهيلات" الاقتصادية، أسئلة في الأوساط الفلسطينية، أكثر من تقديمها إجابات عن الواقع والغرض منها، وخصوصاً في ظلّ استمرار التوتر الحدودي والتهديدات الإسرائيلية المتصاعدة ضد الفصائل، وعدم التقدم الفعلي من قبل الوسطاء لحلّ الملفات العالقة بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي. وكان من المفترض أنّ تدعو مصر الفصائل الفلسطينية، وخصوصاً حركة "حماس"، للقاءات في القاهرة خلال الأيام الماضية، لبحث الأوضاع وتثبيت وقف إطلاق النار، لكن ذلك لم يحدث، كما لا توجد مؤشرات تدل على إمكانية حدوث مثل هذا اللقاء في وقت قريب، في ظل "التوتر المكتوم" بين الجانبين في أعقاب التوتر الحدودي في غزة. 

لم تدع مصر الفصائل الفلسطينية بعد للقاءات في القاهرة

وبدأ الاحتلال الإسرائيلي في تقديم "تسهيلات" اقتصادية لقطاع غزة، تعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 11 مايو/ أيار الماضي، تاريخ اندلاع الحرب الرابعة على القطاع. ومن هذه التسهيلات، توسيع مساحة الصيد البحري إلى 15 ميلاً بدلاً من 12، وإعادة فتح معبر كرم أبو سالم التجاري بشكل كامل بإدخال المعدات والبضائع جميعاً، إضافة إلى زيادة حصّة التجار والعمال من القطاع الراغبين في العمل في الداخل المحتل بخمسة آلاف تاجر، ليصل عدد المسموح لهم بذلك إلى سبعة آلاف، وزيادة حصّة المياه للقطاع بخمسة ملايين متر مكعب. ووفق بيانات الاحتلال الإسرائيلي المتعددة في الأيام الأخيرة والتي ترافقت مع "التسهيلات" التدريجية، فإنّ هذه الخطوات "مشروط بقاؤها بمواصلة الحفاظ على استقرار أمني طويل الأمد"، مع إشارة إلى توسيع هذه "التسهيلات" وفقاً لتقييم الاحتلال للوضع الميداني. 

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

 

وعلى الرغم من الارتياح العام في غزة من هذه الإجراءات الإسرائيلية، إلا أنّ هذا الانطباع يظلّ مغلفاً بكثير من القلق، وخصوصاً مع استمرار تحليق طيران الاحتلال الاستطلاعي في أجواء القطاع، وتواصل التهديدات الإسرائيلية والتحريض على اغتيال مطلق الرصاص باتجاه القنّاص الإسرائيلي في 21 أغسطس/ آب الماضي، والذي لقي مصرعه في وقت لاحق، متأثراً بإصابته هذه. ويبقى ملف الإعمار في القطاع هو الأهم، خصوصاً أنه لم يبدأ فعلياً حتى اليوم، في ظلّ عدم التقدم بخطوات عملية من قبل المانحين لجهة إعادة تمويل بناء ما دمرته الحرب الرابعة على القطاع. ويعني ذلك أنّ التوتر سيبقى إلى حين حلّ هذه الإشكالية، بالإضافة إلى الإشكاليات الاقتصادية المرتبطة باستمرار الحصار الإسرائيلي على القطاع منذ 15 عاماً. 

وفي غزة، هناك قراءتان لما يعرف بـ"التسهيلات" الإسرائيلية، أولاها أنّ الإدارة الأميركية الحالية تضغط على إسرائيل لبقاء الوضع هادئاً، وأنها لا ترغب في حروب أخرى، إضافة إلى تقديرات إسرائيلية بأنّ الحرب المقبلة ستكون على جبهات متعددة، وأن احتمال دخول "حزب الله" اللبناني فيها كطرف إلى جانب المقاومة الفلسطينية بات شبه مؤكد. أما القراءة الثانية، فهي تشبه ما كانت عليه غزة قبل حرب عام 2008، حيث قامت إسرائيل بتقديم تسهيلات كثيرة، لتعود فجأة، ومن دون مقدمات، وتشن حرباً قاسية على القطاع لمدة 23 يوماً، بدأتها مباغتة باستهداف تجمع للتدريب الشرطي التابع لحكومة غزة. ووفق مصادر مطلعة تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإنّ فصائل المقاومة في غزة، وخصوصاً "حماس"، تتعامل مع جميع الاحتمالات والقراءات حيال هذه التسهيلات، وأنها عمّمت بضرورة أخذ الحيطة والحذر على قيادات الصف الأول في المستويين السياسي والعسكري، خشية من "غدر" إسرائيلي. 

وحول ذلك، يقول الخبير في الشأن الإسرائيلي حاتم أبو زايدة، لـ"العربي الجديد"، إنّ إسرائيل قد تخطط لأمر كبير، فقيادتها الأمنية تقول إنها لم تحقق أهدافها في الحرب الأخيرة على القطاع، منبهاً إلى أن الاحتلال قد يقدم تسهيلات كخدعة، كي يقدم على استئناف العدوان على غزة لأيام عدة، يستهدف فيها القيادة السياسية والعسكرية في القطاع من خلال توفير عنصر المباغتة، أو استهداف مطلق الرصاص على القناص الإسرائيلي على حدود غزة قبل أقل من أسبوعين.

في المقابل، يرى أبو زايدة، وفق القراءة الثانية، أن إسرائيل ليست معنية بحرب على القطاع، ولديها أولويات كالملف النووي الإيراني و"حزب الله" في لبنان، وخصوصاً أن تقديرات المؤسسة العسكرية في إسرائيل هي أن الحرب المقبلة ستكون متعددة الجبهات. ووفق أبو زايدة، هناك تقديرات سياسية لدى الاحتلال، تنظر إلى أنّ الإدارة الأميركية برئاسة جو بايدن، ليست معنية بحروب وتريد التهدئة، وهناك تقدير أيضاً بأنّ التسهيلات لا توفر أرضية لفصائل المقاومة في غزة لدحرجة الأوضاع إلى حرب. 

بدوره، يشير الكاتب والمحلل السياسي ثابت العمور، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "التحول الحاصل في موقف الاحتلال من حصار غزة والتسهيلات التي نلاحظها، تحتمل مجموعة قراءات، خصوصاً أنها تزامنت مع تصعيد الأدوات الخشنة على حدود القطاع وعودة الإرباك الليلي، والتي أفضت إلى مقتل جندي إسرائيلي قناص". ويوضح العمور أنّ "التصعيد من غزة لم يؤثر على تتابع التسهيلات، حتى وصلت إلى السماح بإدخال مواد البناء، وهذه الانسيابية في التسهيلات تعني وجود ضغوط أميركية جادة على إسرائيل بأنّ تذهب إلى التسهيلات قبل انفجار قطاع غزة باتجاه إسرائيل والعودة للاشتباك والحرب". وبحسب العمور، فإن حدوث مثل هذه الحرب "سيفضي إلى تبعات لا تريدها واشنطن الآن، خصوصاً في ظلّ التحركات الإسرائيلية لاجتراح عودة للتسوية والمفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل". 

غير أنّ العمور يلفت إلى أنّ التسهيلات ربما تكون "محاولة للترويض" الذي يفضي إلى التراخي، بحيث تركن غزة ومقاومتها إلى أن الاحتلال استجاب للضغوط وبالتالي تتلاشى فعاليات الإرباك الليلي والبالونات الحارقة، ثم تركن الأجنحة العسكرية للهدوء ولهذه الأريحية والانسيابية، فتنفذ إسرائيل عملية اغتيال ربما لقيادات وازنة في غزة، الأمر الذي سيشكل صدمة ويربك مكونات القطاع. ويعتبر العمور أن هذه الحرب، إنّ جرت، فستكون فيها إسرائيل صاحبة المبادرة، وهو سيناريو وارد، حدث في حرب عام 2008، محذراً من "مخطط يحاك لقطاع غزة ويستهدف ترويض القطاع، إما بالعصا أي الحرب، وإما بالجزرة أي التسهيلات".

المساهمون