تقييد الـ"درونز": مراجعة تقليدية لإدارة بايدن لن توقف "حروب الظلّ"

تقييد الـ"درونز": مراجعة تقليدية لإدارة بايدن لن توقف "حروب الظلّ"

06 مارس 2021
أثار استخدام المُسيّرات في الحروب جدلاً في الولايات المتحدة (دون إيميرت/فرانس برس)
+ الخط -

لم يعد استخدام الطائرات المسيّرة في الحروب، ولضرب الأعداء أو أهداف بشرية وغير بشرية، في ساحات تعدّ ساحات قتال، أو أهدافاً لأطراف متصارعين، أمراً جديداً، على الرغم من أنه يظلّ سلاحاً غير تقليدي، له تاريخ من التطور، لكنه برز بشكل كبير، إثر اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001 التي ضربت الولايات المتحدة، واستخدمته الإدارات الأميركية منذ ذلك الحين، في حروبها ضد "الإرهاب".

اليوم، لن يحيد الرئيس الأميركي جو بايدن، عن سياسة أسلافه، جورج بوش الابن، وباراك أوباما، ودونالد ترامب، في الاعتماد على المُسيّرات القتالية، في هذه الساحات، لكن قراره بفرض قيود مؤقتة على تنفيذ ضربات بالطائرات من دون طيار، والذي كُشف عنه أمس الجمعة، يأتي في سياق محاولة التميز عن ترامب، الذي منح البنتاغون صلاحيات واسعة في هذا الاستخدام، تبعاً لـ"ثقته بالجنرالات"، كما لم يقدم على إطلاع الرأي العام ولو لمرة واحدة، على استراتيجية إدارته في ما خصّ تنفيذ ضربات بالمُسيّرات. هذا التميز، للرئيس الحالي، والنائب السابق لأوباما الذي توسعت في ولايته الأولى بشكل كبير الضربات بالطائرات من دون طيار، قد لا يتخطى الوقت الذي تُعد فيه إدارته رؤيتها للاستراتيجية الدفاعية، وهو لاقى انتقادات من الجمهوريين. ويأتي ذلك علماً أن بايدن يتعرض أيضاً لضغوط من الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي، والذي يطالب بإنهاء "حروب الظل" ضد شبكات الإرهاب حول العالم، والتعويل أكثر على محاربة هذه الجماعات بمنطق فرض القانون، وبالتنسيق الوثيق مع الحلفاء. ويعد استخدام "الدرونز" واحداً من أبرز ملامح عهد أوباما، لا سيما في اليمن وأفغانستان، وهو لطالما ارتبط بسجال واسع حول الضحايا المدنيين الذين تقتلهم المُسيّرات.

انتقد الجمهوريون قرار بايدن واعتبروه إعاقة بيروقراطية

وكشفت صحيفتا "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست"، أن إدارة بايدن، فرضت قيوداً مؤقتة على تنفيذ الضربات بالطائرات المسيّرة، ضد أهداف مشتبه فيها بأنها إرهابية، في ساحات القتال، ما عدا أفغانستان وسورية والعراق، في محاولة لتقليص سياسة ترامب، ريثما يقوم المسؤولون المعنيون، بمراجعة المدى الذي من الممكن منحه للجيش ووكالة الاستخبارات المركزية، لجهة إطلاق أيديهم في هذا الخصوص. وبحسب الصحيفتين، فقد فرضت هذه القيود، بشكل سرّي، في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، تاريخ تنصيب بايدن رسمياً رئيساً للولايات المتحدة، وقد فرضها مستشار الأخير للأمن القومي، جيك سوليفان، بحسب مسؤولين في الإدارة رفضوا الكشف عن هوياتهم.

وبحسب القيود الجديدة، فإن البنتاغون والـ"سي آي إيه"، عليهما الحصول على موافقة وتوقيع البيت الأبيض، قبل تنفيذ مهمة "اقتل أو اعتقل" ضد أي مشتبه فيهم في أماكن تتواجد فيها قوات أميركية على الأرض بعدد قليل، مثل الصومال واليمن وليبيا. وكان ترامب ألغى الحاجة للعودة إليه لتنفيذ مثل هذه العمليات، لكن الأمر ظلّ يحتاج في عهده إلى "الضوء الأخضر" من السفير الأميركي الذي يعمل في الدولة حيث سيجري الاستهداف.

ونقلت "واشنطن بوست" عن المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، إيميلي هورن، قولها، إنه "في بداية عهد الإدارة الجديدة، وضع الرئيس بايدن دليل إرشاد جديدا في ما يرتبط باستخدام الولايات المتحدة القوة، وعمليات الأمن القومي المرتبطة بها"، لافتة إلى أن هدف ذلك "التأكد من أن للرئيس كامل الاطلاع على العمليات المقترحة في الوقت الذي سيقوم به مجلس الأمن القومي بمراجعة للأطر القانونية والسياسية التي ستخدم تنفيذ الضربات بالطائرات من دون طيار، كما أن المراجعة ستشمل التأكد من اتخاذ إجراءات الشفافية المناسبة". من جهته، أبدى الحزب الجمهوري امتعاضه من القرار. وقال النائبان عن الحزب، مايك روجرز ومايكل ماكول، إن ذلك "يشكل عائقاً بيروقراطياً آخر، سيمنح أعداءنا مكسباً". وأضاف النائبان أنه "بينما ستكون عملياتنا في انتظار الموافقة، سيهرب الإرهابيون من الفخ، وسيحاربون ضد الولايات المتحدة وحلفائها يوماً آخر".

وتأتي خطوة بايدن بعد حوالي عقدين من الحرب العالمية ضد الإرهاب، والتي أضعفت تنظيم "القاعدة" ثم تنظيم "داعش"، لكنها لم تقض عليهما. وكانت إدارتا بوش وأوباما قد أمضتا وقتاً طويلاً خلف الأبواب المغلقة، لفهم الدروس الأساسية من استخدام إدارتيهما لهذه الآليات الحربية التي استخدمتها الولايات المتحدة خلال عهديهما في ساحات القتال، بشكل غير مسبوق من قبل.

لم يكشف ترامب عن سياسة إدارته في استخدام المُسيّرات

وتعزز استخدام الطائرات من دون طيّار في عمليات مكافحة الإرهاب، في ظلّ إدارة أوباما، الذي سعى إلى قتل "الإرهابيين" وتقليص سقوط القتلى من القوات الأميركية. وكانت الحرب في ذلك الوقت ضد تنظيم "القاعدة" ومتفرعاتها ثم "داعش" في أوجها، كما أن ذلك ترافق مع محاولة أوباما تحديد أجندة واضحة لإنهاء الحروب الطويلة لبلاده في الخارج. لكن تلك الضربات، بما فيها تلك التي نفذتها "سي آي إيه"، أثارت جدلاً حول حجم الضحايا المدنيين، واستهداف مواطنين أميركيين في بعض الأحيان، وغياب الشفافية حول القواعد التي تحكمها. وإثر ذلك، أمضى البيت الأبيض في عهد أوباما، أكثر من عام، على صياغة سياسة لاستخدام المُسيّرات، انتهى العمل عليها عام 2013، وغطّت الضربات ضد أهداف وغارات فرق "الكوماندوس"، وناقشتها إدارة الرئيس الأسبق علنياً. وتطلبت تلك السياسة، التي تمّ الإشراف عليها خصوصاً من المستشارة القانونية آنذاك لمجلس الأمن القومي، أفريل هاينز، وهي حالياً مديرة وكالة الأمن الوطني في عهد بايدن، أن يكون الهدف "يشكل خطراً وشيكاً ودائماً" على المواطنين الأميركيين، كما أن الضربة تجاز "فقط إذا كان إلقاء القبض (على الهدف) مستحيلاً، وإذا كان هناك شبه تأكيد بأن مدنيين سوف يتأذون". كما أن بعض الحالات كانت تتطلب موافقة رئاسية.

ومع وصول ترامب إلى السلطة، اعتبرت الإدارة الجمهورية أن تلك القيود تشكل عبئاً بيروقراطياً، وطوّر الرئيس الجمهوري السابق سياسته الخاصة في هذا المجال، والتي لم يكشف عنها، لكنها خفّفت من قيد "شبه التأكد" من الخطر الذي يمثله المشتبه فيهم. كما منحت الضوء الأخضر للجنرالات لإصدار الأوامر بتنفيذ الضربات، دون الحاجة إلى العودة للبيت الأبيض في الكثير من الأحيان.

واعتبر الضابط المتقاعد في "سي آي إيه" مارك بوليميروبولوس أن الضربات بالمُسّيرات أثبتت أنها السلاح الأكثر فعالية في محاربة الإرهاب منذ 11 سبتمبر/ أيلول 2001، متوقعاً أن تصل إدارة جو بايدن إلى مكان وسط بين سياستي أوباما وترامب في هذا الصدد.