اتفاق السلام في تشاد.. نجاح جديد لقطر في وساطات حلحلة الأزمات

اتفاق السلام في تشاد.. نجاح جديد للدبلوماسية القطرية في وساطات حلحلة الأزمات

08 اغسطس 2022
نشطت الدبلوماسية القطرية في العديد من الملفات الإقليمية والدولية (Getty)
+ الخط -

أضافت الدبلوماسية القطرية، نجاحا جديدا إلى سجل نجاحاتها، بتوقيع اتفاق الدوحة للسلام في تشاد، والذي وقع عليه ممثلون عن المجلس العسكري الانتقالي في تشاد، ونحو 30 حركة سياسية وعسكرية تشادية معارضة، وهو الاتفاق الذي يمهد للحوار الوطني الشامل الذي سيعقد في إنجامينا بتشاد في العشرين من شهر آب/أغسطس الجاري، وستكون دولة قطر فيه مراقبا، وأحد ضامني الاتفاق.

والنجاح الذي سجلته الدوحة، بعد 5 شهور من المفاوضات بين الحكومة التشادية وحركات المعارضة، لم يكن مفاجئا، بل كان متوقعا، علما بأن دخولها على خط الوساطة، كان بطلب من المجلس الانتقالي العسكري، وبقبول تام من جميع أطراف المعارضة التشادية، التي رأت في الدوحة وسيطا نزيها.  

ونشطت الدبلوماسية القطرية على مدى العقود الثلاثة الماضية، في العديد من الملفات والقضايا والإقليمية والدولية، وبذلت جهوداً دبلوماسية لإحلال السلام والتوافق بين مختلف الأطراف والكيانات والدول، لتقريب وجهات النظر وإيجاد حلول مستدامة للنزاعات والخلافات.

ويقول الكاتب والإعلامي جابر الحرمي، إن النهج الذي انتهجته قطر منذ منتصف التسعينيات، أثمر عن هذه النجاحات التي تحققها على صعيد الوساطات، حيث مضت في مسار الوساطات إيمانا منها بأن استقرار الأقاليم المجاورة لها يسهم في تحقيق الاستقرار في منطقة الخليج، حيث مضت في هذه الرؤية، واكتسبت مصداقية عالية وحققت نجاحات في ملفات استعصت في كثير من الأحيان على عدة أطراف.

ونستذكر هنا، لبنان عام 2008 حينما كاد البلد ينزلق مجدداً إلى حرب أهلية، حيث استطاعت قطر إنقاذ الموقف، وتوصل الفرقاء إلى صيغة مجددة استطاعت أن تنقذ البلد من نفق مظلم.

وهناك بالطبع العديد من النجاحات التي أشاد بها العالم ومنها دارفور، واتفاق السلام في أفغانستان الذي أوقف حربا طالت عقودا كبيرة وكان علامة فارقة، واتفاق السلام في تشاد الذي وقع اليوم بالدوحة، وهو واحد من هذه النجاحات التي تسجلها الدوحة، والتي  تسعى من خلال وساطاتها إلى إيجاد استقرار في المنطقة وأن تنعم الشعوب بثرواتها، فالاضطرابات والحروب لا تحقق نجاحا أو مكسبا لأي دولة. ولا يمكن تحقيق تنمية أو استقرار بحروب عسكرية.

نشطت الدبلوماسية القطرية على مدى العقود الثلاثة الماضية، في العديد من الملفات والقضايا والإقليمية والدولية

وأضاف الحرمي أنه بموازاة الجهود التي تقوم بها قطر في تشاد، ساهمت بما تم التوصل إليه بين حركة الجهاد الإسلامي في غزة والكيان الإسرائيلي حيث استطاعت مع مصر، وقف العدوان الإسرائيلي الذي استهدف غزة وأهلها. وهي مستمرة بنهجها بعيدا عن أي أجندة خاصة في تحقيق الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة.

نجاحات قطرية

ويعد اتفاق الدوحة لتحقيق السلام في أفغانستان، والذي وقع في فبراير/شباط عام 2020، أبرز الملفات التي تصدت لها الدبلوماسية القطرية، وأدارتها على مدى سنوات طويلة، شهدت خلالها المفاوضات عقبات كبيرة، وتقاطعات، وانتهت بتوقيع الاتفاق ورحيل القوات الأميركية وقوات حلف الناتو عن أفغانستان، منهية عقودا من الحروب والدمار.

كما لعبت الدبلوماسية القطرية دورا هاما وأصيلا في التوصل إلى اتفاق الدوحة للسلام في دارفور، وثيقة سلام دارفور بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة عام  2013، وقبلها استضافت الدوحة عام 2011 مراسم توقيع ممثلي الحكومة السودانية وحركة "التحرير والعدالة" الوثيقة النهائية لسلام دارفور.

وجرى التوقيع بعد وساطة قطرية ناجحة بين الطرفين المتنازعين اللذين خاضا مفاوضات استمرت عامين ونصف العام، وقد عالجت الوثيقة أسباب وتداعيات النزاع، كاقتسام السلطة والثروة وحقوق الإنسان واللجوء والنزوح والتعويضات ووضع الإقليم الإداري والعدالة والمصالحات، وقد أجيزت بعد عقد مؤتمر لأهل المصلحة في دارفور بالدوحة.

كما ساهمت الدوحة في إطلاق إريتريا سراح الأسرى الجيبوتيين وفي إطلاق سراح رهائن في سورية، وقبل ذلك أثمرت في وضع حد للفراغ الرئاسي في لبنان، وغيرها. كما عملت، وما زالت تعمل، على تحقيق المصالحة بين الفلسطينيين.

ومن أبرز القضايا التي عملت عليها الدبلوماسية القطرية، اتفاق دارفور عام 2013 حيث وقعت الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة والحركات المعارضة على اتفاق وقف إطلاق النار، في محاولة لإعادة إحياء عملية السلام المجمدة بينهما.

وجاء الاتفاق في أعقاب تصاعد القتال في إقليم دارفور، وخرق اتفاق آخر تم توقيعه بوساطة قطرية أيضا عام 2011، والإفراج عن أسرى جيبوتيين لدى إريتريا سنة 2016، حيث أثمرت المساعي القطرية بالإفراج عن أسرى جيبوتيين لدى إريتريا، ضمن جهود وساطة أعادت الأسرى إلى بلدهم، برفقة وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني على متن طائرة خاصة في مارس/آذار 2016، ولقيت الخطوة ترحيب مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، كما أشاد حينها الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله بالوساطة القطرية، ودور أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في إطلاق سراح الأسرى.

كذلك نجح الوسيط القطري في الإفراج عن جنود لبنانيين مختطفين عام 2015، حيث نجحت جهود الوساطة في الإفراج عن الجنود اللبنانيين الـ16 الذين اختطفتهم "جبهة النصرة" في آب/أغسطس 2014، في جرود عرسال على الحدود اللبنانية السورية، مقابل إفراج الحكومة اللبنانية عن 25 سجينا، طالبت الجبهة بإطلاق سراحهم، بينهم 17 امرأة.

وجاء نجاح هذه العملية بعد مفاوضات مطولة خاضتها الدوحة لأكثر من عام، لتقليص هوة الخلاف بين الجبهة والأطراف الأمنية والسياسية في لبنان.

وفي نفس العام، وقع اتفاق سلام بين قبائل التبو والطوارق في ليبيا، بعد مفاوضات ناجحة استمرت أربعة أيام برعاية قطرية، معلنة انتهاء سنتين من صراع استعرت فيه الاشتباكات المسلحة بين التبو والطوارق، وقد نص اتفاق الدوحة على عودة النازحين والمهجرين جراء العمليات العسكرية إلى مناطقهم، وفتح الطريق العام نحو مدينة أوباري، وإنهاء كافة المظاهر المسلحة.

كما نجحت الوساطة القطرية في إطلاق سراح 13 راهبة أرثوذكسية تم اختطافهن من دير مار تقلا بمدينة معلولا في سورية عام 2014، كما شهدت العملية إطلاق سراح أكثر من 153 معتقلة سورية من سجون النظام السوري، وفي التوسط لإبرام صفقة تبادل الأسرى بين أميركا وطالبان، بطلب من أطراف الصراع، حيث بذلت قطر جهودا ذات طابع إنساني، أفضت إلى صفقة تبادل الأسرى بين الولايات المتحدة وطالبان، حرر بموجبها الرقيب بالجيش الأميركي باو برغدال وتسليمه للقوات الخاصة الأميركية بأفغانستان، مقابل خمسة من مقاتلي طالبان وصلوا الدوحة من سجن غوانتانامو العسكري.

ولم يغِب الدور القطري عن الوساطة لإنهاء الانقسام السياسي الداخلي بين الحركتين الفلسطينيتين فتح وحماس، حيث رعت الدوحة اتفاقا وقعته الحركتان لتسريع وتيرة المصالحة الوطنية.

ونجحت الدوحة عام 2011 في إبرام اتفاقية سلام بين حكومتي جيبوتي وإريتريا، لتسوية النزاع الحدودي القائم بينهما.

كما وقعت الأطراف اللبنانية عام 2008 في الدوحة اتفاقاً توصلت إليه بوساطة قطرية، بعد 18 شهراً من أزمة سياسية عصفت بالبلاد، وأفضى اتفاق الدوحة إلى انتخاب قائد الجيش اللبناني آنذاك ميشال سليمان رئيساً للجمهورية (انتهت ولايته في مايو/أيار 2014) وإقرار قانون الانتخابات الذي قسم العاصمة بيروت إلى ثلاث مناطق، فضلاً عن تشكيل حكومة وحدة وطنية.

كما نجحت الجهود القطرية في إنهاء أزمة الطبيب الفلسطيني والممرضات البلغاريات في ليبيا، بعد صفقة تم بموجبها الإفراج عن هؤلاء، بعد ثماني سنوات قضوها في السجن، وكانت الممرضات البلغاريات الخمس والطبيب الفلسطيني -الذي تم منحه الجنسية البلغارية لاحقا- حوكموا في ليبيا بتهمة نقل فيروس الإيدز عمدا إلى 450 طفلا ليبيا ليصدر بحقهم حكم الإعدام، ويتم تخفيف الحكم لاحقا إلى السجن مدى الحياة، وشمل الاتفاق إنشاء "الصندوق الليبي من أجل الأطفال المصابين بالإيدز" الذي ساهمت فيه قطر والتشيك.

وكان لدولة قطر، وما زال، دور بارز في التوصل إلى هدنة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل خلال الحروب التي تشنها الأخيرة على قطاع غزة، وتواصل دولة قطر تقديم الدعم الإغاثي ومشاريع البنية التحتية والإسكان، وتلبية الاحتياجات الإنسانية للشعب الفلسطيني المحاصر في غزة.

وأسفرت الجهود القطرية عام 2021 عن إنهاء الخصومة بين كينيا والصومال، لتعلن كينيا في 6 مايو/أيار 2021 عن عودة علاقاتهما بعد خصومة دامت نحو 5 أشهر، وذلك بعد أن اتهمت مقديشو نيروبي بالتدخل في شؤونها الداخلية. 

واستضافت الدوحة في يونيو/حزيران 2022 مباحثات غير مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران بوساطة أوروبية، تهدف إلى حلّ المسائل العالقة بين الجانبين التي تمنع الوصول إلى تفاهم على إعادة إحياء اتفاق عام 2015 بشأن البرنامج النووي الإيراني.