تشاد: الخميس الدامي عقبة إضافية أمام الانتقال الديمقراطي

تشاد: الخميس الدامي عقبة إضافية أمام الانتقال الديمقراطي

22 أكتوبر 2022
سمحت خريطة الحوار لديبي بالترشح مجدداً (دنيس ساسو غيبير/فرانس برس)
+ الخط -

قتل نحو 50 شخصاً، بحسب تقديرات حكومية في تشاد، أول من أمس الخميس، بقمع الشرطة في العاصمة نجامينا، ومدن أخرى، للتظاهرات التي خرجت رفضاً لتمديد الفترة الانتقالية في البلاد، وبقاء محمد إدريس ديبي إتنو، ابن الرئيس الراحل إدريس ديبي إتنو، رئيساً انتقالياً لعامين إضافيين، بعد اختتام الحوار الوطني في وقت سابق من شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي، بخريطة طريق انتقالية للوصول إلى الانتخابات.

وكان من المتوقع أن تشهد تشاد، الدولة الواقعة في وسط أفريقيا، اضطرابات أمنية أو سياسية، بعد إعلان خريطة الطريق، واختتام الحوار، الذي رأت فيه الكثير من الحركات المعارضة، السياسية والعسكرية، والتي قاطعت الحوار، توطئة لبقاء محمد ديبي في السلطة، بعدما كان والده أحكم قبضته على البلاد لـ3 عقود ماضية، قبل مقتله على الجبهة ضد المتمردين، بحسب ما أعلن الجيش، في إبريل/نيسان 2021. وتشكّك حركات معارضة عدة، لم تشارك في الحوار الوطني، بنوايا ديبي، وصدق النوايا لدى السلطات الانتقالية بشأن تعهداتها بالذهاب إلى تداول سلمي للسلطة.

فرضت السلطات حظر تجول ليليا "حتى استعادة الأمن"

وإذ دانت دول ومنظمات عدة، أمس، إفراط السلطات الانتقالية في تشاد، باستخدام العنف والقمع ضد المتظاهرين، تظهر الأحداث الأخيرة، صعوبة الوصول في تشاد إلى مرحلة الانتقال الديمقراطي كما يشتهي المتظاهرون، في بلد لم يعرف منذ استقلاله عن فرنسا (1960) معنى التداول السلمي للسلطة. لكن اللافت، رغم القبضة الحديدية التي أظهرها ديبي الابن، أمس، حجم الامتعاض الشعبي الذي تبّدى منه، وهو أمرٌ لم تشهده العقود الثلاثة التي حكم بها والده، أقلّه بهذا الحجم.

عشرات القتلى والجرحى بتظاهرات تشاد

وأعلنت الحكومة التشادية، أول من أمس، مقتل نحو 50 شخصاً خلال صدامات دامية بين الشرطة ومتظاهرين احتجوا على سيطرة الجيش على السلطة، وفرضت حظر تجول ليلياً. ووصفت الحكومة ما حصل الخميس، بأنه "تمرد شعبي مسلّح للسيطرة على السلطة بالقوة"، متعهدة بـ"سوق من وقف وراء هذا العنف إلى العدالة".

وكان مئات المواطنين في العاصمة التشادية نجامينا ومناطق أخرى، قد خرجوا الخميس إلى الشوارع، تزامناً مع الموعد الذي وعد فيه الجيش عند تسلمه السلطة، بنقل الحكم لمدنيين منتخبين، قبل أن يمدّد أخيراً الفترة الانتقالية لعامين إضافيين.

وأكد رئيس الوزراء التشادي صالح كبزابو، مساء الخميس، سقوط 50 قتيلاً، موضحاً أن معظمهم وقعوا في نجامينا ومدينتي موندو وكومرا، فيما أصيب أكثر من 300 آخرين. وأعلن كبزابو فرض حظر تجول ليلي، قال إنه سيظل ساري المفعول حتى "الاستعادة التامة للأمن" في بؤر الاضطرابات. كما أعلن "تعليق جميع أنشطة" أحزاب معارضة بارزة، متعهداً فرض النظام في أنحاء البلاد.

وأوضح رئيس الوزراء التشادي لاحقاً، لصحيفة "ذا غارديان" البريطانية، عبر الهاتف، أنه أمر أكبر أحزاب المعارضة، حزب "تراسفورمرز"، وتحالف أحزاب معارضة أخرى مع منظمات مدنية تدعى "واكيت تاما"، لوقف أنشطتها، متهماً "تراسفورمرز" بأنه "قاد تمرداً في الجنوب وبدأ بقتل الناس".

من جهته، قال المتحدث باسم الحكومة، عزيز محمد صالح، لوكالة "فرانس برس"، إن "تظاهرة محظورة تحولت تمرّداً". واتهم صالح المتظاهرين بمهاجمة "مبانٍ عامة، مقر المحافظة، مقر حزب رئيس الوزراء ومقر رئيس الجمعية الوطنية".

ونقلت وكالة "أسوشييتد برس"، عن منظمين للتظاهرات، سقوط عدد أكبر من القتلى. وقال هؤلاء للوكالة، إن 40 قتيلاً سقطوا في العاصمة، و32 آخرين في موندو. ونقلت الوكالة عن شهود عيان، قولهم إن المتظاهرين كانوا بدأوا إطلاق الصافرات عند الثالثة فجراً الخميس، في كل أنحاء العاصمة، ثم التجمع، فيما بدأت قوات الشرطة تطلق عليهم الغاز المسيل للدموع بداية، قبل أن يواصلوا التقدم، بأعداد أخذت تكبر. عندئذ، بحسب الشهود، أطلقت قوات الأمن الرصاص الحيّ على المتظاهرين، وتركتهم يكافحون لجمع الجثث عن الأرض، فيما واصلت هي إطلاق الغاز المسيل للدموع عليهم.

واستهدف المتظاهرون مقرّ حزب "الاتحاد الوطني للتنمية والتجديد" الذي ينتمي إليه كبزابو والذي "احترق جزئياً"، بحسب نائب رئيس الحزب سيليستان توبونا، كما نقلت عنه "فرانس برس".

وقال الشاب عباس محمد (35 عاماً)، للوكالة، إنه خرج للتظاهر "للتنديد بحوار الواجهة الذي يكرّس النظام وللمطالبة بتغيير السلطة"، مذكّراً بأنه "خلال 31 عاماً، لم نشهد أيّ تغيير إيجابي في بلدنا".

دانت دول عدة الاستخدام المفرط للقوة في وجه المتظاهرين

ولاقت تطورات تشاد، واستخدام السلطة الرصاص الحيّ ضد المتظاهرين، إدانة دولية واسعة. وقالت وزارة الخارجية الفرنسية، إن "عنفاً وقع في تشاد، خصوصاً مع استخدام الأسلحة الفتّاكة ضد المتظاهرين، وهو ما تدينه فرنسا"، مؤكدة في الوقت ذاته أن باريس لا تؤدي "أي دور في هذه الأحداث".

من جهته، دان رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد، في تغريدة على "تويتر"، "بشدة قمع الاحتجاجات"، داعياً "إلى انتهاج طرق سلمية لتجاوز الأزمة" في البلاد. وأبدت الأمم المتحدة "استنكارها الاستخدام المميت للقوة"، داعية إلى إجراء تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان المبلّغ عنها. كما دان الاتحاد الأوروبي تصرف السلطات التشادية، وشدّد مفوض السياسة الخارجية والأمنية للاتحاد جوزيف بوريل في بيان، على أن "قمع التظاهرات والاستخدام المفرط للقوة يشكلان انتهاكاً خطيراً لحرية التعبير والتظاهر، ما يقوّض العملية الانتقالية الجارية"، داعياً إلى محاكمة المسؤولين عن ذلك.

وطالب مدير منظمة "هيومن رايتس ووتش" في وسط أفريقيا لويس مودج، بإجراء تحقيق محايد لتحديد المسؤولية وضمان عدم استخدام القوة إلا كإجراء أخير.

بدورها، دعت سميرة داوود، مديرة منظمة العفو الدولية لمنطقة غرب ووسط أفريقيا، السلطات التشادية، لـ"وقف فوري للاستخدام المفرط للقوة ضدّ المتظاهرين". وأضافت أنه "ينبغي على السلطات اتخاذ خطوات فورية لإجراء تحقيق وسوق المسؤولين عن عمليات القتل غير القانونية التي وقعت إلى العدالة". ولفتت "العفو الدولية" إلى أنها ليست المرة الأولى التي تطلق قوات الأمن التشادية الرصاص على المدنيين، ذاكرة حادثتين مماثلتين في 2021 و2022.

شكوك حول نوايا ديبي

وجاءت أعمال العنف في تشاد، في أعقاب حوار وطني نظمه محمد إدريس ديبي إتنو اختتم بإعلان التمديد له على رأس السلطة الانتقالية، والسماح "له ولغيره" بالترشح للانتخابات المقبلة.

ومنذ تسلّمه السلطة بعد مقتل أبيه، أثار ديبي الابن غضب الكثيرين في الداخل وأحرج داعميه في الخارج بالبقاء في السلطة بعد الموعد النهائي لتسليم الحكم إلى مدنيين منتخبين والذي كان يفترض أن ينتهي أول من أمس.

وكان المشاركون في الحوار الوطني التشادي، قد اختتموا أعمالهم في 8 أكتوبر الحالي، بإقرار خريطة طريق للمرحلة الانتقالية، ووافقوا على جدول زمني جديد يضع "حدّاً أقصى" لإجراء الانتخابات مدته 24 شهراً، ومدّدوا لحكم ديبي الابن سنتين. وعيّن بموجب توافقات "الحوار" ديبي "رئيساً انتقالياً" وسمحوا له بالترشح في الانتخابات المقررة. وأدّى الجنرال الشاب اليمين الدستورية في 10 أكتوبر، وعيّن لاحقاً "حكومة وحدة وطنية" برئاسة صالح كبزابو (75 عاماً)، وهو معارض وصحافي سابق.

يذكر أن دولة قطر كانت قد استضافت مفاوضات السلام التشادية في مارس/آذار الماضي، بمشاركة ممثلين للمجلس العسكري الانتقالي وحركات معارضة تشادية. واختتمت مفاوضات الدوحة بتوقيع السلطات الانتقالية في تشاد وجماعات من المعارضة، في أغسطس/آب الماضي، اتفاقاً للسلام برعاية قطرية، مهّد الطريق أمام حوار للمصالحة الوطنية الشاملة.

(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز، أسوشييتد برس)


 

المساهمون